الساحل الأفريقي.. استراتيجية متعددة الأبعاد لمجابهة التحديات
علاء الدين حافظ
تلعب منطقة الساحل الأفريقي، دوراً محورياً في الاستراتيجيات الأمنية، والتنموية على الصعيدين الإقليمي والدولي، ما يدلل على ذلك التنافس الروسي الأوروبي المتزايد، ورغم ذلك تواجه المنطقة مجموعة معقدة من التحديات التي تساهم في تأجيج ظاهرة الإرهاب.
قبل التطرق إلى هذه التحديات وسبل مواجهتها، لابد من تسليط الضوء على أهمية هذه المنطقة بالنسبة للدول العربية. استقرار هذه المنطقة من عدمه يؤثر بشكل مباشر على المنطقة العربية، بمعنى أكثر وضوحاً فإن تهديدات الإرهاب والجريمة المنظمة في الساحل، يمكن أن تنتقل عبر الحدود للدول المجاورة.
أضف إلى ذلك فإنها ممر مهم للتجارة بين الدول العربية، ودول أفريقيا الغربية، لذا فإن الاستقرار يعزز الفرص التجارية، والتعاون الاقتصادي، بالإضافة إلى مساهمته في تقليل حجم تدفق المهاجرين، واللاجئين نحو الدول العربية، سواءً كانوا يسعون للعمل أو للحصول على اللجوء، ومن هنا جاء الحرص العربي على تعزيز التعاون الإنساني والتنموي مع دول هذه المنطقة.
تحالفات عسكرية لمواجهة التهديدات الأمنية
على مدار السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة تحالفات عسكرية، لمواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة، لاسيما بعد موجات التحرر من القبضة الفرنسية، ومن أبرزها،” تحالف دول الساحل” بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، في محاولة لملء فراغ الذي خلفه انسحاب قوات مكافحة الإرهاب، وبهدف إقامة منظومة دفاعية مشتركة، والعمل على منع التمرد والعنف المسلح في الدول الثلاث والتصدي له بالقوة المسلّحة، بالإضافة إلى العمل من أجل توسيع الحلف، أمام دول المنطقة الأخرى، شريطة التوافق حول الأهداف نفسها.
ورغم الأهداف الطموحة للقوة الجديدة، والتسليم بأنها خطوة واسعة نحو تعزيز الأمن والاستقرار إلا إنه لا يمكن التعويل على الحلول العسكرية وحدها، في مواجهة المخاطر التي تحيط بالمنطقة، لاسيما وإن إحدى المشكلات الرئيسية التي تُواجهها دول الساحل، أنها لا تمتلك قدرات قوية لمكافحة التجسس لتوقع الهجمات الإرهابية على أراضيها أو ضد سكانها.
كنز استراتيجي داخل القارة السمراء
بجانب موقعها الاستراتيجي بين شمال وغرب أفريقيا، تحتوي هذه المنطقة على موارد طبيعية غنية مثل اليورانيوم في النيجر، والذهب في مالي وبوركينا فاسو، والحديد الخام والنفط في تشاد، ورغم هذه الموارد التي تجذب استثمارات دولية وتشكل محركاً اقتصادياً، فإنها تواجه مجموعة معقدة من التحديات التي تعوق المسار التصاعدي للتنمية، وتحقيق الاستقرار.
أبرز هذه التحديات تتمثل في الفقر المدقع، وقلة الفرص الاقتصادية، وهما ما يدفعان الشباب للانخراط في الجماعات الإرهابية التي توفر لهم دخلاً ومكانة اجتماعية، وزيادة نشاطات التهريب غير القانوني، التي تدعم الجماعات الإرهابية مالياً وتزودها بالأسلحة، مما يزيد من قدرتها على تنفيذ هجمات.
كذلك تعتبر المنطقة طريقاً رئيسياً للهجرة غير الشرعية من أفريقيا جنوب الصحراء إلى أوروبا. التحدي الآخر يتمثل في هشاشة الحكومات، ومن ثم الفشل في تقديم الخدمات الأساسية وضمان الأمن، ما يخلق فراغاً تستغله الجماعات الإرهابية لبناء قواعدها، بالإضافة إلى ظاهرة التوترات العرقية والإثنية، إذ تسهم في زيادة العنف وعدم الاستقرار، مما يسهل على الجماعات الإرهابية تجنيد الأفراد واستغلال الانقسامات، وأخيراً تأتي الظروف المناخية القاسية، مثل الجفاف الذي يقود إلى نزاعات على الموارد المائية الشحيحة، الأمر الذي يزيد من احتمالية الانخراط في أعمال العنف والإرهاب.
كيفية التغلب على التحديات
في تقديري فإن هناك 6 عوامل رئيسية، يمكن من خلالها مجابهة هذه التحديات تتمثل في: أولا: الاستثمار في مشاريع تنموية، وتحديداً دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، حيث تُحسن من مستوى المعيشة، وتوفر فرص عمل للشباب، مما يقلل من احتمالية انضمامهم للجماعات الإرهابية. ثانياً: تعزيز النظام التعليمي، وتوفير خدمات صحية جيدة يساهم في بناء مجتمع متعلم ومُعافى، أقل عرضة للتطرف.
ثالثاً: العمل على زيادة حجم الثقة بين الحكومات وشعوب المنطقة، من خلال دعم المؤسسات الحكومية، وضمان الشفافية والمساءلة، مما يحد من تأثير الجماعات الإرهابية.
رابعاً: العمل المشترك بين دول الساحل، والمجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتدريب المشترك للقوات الأمنية، وتعزيز الحدود.
خامسا: تعزيز الحوار بين الثقافات والمصالحة الوطنية، وذلك من شأنه الحد من التوترات العرقية والإثنية.
سادساً: تبني سياسات للتكيف مع التغير المناخي وتحسين إدارة الموارد الطبيعية، للمساهمة في تقليل النزاعات على الموارد، وتعزيز فرص الاستقرار في المنطقة.
ما سبق يؤشر إلى ضرورة التعاطي الجيد من قبل المؤسسات الدولية، حتى تتمكن دول الساحل من تحقيق تقدم ملموس، في مكافحة الإرهاب، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.