الرئيس الجزائري يعيد العمل بمنصب “وسيط الجمهورية”
أعاد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون العمل بمنصب “وسيط الجمهورية” بعد 20 عاما من إلغائه من قبل الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وعين تبون، الإثنين، الرئيس السابق لـ”هيئة الحوار والتشاور” كريم يونس “وسيطاً للجمهورية”، عقب استقباله بقصر “المرادية الجمهوري”.
ولم يستبعد مراقبون أن الرئيس الجزائري الأسبق اليامين زروال الذي حكم البلاد من 1994 إلى 1999 قد اقترح إعادة المنصب، خصوصا بعد أن كشف تبون في لقائه نهاية الشهر الماضي، مع وسائل الإعلام المحلية عن وجود “اتصالات دائمة مع زروال”، وأنه يستشيره في مسائل الدولة.
وعد كريم يونس المهمة الجديدة التي أوكلت له بـ”الحساسة والدقيقة والثقيلة”، منوهاً بأن إعادة بعث منصب وسيط الجمهورية “يسهم في بناء جزائر جديدة تكون أكثر عدلاً وإنصافاً”.
- أول اجتماع بين تبون وولاة الجزائر.. 8 صلاحيات و7 ممنوعات
- الرئيس الجزائري غير راضٍ عن “الزردة”
وقال يونس، في تصريح لوسائل الإعلام الحكومية، إن تبون تفضل بتكليفي بمهمة حساسة ودقيقة، حيث عينني وسيطاً للجمهورية، وأنا واعٍ بوزن وبعد هذه المهمة في المساهمة في بناء جزائر جديدة تكون أكثر عدلا وإنصافا واستجابة لتطلعات كل المواطنين.
وأوضح أن “إنشاء مؤسسة وسيط الجمهورية كآلية جديدة لضبط وتنظيم الدولة تفرض نفسها بسبب الدور الذي يمكن لها أن تقوم به كوظيفة الوساطة والتحكم لدى المواطنين ومحيطهم”.
وأكد أن كل “مواطن يحس أن حقاً من حقوقه قد انتهك بإمكانه اللجوء إلى وسيط الجمهورية والسهر على توجيهه نحو السلطات المختصة”.
وحدد بيان الرئاسة الجزائرية وتصريح كريم يونس صلاحيات ومهام “وسيط الجمهورية”، التي تتلخص في “رفع الظلم عن المواطن بعد رفعه شكاوى للمؤسسة الجديدة”.
وأشار بيان رئاسة الجمهورية إلى أن “وسيط الجمهورية” هو “همزة وصل بين السلطة والمجتمع المدني والمواطن الذي يكون ضحية غبن أو تجاوز من طرف الإدارة”.
كما أوضح أنه “يتبع مباشرة لرئيس الجمهورية”، وحدد “الطبيعة القانونية” للمؤسسة الجديدة، التي قال إنها “هيئة طعن غير قضائية، تسهم في حماية حقوق المواطنين وحرياتهم”.
ولخص البيان الهدف من منصب “وسيط الجمهورية” بأنه يسهم “في تحسين سير المؤسسات والإدارات العمومية في علاقاتها مع المواطنين من خلال اقتراحات يرفعها في تقريره السنوي إلى رئيس الجمهورية”.
وحدد “يونس” 3 التزامات لـ”وسيط الجمهورية”، تتعلق بـ”تحسين الخدمة العمومية والسهر على احترام الحقوق والحريات من طرف الإدارات ومؤسسات الدولة والجماعات المحلية وضمان دولة جديدة تكون أكثر عدلاً وإنصافاً”.
وقال خبراء، إن التزامات تندرج في إطار تعهدات تبون بـ”إحداث قطيعة مع ممارسات وسياسات نظام بوتفليقة” الذي سمّاه الرئيس الجزائري “العهد البائد”، بالإضافة لمحاولة من السلطات الجزائرية لـ”إعادة الثقة بين النظام والشعب وتحقيق مطالب الحراك الشعبي بالتغيير” التي يقول المراقبون إنها انعدمت، خصوصا في العقد الأخير نتيجة فضائح الفساد وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، وتدهور الاقتصاد الجزائري الذي بقي أسيراً لعائدات النفط.
وتتزامن خطوة الرئاسة الجزائرية مع استمرار المظاهرات الشعبية المطالبة بالتغيير، ومع مرور عام على الحراك الشعبي الذي ما زال مستمراً رغم تراجع زخمه.
كما حدد كريم يونس الرئيس الأسبق للبرلمان الجزائري الآليات التي تسمح للجزائريين بالوصول إلى “وسيط الجمهورية”.
وأكد أن كل جزائري “يحس أن حقا من حقوقه قد انتهك بإمكانه اللجوء إلى وسيط الجمهورية” على أن يعمل الأخير على توجيهه نحو السلطات المختصة.
