الخوف من المعارضة الكردية يدفع تركيا إلى مسار خطير
إيرول كاتيريسي أوغلو
سيدخل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا التاريخ باعتباره الحزب الذي اتسمت سنواته الـ18 في السلطة بالاستقطاب الديني الذي أدى إلى صراع داخل الحكومة وإلى انقلاب فاشل.
كانت قصة صعود حزب العدالة والتنمية قصة ملهمة، لكن تراجعها خلال العقد الماضي شهد تطورات تهدد الجميع في جميع المجالات السياسية. ومن أبرز الأمثلة، نذكر حملة الحكومة القمعية ضد حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد.
يؤكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الجرح القديم في البلاد، والمعروف باسم “المشكلة الكردية”، تضمّد وهو مصمم على التخلص من حزب الشعوب الديمقراطي. فمنذ سنة 1984، اندلع صراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني المحظور، وهو جماعة مسلحة تحاول افتكاك الحكم الذاتي الكردي في تركيا. وقتل أكثر من 40 ألف شخص في الصراع الذي امتد عبر حدود تركيا وشمل جيرانها والأقلية الكردية.
من جهته، لا يرى الرئيس التركي أي مشكلة في استخدام القوة الهائلة التي يتمتع بها في وسائل الإعلام والقضاء لسحق حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يتهمه بكونه مرتبطا بحزب العمال الكردستاني. ويُذكر أنه في الأسبوع الماضي، اعتقلت الشرطة التركية أكثر من 700 من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي وأنصارهم بسبب صلاتهم بحزب العمال الكردستاني، بعد فشل مهمة إنقاذ في شمال العراق أسفرت عن مقتل 13 مواطنا تركيا اختطفهم الحزب.
وسيتطلب تحليل كيفية وصول حزب العدالة والتنمية (الذي نال السلطة بصفته حزب المحافظين الدينيين المضطهدين) إلى النقطة التي نراه فيها اليوم. لكن الضغط الذي يسلّطه العلمانيون القوميون على المحافظين المتدينين لعب دورا في دفع حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في 2002 بنسبة 33 في المئة من الأصوات. وسرعان ما شغلت حركة غولن، وهي الجماعة الدينية التي اتهمتها أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب في يوليو 2016، أبرز المناصب في الحكومة الجديدة.
كانت هذه الحركة، التي يقودها رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، واحدة من العديد من الجماعات الدينية التي تشمل حزب العدالة والتنمية، الذي حكم البلاد بشكل سليم إلى حدود سنة 2009. فقد قاد الحزب، بعد وصوله إلى السلطة، بعض الإصلاحات. لكن تداعيات أزمة 2008 الاقتصادية العالمية أفقدته قوّته الدافعة.
كانت أزمة 2008 شديدة لدرجة أن أحدا لم يستطع أن يحدد السياسات التي يجب تنفيذها في عالم أصبح معولما جدا. وقد تحرك حزب العدالة والتنمية إلى مَرْكزة سياساته المالية وربطها بنفسه. وكما نعلم، شهد الاقتصاد التركي رحلة مضطربة.
خلال هذه الفترة، تحرك أردوغان بجرأة لبدء عملية السلام الكردية. وأعطت المبادرة تركيا مجالا للتنفس، وهو أمر كانت في أمس الحاجة إليه. كانت هناك أجواء تشبه المهرجانات في جميع أنحاء المحافظات ذات الأغلبية الكردية في تركيا. لكن كل هذا كان قصير الأجل، مع انهيار العملية في 2015 لأسباب من غير المرجح أن نعرفها بالكامل. وسرعان ما اندلعت حرب أهلية في البلاد.
وأثبتت التطورات أن زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، كان محقا عندما قال إنه ما لم تُحل المشكلة الكردية، ستكون هناك ديناميكية انقلابية في تركيا. فبعد ذلك بوقت قصير، حدثت محاولة الانقلاب الفاشلة وحُكمت البلاد في ظل حالة الطوارئ لمدة عامين، طارد حزب العدالة والتنمية خلالها كل مؤيدي الحرية والديمقراطية، بدءا من كل شخص زعم أنه مرتبط بحركة غولن. وتحوّلت تركيا بهذه الممارسات إلى جحيم للظلم والحكم التعسفي.
دعونا نعود إلى حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يواجه نوابه التجريد من الحصانة الدبلوماسية والاعتقال وسط جوقة من الأصوات الحكومية التي تحث على حل الحزب. إذ يعني هذا معاقبة أولئك الذين صوتوا للحزب، والمجتمع التركي بأكمله.
أولا، يبقى حزب الشعوب الديمقراطي، مثل جميع الأحزاب السياسية الأخرى، موجودا بفضل مطالب الناخبين الذين يدعمونه. ويعني حلّه نفي وجود هذا المجتمع ومطالبه.
ثانيا، يعادل اللجوء إلى وسائل معادية للديمقراطية لحل حزب الشعوب الديمقراطي خنق المطالب الديمقراطية في البلاد.
هناك حل واحد فقط فيما يتعلق بحزب الشعوب الديمقراطي، ويكمن في أخذ مطالب الحرية والديمقراطية التي يمثلها الحزب بجدية. هذه هي الطريقة الوحيدة التي تمكن تركيا من إعادة تعريف نفسها على أرضية مشتركة تبث شعورا بالوحدة.