الانتخابات الفرنسية.. مأساة فرنسا وكابوس أوروبا الموحدة

يحيى عالم

لم يكن مفاجئًا أن يحصل حزب “التجمع الوطني” الذي يمثل تيار اليمين بقيادة مارين لوبان، على المرتبة الأولى في انتخابات الجمعية الوطنية (البرلمان) الفرنسية التي جرت يوم 30 يونيو/حزيران الماضي. ذلك أن اليمين المتطرف في عموم أوروبا يهيمن تدريجيًا على المشهد السياسي.

ولعلّ فرنسا ستكون البلد المحوري الأول في الاتحاد الأوروبي الذي سيسيطر عليه اليمين الشعبوي بعد إيطاليا، ثم ستعقبهما ألمانيا التي أصبح فيها اليمين الشعبوي يمثل القوة السياسية الثانية في البلاد، كما برهنت على ذلك الانتخابات الأوروبية الأخيرة. مما يعني أن حيازة اليمين الشعبوي للسلطة بشكل كامل في الاتحاد الأوروبي قد تحصل في الأمد القريب أو المتوسط كما تدل على ذلك عدة مؤشرات.

ولعل تقدم اليمين في فرنسا وإمكان فوزه في الجولة الثانية من الانتخابات الراهنة، سيكون ذلك الخطوة الأولى في هذا المسار، نظرًا للموقع المركزي الذي تحتله فرنسا في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى البعد الرمزي الذي تمثله في الخيال السياسي والثقافي الأوروبي الحديث والمعاصر.

وفي هذا الصدد، وبعد أن عالجنا في مقالتين سابقتين العوامل التي أدت إلى صعود اليمين الشعبوي والمخاطر التي يحملها صعوده للسلطة على أوروبا من حيث عودة الشمولية، فإن الحالة الفرنسية – وما أسفرت وستسفر عنه في الانتخابات الراهنة في جولتها الثانية بخصوص الاستقطاب بين اليمين المتطرف واليسار، وانهيار تمثيلية الفاعلين السياسيين التقليديين – تقدم لنا نموذجًا للدراسة يقارن في جهة أداء اليمين، والقضايا التي استثمر فيها بذكاء بين الأزمة الاقتصادية ومشكلة الهوية والقيم الثقافية، وفي الجهة الأخرى، بدائل ذلك اليمين والطاقات المضادّة، والدور المطلوب من المواطنين الفرنسيين الذين تعود أصولهم إلى خلفيات مهاجرة في إعاقة الهيمنة السريعة لليمين.

ويمثل اليسار وقواه السياسية هنا الاختيار النموذجي في فرنسا لما يمثله خطابه وعرضه السياسي من عناصر جذب، سواء داخل فرنسا، أو في القضايا الدولية والإقليمية، بما يخفف حدة التوتر والنزاعات في أوروبا والشرق الأوسط على السواء.

1- الانتخابات الفرنسية.. أزمة النظام السياسي

كشفت نتائج الانتخابات الفرنسية عن أزمة عميقة تواجه فرنسا في مستويين اثنين:

  • المستوى الأول: النظام السياسي

ستؤدي النتائج في جميع الحالات إلى تشكيل الحكومة من الطيف السياسي المعارض للرئيس، وهو طيف قد يمثل أغلبية البرلمان، مما يعني افتراضَ عطلٍ في تمظهرات السلطة بين الجمعية الوطنية (البرلمان) والحكومة والرئيس، ووجود توترٍ قد ينتج عنه عدم استقرار سياسي. وتشير التوافقات الراهنة بين طيف اليسار الذي حل في الجولة الأولى ثانيًا بعد حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان، ويمين الوسط الذي يقوده إيمانويل ماكرون، إلى انسحاب حوالي 214 مرشحًا، مما يفسح المجال أمام الدعم المتبادل للحيلولة دون تصدر اليمين الشعبوي للانتخابات.

هذا الخيار التوافقي، وإن كان سيؤثر على فرص اليمين الشعبوي في تصدر الانتخابات بشكل مريح، لا يحل معضلة أزمة السلطة، بل سيفرض إستراتيجيات جديدة في التعايش السياسي والمؤسساتي، وهو ما سيكون صعبًا في ظل التباين الحاد في البرامج السياسية والاجتماعية بين اليسار بمكوناته المتنوعة، وحزب ماكرون الليبرالي. بل يمتد الخلاف إلى القضايا الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية والعدوان على غزة.

  • المستوى الثاني: المشهد السياسي والمجتمعي

أفرزت الانتخابات استقطابًا حادًا بين أقصى اليمين وأقصى اليسار؛ ظل مؤجلًا منذ مجيء الرئيس الفرنسي ماكرون إلى السلطة. لم يكن الرئيس الفرنسي في واقع الأمر في مساره كفاعل سياسي يستند إلى تاريخ سياسي عريق كباقي الشخصيات السياسية الفرنسية التي مرّت على الحكم، وإنما استثمر بذكاء في التناقضات الحاصلة، وفي التخوفات المجتمعية من اليمين الشعبوي آنذاك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى