الانتخابات التشريعية تشق صفوف إخونجية الجزائر
منذ الإعلان عن تأسيس تكتل “نداء الوطن” من جمعيات ومنظمات وهيئات مدنية موالية للسلطة في الجزائر، صعّدت حركة حمس من تحذيراتها لتحويل التكتل إلى حزب رئيس الجمهورية، أو الوقوف خلفه في استحقاق الانتخابات التشريعية، في استنساخ للتجربة التي عاشتها البلاد في منتصف تسعينات القرن الماضي حين عمدت السلطة إلى تشكيل حزب التجمع الوطني الديمقراطي في 1996، وحاز على أغلبية البرلمان في انتخابات 1997، فأطلق عليه آنذاك توصيف “الصبي الذي ولد بشواربه”.
وما زالت ارتدادات الانتخابات التشريعية المبكرة تضرب معسكر التيار الإخونجي في البلاد بشكل يوحي بأن دخوله سيكون بأجنحة متنافرة بين متماهين مع أجندة السلطة على أمل إرساء شراكة سياسية جديدة، وبين مشككين في نوايا السلطة لا يتوانون في إشهار ورقة التخندق مجددا في صفوف الحراك.
حمس تهدد
وقد هدد رئيس حركة مجتمع السلم الإخونجية (حمس) عبد الرزاق مقري بالعودة إلى صفوف الحراك الشعبي بسبب بوادر انحياز السلطة لصالح تيار سياسي معين خلال الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في الـ12 من يونيو المقبل، وهي رسالة حملت مخاوف أكبر الأحزاب الاخونجية من إمكانية تلقيها هزيمة انتخابية خلال الاستحقاق المذكور.
وبرّر مقري تهديده بما أسماه بـ”التجاوزات والخروقات” التي سجلتها حمس خلال عملية تحضير الانتخابات المذكورة، حيث تمت معاينة تدخل الإدارة وانحيازها في تشكيل لوائح المستقلين التي ينتظر أن تدخل بقوة خلال السباق، في ظل رهان السلطة على المجتمع المدني ليكون شريكا سياسيا لها في المشهد القادم.
مواقف متناقضة
ويسجل تيار الإخونجية مواقف وردود فعل متناقضة تجاه التطورات السياسية في البلاد، فرغم الإجماع على المشاركة في الاستحقاق فإن جبهة العدالة والتنمية بقيادة عبدالله جاب الله سجّلت تحفظات على سير عملية التحضير، وتماهت حركة البناء الوطني، التي يقودها المرشح الرئاسي السابق عبدالقادر قرينة، بشكل كامل مع خطاب السلطة، لاسيما في شقها المتصل بانتقاد احتجاجات الحراك الشعبي، بينما لم تعلق حركتا الإصلاح والنهضة لحد الآن على المستجدات الحاصلة.
وفيما شدد مقري على التحذير من تكرار سيناريو تزوير الانتخابات التشريعية في 1997 عاد بن قرينة إلى انتقاد انفراد تيار أيديولوجي معين بالحراك الشعبي المتجدد منذ الـ22 من فبراير الماضي، وحذر من استهداف سمعة المؤسسة العسكرية وتماسكها.
واستدل مقري في خطابه الأخير أمام كوادر حركته على بوادر التزوير بأن “قنصلا بإحدى القنصليات الجزائرية في بلد عربي يشرف شخصيا على تشكيل قائمة مستقلة ويدعمها”. كما اتهم “مسؤولين في بعض الولايات (المحافظات) بالتصرف في العملية خلافا لما وعد به رئيس الجمهورية من شفافية، فهم يتدخلون في تشكل القوائم الانتخابية”.
وذهب مقري إلى أن “قانون الانتخابات الجديد لا يزال دون إمكانية ضمان نزاهة الانتخابات، وأن ما يعطي ضمانات حول عدم التزوير هو إرادة رئيس الجمهورية ووعده بأن تكون الانتخابات المقبلة حرة ونزيهة، وهو ما يدعو كل مؤسسات الدولة إلى الانضباط واحترام القرار وألا يتورطوا في التدخل في صلاحيات مكاتب الانتخابات”.
بوادر هزيمة انتخابية
وحملت رسائل الرجل الأول في حركة حمس مخاوف أكبر الأحزاب الاخونجية من بوادر هزيمة انتخابية تكون حلقة جديدة في مسلسل تراجع شعبية الإسلاميين في الجزائر منذ انتخابات 2017، وتمهيدا مبكرا لتعليق أيّ هزيمة على شماعة التزوير والتلاعب بأصوات الناخبين.
وعبّر عن ذلك بالقول “الواقع السياسي يحتّم ضرورة أن تكون التشريعيات حرة ونزيهة بعيدا عن التزوير الذي راحت حمس ضحيته في أكثر من مرة”، في إشارة إلى الأوضاع السياسية المضطربة في الداخل واستمرار الاحتجاجات السياسية.
ولفت المتحدث إلى “ضرورة استغلال الفرصة الراهنة خاصة أن الوضع خطير ولا يسمح بهامش الخطأ، كون المرحلة ليست مرحلة صراع ولا أنانية وليست كذلك صراعا من أجل الكرسي، بل تستوجب التعاون ومنح الكلمة الفيصل للشعب لاختيار ممثليه”.
لكن في المقابل ما زال رئيس حركة البناء الوطني يعلق شماعة بوادر العزوف الانتخابي على ما وصفه بـ”الأقلية البائسة” التي اختطفت منطقة القبائل، والدعوة لندوات تسعى من ورائها لتكريس الجهوية والفيدرالية في تلميح إلى التيار الأيديولوجي العلماني الداعم لاحتجاجات الحراك.
واستغل بن قرينة فرصة التجمع السياسي الذي نظمه لأنصاره بمدينة أم البواقي في شرق البلاد لتوجيه نداء إلى من أسماهم بـ”أحرار القبائل الأمازيغ وجبال جرجرة في تيزي وزو وبجاية لإدراك أنه لا مستقبل لمنطقة القبائل إلا في حضن الوطن الأم، وأن المحاولات البائسة ستفشل مثل المحاولات التي سبقتها”.
وذهب إلى أبعد من ذلك دون أن يسمّي المعنيين، حين قال “من العيب أن نجد بعض النّخب تتردّد على السفارات، وربما تبيع بلدها بثمن بخس، والبلاد لا تباع وليست لها بورصة تشترى فيها لأنها وديعة الشهداء”.
وتابع “عيب أن تجد بعض النخب (…) تنتقص من مؤسسات الجمهورية وتطعن فيها في بيوت السفراء”.
وانخرط المتحدث بقوة في “خطاب التخوين” الذي تصاعد بقوة في الآونة الأخيرة بين السلطة والمعارضة، خاصة مع ظهور شعارات قوية في المظاهرات الأخيرة تدين جهاز الاستخبارات وقادة الجيش، ودخل في مواجهة سياسية مع منطقة القبائل التي اتهمها بـ”اختطاف الحراك”.