السعودية والإمارات تردان على إدارة بايدن بلغة تفهمها
هيثم الزبيدي
يوم الخميس الماضي كان يوما تحريريا طويلا في “العرب”. الأسبوع الذي سبقه كان حافلا بالخبر الأوكراني. التطورات الميدانية على الأرض من حصة الفضائيات ومواقع الإنترنت. محاولة قراءة الحدث وتفسيره واستقراء تأثيراته، خصوصا على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من حصة الصحف.
تميز موقفان. صمت نسبي لمعظم الدول العربية، فيما عدا سوريا وتلميحات سودانية. وموقف دبلوماسي مختلف جاء من الإمارات. أبوظبي امتنعت عن التصويت على قرار إدانة الاجتياح الروسي لأوكرانيا. ومع المكالمات والتعليقات بين الإمارات وروسيا، صار واضحا أن ثمة موقفا مختلفا يتشكل. كانت قراءة “العرب” السابقة لجلسة مجلس الأمن تقوم على حرص إماراتي على الوساطة، ثم جاء الامتناع عن التصويت ليزيد القناعة بأن أبوظبي اختطّت موقفا مختلفا.
لا نعرف بالضبط ماذا كان الرد الأميركي على الموقف الإماراتي. لكن صباح الخميس كانت تعليقات السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة أكثر من واضحة في التعبير عن عدم الرضا الإماراتي عن مواقف إدارة الرئيس جو بايدن. في لحظة تاريخية عصيبة، قررت الإدارة التخلي إلى حد كبير عن مسؤولياتها في الخليج. هدية أخرى تقدمها واشنطن لإيران بعد الهدية العراقية. ولم تكتف هذه الإدارة بمواقفها من أمن الخليج، بل ناصبت دوله المؤثرة العداء. عداء مجاني لصالح إيران ولصالح تيارات الإسلام السياسي وداعميها المعروفين.
◙ ما يحتاج أن يعرفه الرئيس الأميركي يصله الآن عبر رسائل دبلوماسية في مجلس الأمن ومن مؤشرات كميات النفط في الأسواق وأسعارها. بقية التفاصيل تتكفل بها موسكو في أوكرانيا
بعد منتصف نهار الخميس، نشرت وكالة الأنباء السعودية نصا لمقابلة مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. المقابلة تذكّر بدخوله المشهد السياسي والإعلامي قبل سنوات. حوار صريح مع مجلة ذي أتلانتيك الأميركية. حوار تصفية حساب مع إدارة الرئيس بايدن.
تغيرت خطة الصفحة الأولى لـ”العرب” لتتوسع ويصبح المانشيت “انتقادات متزامنة من السعودية والإمارات لإدارة بايدن”. هذان أبرز حليفين للولايات المتحدة في المنطقة، ولم يتحدثا على مدى عام تقريبا منذ أن بدأت إدارة بايدن هجومها الإعلامي والسياسي عليهما. كلنا نذكر الاستعراض الذي مارسته الإدارة منذ أول أيامها ونشرها ملف المخابرات عن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي. وبسذاجة استثنائية، صارت الإدارة تميز بين “قيادتين” في السعودية. تتواصل مع الملك سلمان بن عبدالعزيز، وتتجاهل وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان.
العداء الذي مارسته إدارة بايدن مع الإمارات كان أكثر تكتما. لكن ما معنى أن تعرقل صفقة استراتيجية مثل صفقة طائرات “أف – 35” أو أن ترفع الحوثي من قائمة المنظمات الإرهابية. الإماراتيون تحركوا وغيروا بعض عناصر سياستهم الإقليمية والعالمية. انطلقت خطوات “تصفير المشاكل” وتم التأكيد على أمن شرق أوسطي موسع صارت إسرائيل جزءا منه، وزادت أبوظبي من خطوات الانفتاح على الصين.. وروسيا. وعندما بلغ الموقف الأميركي ما بلغه من تجاوز، شهدنا الامتناع عن التصويت والحديث الصريح على لسان واحد من أكثر العارفين ببواطن العلاقة الإماراتية – الأميركية، السفير العتيبة.
