البرلمان العراقي يفشل في منح الثقة إلى شخصية جديدة لرئاسة الوزراء
حدد المسؤولون العراقيون في وقت متأخر الخميس مهلة جديدة تمتد حتى الأحد لتسمية مرشح لتكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة، مع انتهاء المهلة الدستورية، ووسط تخوف من دخول البلاد في المجهول في ظل استمرار الاحتجاجات رغم عمليات اختطاف واغتيال ناشطين.
وفي غياب اتفاق بين الكتل البرلمانية على الشخصية التي ستوكل إليها المهمة، قال مصدر في رئاسة الجمهورية إنّ السلطات اتفقت على تأجيل المهلة حتى يوم الأحد نظراً إلى انّ الجمعة والسبت يوما العطلة الأسبوعية في العراق.
ولم يتمكن البرلمان عند منتصف ليل الخميس من منح الثقة إلى شخصية جديدة لرئاسة الوزراء، فيما ينص الدستور على أن يقوم رئيس الجمهورية برهم صالح مقام الرئيس المستقيل، لمدة 15 يوماً.
ولكن قبل ذلك، كان أمام البرلمان مهمة، وهي أن تقدم الكتلة البرلمانية الأكبر اسماً إلى رئيس الجمهورية الذي يقدمه بدوره إلى مجلس النواب للتصويت عليه.
وتبقى مسألة الكتلة الأكبر معضلة. ومفهوم الكتلة الأكبر هو الائتلاف الذي يضم أكبر عدد من النواب بعد الانتخابات، وليس بالضرورة أن يكون التحالف الفائز بأكبر عدد من المقاعد بعد الاقتراع.
ولم تكن الكتلة الأكبر واضحة بعيد الانتخابات التشريعية في أيار/مايو 2018، وجاءت تسمية عادل عبد المهدي رئيساً للوزراء حينها بتوافق سياسي جرى خلال ساعات، بعيد انتخاب صالح رئيساً للجمهورية.
غير أن المهمة صعبة حاليا على أي مرشح لينال ثقة البرلمان ويكون قادراً على تلبية مطالب الشارع وسحب المحتجين، بعد أكثر من شهرين من التظاهرات التي أسفرت عن مقتل نحو 460 شخصاً وإصابة أكثر من 20 ألفاً بجروح.
وفي حال انعدام التوافق، يبقى الخيار الدستوري في حالة الفراغ أن يصبح صالح رئيساً للوزراء بحكم الأمر الواقع لمدة 15 يوماً وفق المادة 81 من الدستور، على أن يكلف خلالها مرشحاً جديداً.
والبرلمان الحالي هو الأكثر انقساماً في تاريخ العراق الحديث. وقد فشل النواب الأربعاء في الاتفاق على إعادة صياغة قانون الانتخابات، وهو الإصلاح الأكبر الذي قدمته السلطات إلى المحتجين، ورفعوا الجلسة حتى يوم الاثنين.
ومنذ موافقة مجلس النواب في الأول من كانون الأول/ديسمبر الحالي على استقالة حكومة عادل عبد المهدي، بدأت بورصة السياسة تداول أسماء عدة، بعضها كان جدياً، وأخرى كانت أوراقاً محروقة لاستبعادها.
لكن ثلاثة أسماء طرحت مؤخراً في “المزاد”، وهي وزير التعليم العالي قصي السهيل، ووزير العمل والشؤون الاجتماعية السابق محمد شياع السوداني، ورئيس جهاز المخابرات الوطني مصطفى الكاظمي.
والسهيل عضو سابق في تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وانضم في ما بعد إلى كتلة دولة القانون، التي يتزعمها رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي.
وإن كانت حظوظ السهيل مرتفعة في الساعات الأخيرة، الا أن كون المشاورات في العراق كصندوق أسرار تخرج منه المفاجأة في الوقت بدل الضائع، يجعل من الصعب التكهن بشكل نهائي.
فالأسبوع الماضي، كان الاسم الأكثر تداولاً هو السوداني، الذي أعلن استقالته من حزب الدعوة وكتلة دولة القانون التي ينتمي إليها أيضاً. لكن أسهمه تراجعت بين ليلة وضحاها، من دون معرفة الأسباب.
وأكدت مصادر مقربة من المرجعية الدينية الشيعية العليا في النجف، أن السوداني حاول مقابلة آية الله علي السيستاني، لكنه لم ينجح في ذلك، ما اعتبره البعض فيتو.
لكن المرجعية أعلنت سابقاً عدم مشاركتها في أي مشاورات أو مفاوضات وسحب يدها من مباركة أي اسم يطرح، خلافاً للسنوات الـ16 الماضية، حين اضطلعت بدور حاسم غير مباشر في رسم المسار السياسي للبلاد.
يبقى اسم الكاظمي داخل درج رئيس الجمهورية برهم صالح، الذي “يراهن على اللحظات الأخيرة” لتقديم مرشحه، وهو ما يضمنه له الدستور، وفق مصادر سياسية.
لكن الصعوبة تكمن في أن الكاظمي محسوب على الولايات المتحدة، ما يجعل من الصعب أن يحظى بموافقة طهران، إلا في حال تسوية.
في الجهة المقابلة، قدم النائب الليبرالي فائق الشيخ علي، المعروف بانتقاده للفساد المستشري في مفاصل الدولة، ترشيحه رسمياً إلى رئيس الجمهورية.
وقال الشيخ علي في كتاب ترشحه الذي نشره على تويتر “أتقدم إلى فخامتكم بالترشح لتكليفي تشكيل حكومة مهنية متخصصة غير متحزبة بعيدة عن المحاصصة الطائفية والعرقية”.
وكان هذا النائب أجرى تصويتاً على تويتر قبل تقديم ترشيحه، استفتى خلاله آراء الناس، ودعمه 73 في المئة من أصل ما يقارب مئة ألف مشارك، في الترشح.
ويعتبر الشيخ علي نائباً مثيراً للجدل، خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اشتهر بتغريداته التي تتضمن الكثير من التلميحات ضد سياسيين من خصومه. وسبق أن رفع البرلمان الحصانة عنه بتهمة “تمجيد البعث”.
يقدم الشيخ علي نفسه مرشحاً باسم الشارع، الذي يبقى حكماً في العملية السياسية، ويشترط أن يكون رئيس الوزراء الجديد مستقلاً، ومن غير المضطلعين بأي دور سياسي منذ العام 2003.
وبينما تستمر الفجوة بين المسؤولين والمتظاهرين في الاتساع، بعد نحو شهرين ونصف الشهر من الاحتجاجات والعنف، تثير الصواريخ التي تتساقط بين الفينة والأخرى على قواعد عسكرية تؤوي جنوداً أميركيين، قلق واشنطن.
ومنذ 28 تشرين الأول/أكتوبر، وقعت عشرة هجمات بصواريخ ضد قواعد تضم عسكريين أميركيين أو السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء الشديدة التحصين وسط بغداد. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن أي من تلك الهجمات، لكن واشنطن تتهم غالبا الفصائل المسلحة الموالية لإيران.
وازداد قلق الولايات المتحدة من تلك الهجمات، خصوصاً وأنها تنوي إرسال ما بين خمسة إلى سبعة آلاف جندي إضافي إلى الشرق الأوسط.
وأكد مصدر أمني عراقي الاثنين “دخول أرتال عسكرية أميركية محملة بالأسلحة إلى المنطقة الخضراء، بعد الحصول على موافقات رسمية”.
وأضاف المصدر الذي طلب عدم كشف هويته أن “الأرتال العسكرية مكونة من 15 ناقلة تحمل عجلات هامر مع أعتدة وأسلحة أميركية”.