بالإضافة إلى أنه لكل مواطن “الحق في أن يعلن عن طارئ معين في حدود ما ينص عليه القانون”، على أن يجمع وسيط الجمهورية كل المعلومات التي يراها ضرورية في أي قضية تعرض عليه مهما كانت طبيعتها “إلا ما تعلق بقضايا أمن الدولة والدفاع الوطني والسياسة الخارجية”.
يعد كريم يونس “ثاني” وسيط للجمهورية، بعد الراحل عبدالسلام حباشي، حيث كان الرئيس الجزائري الأسبق اليامين زروال أول من استحدث هذا المنصب مباشرة بعد انتخابه في أول انتخابات رئاسية تعددية في تاريخ البلاد في نوفمبر/تشرين الثاني 1995، لكنه لم يعمر كثيراً بعد مجيء عبد العزيز بوتفليقة.
والراحل عبدالسلام حباشي الذي اشتهر بعبارة “نحبك يا شعب” واحد من مناضلي الثورة التحريرية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي وأحد أعضاء “مجموعة الـ22” التاريخية التي فجرت الثورة الجزائرية في الفاتح من نوفمبر/تشرين الثاني 1954، وتوفي 14 مارس/آذار 2008 عن عمر ناهز 83 عاماً.
وتأسست هيئة “وسيط الجمهورية” في الجزائر في 23 مارس/آذار 1996، قبل أن يقرر “إلغاءها” الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة عقب 4 أشهر فقط بعد توليه مقاليد الحكم بمرسوم رئاسي، وتحديداً في 2 أغسطس/آب 1999.
وتمكن الراحل عبدالسلام حباشي من معالجة نحو 100 ألف قضية طرحها الجزائريون على مستوى هيئة “وساطة الجمهورية” في ظرف 3 أعوام.
وعمل الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة على “محو آثار” سلفه اليامين زروال، كانت بدايتها بـ”وسيط الجمهورية” ثم المجلس الأعلى للشباب والمجلس الأعلى للتربية وبعض الوزارات، دون أن توضح “مراسم الإلغاء الرئاسية” أسباب ذلك.
كما حاول بوتفليقة إلغاء مجلس الأمة الذي يعد الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري أو “مجلس الشيوخ”، الذي استحدثه زروال في دستور 1996، بسبب خلافه “التاريخي” مع رئيس المجلس الأسبق الراحل بشير بومعزة، وفق شهادات سياسيين لوسائل إعلام محلية.
ويرى مراقبون أن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون يسعى “للتخلص من تركة سلفه بوتفليقة الثقيلة من سياسات وممارسات باللجوء إلى خبرة الرئيس الأسبق اليامين زروال في رئاسة البلاد” الذي ما زال يحظى بشعبية وثقة كبيرتين عند الجزائريين، الذين طالبوه في أكثر من مناسبة آخرها خلال الحراك الشعبي بـ”قيادة المرحلة الانتقالية أو الترشح لانتخابات الرئاسة”.
ويلتقي إعادة بعث الرئاسة الجزائرية هيئة “وساطة الجمهورية” مع “النقد اللاذع” الذي وجهه الرئيس الجزائري، الأحد الماضي، في الاجتماع الأول بين الحكومة والمحافظين، لطريقة تعامل الإدارة مع المواطن ووضعية التنمية في الولايات والبلديات.
واستعمل تبون للمرة الأولى مصطلح “العهد البائد”، ودعا الولاة (المحافظين) للتقرب من المواطن “لكسر الحاجز الذي بناه النظام البائد”، كما ألزمهم بالتغيير محلياً في السلوكيات والابتعاد عن القديمة، وتكثيف الزيارات الميدانية إلى المناطق التي كثرت فيها معاناة المواطن وحرمانه من العيش الكريم، وإعادة توجيه النفقات العمومية للتنمية المحلية بدل التزيين والتبذير.
ووجه تبون تعليمات “صارمة” للمحافظين لمحاربة “اللامبالاة والاستخفاف بقضايا المواطن، وتشجيع الكفاءات عوض الموالاة، والكف عن الوعود الكاذبة والالتزام بما تستطيعون فعلا تقديمه للمواطن في الآجال المحددة، والاستمرار في محاربة الرشوة بشراسة وكل أنواع الفساد الذي خرب الاقتصاد الوطني”.
ورغم تساؤل حقوقيين عن “دستورية” منصب وسيط الجمهورية، فإن المؤكد بحسبهم أن كريم يونس تسلم “المهمة الأصعب في عهد ما بعد بوتفليقة، وهي استعادة ثقة الشارع”، خصوصا مع استمرار الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتغيير والمشككة في النظام الجزائري الجديد التي وصلت إلى عامها الأول، مسجلة أول احتجاج شعبي في تاريخ الجزائر.