السودان.. لا حل إلا من الداخل
هنالك من يسعى من أبناء السودان لتوريطه.، ليس فقط في اقتتال داخلي مقيت وعبثي لن يخرج من تداعياته الكارثية قبل مرور عقد من الزمان أخشى ولا أتمنى أن يشهد خلاله السودان عشرية سوداء.
منذ بداية احتدام الصراع يحاول فيه بعض الأطراف فيه زَج البلاد في صراع مع أشقائه العرب أيضًا ومحاولة خلق عدو وهمي للشعب السوداني العظيم.. ما يحدث في السودان حاليا صراع واضح وصريح على السلطة وليس سواها.
ومحاولة تصوير بعض أطراف هذا الصراع أن ثمة أبعادا إقليمية لما يحدث، أو أن هناك تورطا سياسيا أو عسكريا لدول عربية فيما يجري على أرض السودان يمكن اعتباره استخفاف كبير بعقل الشعب السوداني وعقول كل المتابعين لوضعه بل ومحاولة واضحة للهروب إلى الأمام وإضفاء طابع تآمري يغطي على أسباب النزاع الحقيقة وأخطاء وخطايا بعض أطرافه.
ستفشل بالتأكيد محاولات الزج بدول إقليمية فاعلة كأطراف في هذا الاقتتال العبثي بين أبناء الشعب الواحد ولعل ردود الفعل الأولى للدول العربية الفاعلة كانت خير دليل على مدى استشعارهم لخطورة هذا الاقتتال على وحدة وسلامة السودان، والتحذير من تداعياته على مقدرات الشعب السوداني والتنبيه لإمكانية تفاقمه ومحاولة النأي عن تأجيجه بدعم أحد طرفي الصراع أو إظهار انحياز أو ميلا له، مفضلة أن يأتي الحل من بين أبناء الوطن الواحد، لأن أي حل دون ذلك حتى لو تحقق فلن يكتب له الصمود.
البيانات الأولية التي صدرت من الدول العربية الرئيسية ذهبت معبرة عن جهودها في هذا الاتجاه، فالخارجية المصرية طالبت كافة الأطراف السودانية بممارسة أقصى درجات ضبط النفس حماية لأرواح ومقدرات الشعب السوداني الشقيق، وإعلاءً للمصالح العليا للوطن.
والخارجية الإماراتية طالبت كافة أطراف النزاع في السودان إلى التهدئة وضبط النفس وخفض التصعيد والعمل على إنهاء هذه الأزمة بالحوار”.
هنا يبدو جليا من صيغة البيانين أن الدولتين تنظران إلى ما يحدث في السودان على أنه شأن داخلي بحت رغم تداعياته الإقليمية الكبيرة التي ستصيب الجميع، وأن جهودهما في هذا الشأن لا تعدو سوى محاولة تشجيع أطراف النزاع على إنهائه قبل تفاقمه بالجلوس على مائدة التفاوض.
هذا ما يفسر أيضا التحرك الدبلوماسي السريع عربيا لمحاولة رأب الصدع قبل توسعه ووأد النزاع قبل تحوله صراعا لا يبقي ولا يذر أو انفجاره في وجه الجميع داخل السودان وخارجها حربا أهلية ستعاني المنطقة من تبعاتها سنوات وسنوات.
ومن هنا أيضًا جاء التحرك الإماراتي السعودي الأمريكي الذي تجلى في الاتصال الهاتفي الثلاثي الذي جمع وزراء خارجية الدول الثلاث وأكدوا خلاله، أهمية وقف التصعيد والعودة إلى الاتفاق الإطاري، بما يضمن أمن واستقرار السودان وشعبه، وضرورة إنهاء أطراف الاشتباكات الأعمال القتالية على الفور دون أي شروط مسبقة وتأكيد وزير الخارجية الإماراتي إلى أهمية التعاون المشترك، من أجل احتواء الأوضاع الجارية، ووقف التصعيد، وضمان حماية المدنيين، والدفع باتجاه المسارات السلمية الكفيلة بحفظ أمن واستقرار السودان وشعبه الشقيق.
ومن هنا كان التحرك المصري -السعودي السريع لعقد اجتماع عاجل لجامعة الدول العربية لبحث الأزمة.. وهو الاجتماع الذي انتهى إلى التحذير من خطورة التصعيد العنيف الذي تشهده السودان، وما يصاحب ذلك من تداعيات خطيرة يصعب تحديد نطاقها داخليًا وإقليميًا، والتأكيد على استعداد جامعة الدول العربية لبذل كافة المساعي من أجل معاونة السودان على إنهاء هذه الأزمة بشكل قابل للاستدامة، ودعوة مجموعة السفراء العرب المعتمدين في الخرطوم إلى التنسيق فيما بينهم والتواصل المستمر مع السلطات والأطراف والمكونات السودانية.
كذلك عرضت مصر وجنوب السودان التوسط بين أطراف الأزمةً السودانية وتغليب صوت الحكمة والحوار السلمي، كما أسرعت مصر بتقديم مبادرة بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي تركز على وقف فوري لإطلاق النار وتشدد على سحب القوات العسكرية من الشوارع والعودة للثكنات وتدعو إلى تشكيل لجنة عربية-إفريقية للتواصل مع الأطراف السودانية كما تدعو لتشكيل لجنة عسكرية والاجتماع برعاية دولية وأممية وإزالة النقاط العالقة بإطار زمني.
في هذا السياق الدبلوماسي العربي سريع التحرك جاء أيضا الاتصالين الهاتفيين اللذان اجراهما وزير الخارجية السعودي بعبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، ومحمد حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي. وأكد خلالهما على دعوة المملكة بتغليب المصلحة الوطنية، ووقف كافة أشكال التصعيد العسكري. كما شدد على أهمية العودة إلى الاتفاق الإطاري.
كل هذه التحركات التي تمت في أقل من 24 ساعة من انفجار النزاع تثبت خطأ كل من يعتقد أو تصور له انحيازاته الايدلوجية أن هناك دولا عربية مستفيدة مما يحدث في السودان وبالتالي محفزة له او مشجعة عليه أو داعمه لأحد أطرافه أو تحاول التأثير في مسار تطوراته لصالح طرف دون آخر.. فالعكس هو الصحيح تماما.
فالسودان بتاريخه وشعبه وموقعه الاستراتيجي وموارده الطبيعية الهائلة دولة مهمة جدا للأمن القومي العربي وأحد ركائزه الرئيسية، واستمرار تفاقم التهديدات والصراعات الداخلية به لن يخدم أبدا جواره ولا محيطه الإقليمي ولا بيئته العربية، لذا تحركت على الفور الدول العربية الفاعلة التي يعنيها استقرار السودان وسلامة شعبه ووحدة أراضيه في محاولة لرأب هذا الصدع الذي يهدد أمنه واستقراره ووحدته وتماسك شعبه.
لكن أيا من هذه الجهود ستذهب سدى إن لم تدرك القوى السياسية السودانية حقيقة أن السودان لن يخرج من أزمته المرشحة للتصاعد إلا بيد أبنائه وتقديم المصلحة العليا للوطن على صراعات النفوذ وحسابات المكسب والخسارة التي تحكم سلوك النخب الحاكمة.