سلاطة اللسان الأميركية على مدى عام، والعنجهية في التعامل مع الحلفاء بلا مسؤولية، والتقرب غير المبرر من إيران للعودة إلى الاتفاق النووي، كان لها أن تشير إلى البرود في العلاقات. لكن اللسان الطويل لا يعوض الضعف الذي يراه العالم في موقف الولايات المتحدة. في الصيف دخلت طالبان كابول قبل أن تخرج القوات الأميركية. المشاهد كانت استعادة لصور من الخروج المذل من سايغون في السبعينات. ومع الخريف، لاحت ملامح الأزمة في أوكرانيا.
لم يكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حاجة إلى الكثير ليفهم مدى استعراضية الناتو في أوكرانيا. زاد من الضغوط يوما بعد آخر. ثم نفّذ. الناتو اليوم حريص على عدم التورط في حرب أوروبية كما يصفها. القوات الروسية تتحرك بثبات وقسوة نحو أهدافها.
الضعف الأميركي تجسد في العجز عن تقديم البديل الرادع عسكريا، لكن العجز الأكبر كان في فقدان السيطرة على أسعار الطاقة في العالم. بعد تقديم بائس لـ”أسطورة” البديل القطري وأن الغاز القادم من الدوحة يعوض الغاز الروسي، ردّت الأسواق على الحرب بقفزة كبيرة في أسعار النفط. وتجلّى العجز الأميركي في عدم القدرة على إقناع أوبك+ بزيادة الإنتاج. أوبك+ صارت تجمعا للغاضبين من السياسات الأميركية. تجمّع يرفض الضغوط والابتزاز. تجمّع لدول فهمت مدى الاضمحلال في القوة الأميركية وأن من الخطأ التعويل على واشنطن كقوة ردع أو تأثير فاعلة، في الخليج، أو قوة تخيف الروس في أوروبا.
“عاصفة” مقابلة الأمير محمد بن سلمان مع ذي أتلانتيك كانت شديدة بطبيعة الكلام وتفرّعه. لكن “عاصفته” على الأرض كانت بسيطة جدا ومباشرة: النفط اليوم بـ120 دولارا، فماذا أنتم فاعلون؟
◙ أوبك+ صارت تجمعا للغاضبين من السياسة الأميركية
انعقد لسان واشنطن السليط. وعدت بضخ نصف خزينها الاستراتيجي من النفط، فزادت الأسعار ولم تتراجع. درس بليغ لها كتب على ظهر أوراق تقرير المخابرات عن قضية خاشقجي، وعلى مسودة مشروع تمدد الناتو في أوكرانيا. لا يمكن الجمع بين مواقف عدائية من دولة والطلب منها في نفس الوقت أن تنقذك بضخ المزيد من النفط. لا يمكن الجمع بين أمن الخليج واسترضاء إيران. الهجوم على أبقيق والصواريخ والمسيرات على أبوظبي أمثلة.
معطيات الإدارة الأميركية محيّرة. هناك طاقم من كبار السياسيين بخبرة معتبرة في الخارجية والدفاع والأمن القومي، وعلى رأسهم الرئيس بايدن نفسه. في تاريخ الرؤساء الأميركيين، هو من قائمة من السياسيين الذين عملوا طويلا في الهياكل السياسية المهمة، قبل أن يصبح رئيسا. لعل أقرب تاريخ لرئيس أميركي لبايدن هو تاريخ جورج بوش الأب. عمل في دهاليز السياسة والأمن والدبلوماسية طويلا، خصوصا في الصين وسي. أي. إيه، والبيت الأبيض كنائب للرئيس، قبل أن يصبح رئيسا في مرحلة احتضار الاتحاد السوفييتي، وإعلانه النصر في الحرب الباردة. بايدن يفترض أن يكون من مستواه. كان من مخضرمي الكونغرس ثم عمل ثماني سنوات نائبا للرئيس في عهد باراك أوباما. لا تنقصه الخبرة أو المعرفة أو الاطلاع. لا يمكن تفسير مواقفه إذا من أمن الخليج وإيران والطاقة إلا من باب السياسة المتعمدة.
هذا الانطباع الآن هو ما يحرك المواقف السعودية والإماراتية من الإدارة الحالية. إنها إدارة لا تفهم إلا لغة التجاهل. لغة “لا يهمّني ما يريد أن يعرفه عنّي بايدن”. ما يحتاج أن يعرفه الرئيس الأميركي يصله الآن عبر رسائل دبلوماسية في مجلس الأمن ومن مؤشرات كميات النفط في الأسواق وأسعارها. بقية التفاصيل تتكفل بها موسكو في أوكرانيا.