الذكاء الاصطناعي.. نعمةٌ أم نقمة؟
حسين الشيخ
الهمّ الأكبر الذي يؤرّق الإنسان مع كل قفزة تقنية وتكنولوجية هو الهاجس الأمني ومدى تأثير هذا التطور العلمي والتكنولوجي على أمن الإنسان وسلامته على الأصعدة كافة؛ الجسدية والنفسية وحتى الوجودية.
وفي ظل الحديث عن الذكاء الاصطناعي ودخوله حيّز التنفيذ والتطبيق على مستويات عدة؛ علمية وترفيهية وحكومية، تزداد المخاوف البشرية عندما تفكر بالمستقبل البعيد وإمكانية أنْ تحلّ الآلة مكان الإنسان، بل يأخذ التفكير في هذا الأمر المخاوف البشرية إلى ما هو أبعد من ذلك عندما يبدأ بالتفكير بمصير الإنسان مقابل الآلة التي قد يفقد السيطرة عليها في أي لحظة، وهو ما تصوره العديد من أفلام الخيال العلمي والنظريات العلمية المتشائمة.
على الرغم من أنّ هذه المخاوف مشروعة وجدية؛ لا سيّما وأنّ الكثير من الشخصيات العالمية في هذا المجال العلمي والتقني تتحفظ على تلك المخاوف وتثيرها بين الفينة والأُخرى، كـ(بيل غيتس) و(إيلون ماسك) وغيرهما الكثير، فإنّ هذا لا يعني أنّ هذه المخاوف لا يمكن تبديدها، ويكون ذلكَ بعدة شروط:
الشرط الأول: تقنين استخدامات الذكاء الاصطناعي بضوابط دولية على مستوى العالم، والإنصات إلى الأصوات الداعية إلى تأسيس وكالة دولية لحفظ أنشطة الذكاء الاصطناعي على غرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومحلية على مستوى البلد أو الدولة، بتعزيز الأمن السيبراني وتسليحه بالقوة الفاعلة علمياً وتقنياً ومادياً، بالإضافة إلى سنِّ القوانين الناظمة التي تؤمن أعلى درجات الأمن السيبراني ومراعاة احترام الخصوصية للمؤسسات والأفراد وضمان حقوقهم.
الشرط الثاني: التوعية الاجتماعية والقانونية للأفراد والمؤسسات بدءاً من الأُسرة والأطفال وليس انتهاءً بالمؤسسات والجهات الحكومية والأمنية، لنشر الثقافة التربوية والأخلاقية والقانونية بما يتناسب مع القوانين الدولية والمحلية في طرق التعامل مع الذكاء الاصطناعي واستخدامه، بما يضمن التماسك المجتمعي والثقافي في كل المجتمعات البشرية التي ستصبح في أقرب مرحلة من مراحل التحول إلى المجتمع العالمي الموحد في ظل هذه الثورة التقنية.
الشرط الثالث: تنمية الموارد البشرية وتدريبها بما يضمن التعامل الأمثل مع الذكاء الاصطناعي وما يمكن له من اقتحام كل المجالات الحياتية والعملية، وهو ما سيترتب عليه فقدان وظائف وفرص عمل كثيرة، لكنه في الوقت ذاته سيكون مدعاةً لخلقِ فرص عمل جديدة، فإذا ما توفر التدريب الكافي واللازم لهذه الموارد البشرية وفق المعطيات الحقيقية والقراءة الصحيحة، فإنّ الخوف من البطالة لن يكونَ إلا مجرد وهمٍ.
وملخص القول يكمن في أنّ العلمَ والتطور التقني لطالما كانَ سلاحاً ذا حدّين، والعلم في عُهدةِ مُستَخدِمِ منجزاته، والذكاء الاصطناعي نتيجة حتمية وإنجازٌ واقعي لما وصل له العقل البشري من قوة وتطور، ولنْ يكونَ ذلكَ التطور إلا نعمةً على البشرية إذا ما أحسنَ الإنسانُ استخدامه وتقنينه ورسم حدوده وأبعاده، وسينقل البشرية إلى ما فيه رغدها ورفاهها إذا ما تحققت الشروط السابقة في التعامل مع الذكاء الاصطناعي.