العقوبات… فرصة الوقت بدل الضائع لأردوغان
المعارضة التركية تتبرأ من سلوك النظام التركي
بشكل متزامن مع العقوبات التي أجازها الكونغرس الأمريكي على النظام التركي، دعت القمة الأوروبية التي انعقدت في بروكسل أمس الجمعة، إلى فرض عقوبات على شخصيات وكيانات تركية مرتبطة بالتنقيب شرق البحر المتوسط.
أوروبا والولايات المتحدة وجهتا رسالة إلى رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، مفادها أنهما لا تقبلان سياسة الأمر الواقع التي تريد أنقرة فرضها داخل حلف الناتو من خلال شراء منظومة صواريخ روسية تتعارض مع سياسة الحلف من ناحية أولى، ومن خلال التنقيب عن الغاز شرق المتوسط في مياه لا تعود ملكيتها إلى بلاده من ناحية ثانية.
واتفق زعماء الاتحاد الأوروبي على إعداد عقوبات محدودة ضدّ شخصيات تركية جراء نزاع مع اليونان وقبرص على التنقيب عن الطاقة، وتأجيل أي خطوات أكثر صرامة حتى مارس المقبل.
وأحجم قادة الاتحاد الأوروبي عن تنفيذ التهديد الذي صدر في أكتوبر بالنظر في اتخاذ تدابير اقتصادية أوسع، ووافقوا بدلا من ذلك على بيان قمة يمهد الطريق لمعاقبة الأفراد المتهمين بالتخطيط أو المشاركة في ما يقول التكتل الأوروبي إنه تنقيب غير مصرح به قبالة قبرص.
ولم تذهب هذه الخطوات إلى الحد الذي كانت تريده اليونان، حيث عبر مبعوثوها عن خيبة أمل أثينا من تردد الاتحاد الأوروبي في استهداف الاقتصاد التركي بسبب الصراع على النفط والغاز، إذ دفعت ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا باتجاه منح الدبلوماسية المزيدَ من الوقت.
وسعت فرنسا، الغاضبة من السياسة الخارجية التركية في سوريا وليبيا، إلى دفع الاتحاد الأوروبي للنظر في فرض عقوبات على قطاعات من الاقتصاد التركي، لكن ذلك لم يحظ بدعم واسع.
ورغم محدودية الإجراءات رحب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة، بإظهار الاتحاد الأوروبي “الحزم” تجاه تركيا.
وقال ماكرون “أعطينا فرصة لتركيا” في أكتوبر، لكننا “لاحظنا بالإجماع أن أنقرة واصلت أنشطتها الاستفزازية”.
وفيما وصفت وزارة خارجية النظام التركي القرار الأوروبي بأنه “غير قانوني”، سعى أردوغان للتقليل من فاعلية هذا القرار مراهنا على حدوث انقسام داخل الصف الأوروبي بشأن تلك العقوبات.
وقال أردوغان في حديث للصحافيين في أسطنبول، إن بعض “دول الاتحاد الأوروبي التي تملك منطقا سليما أبدت نهجا إيجابيا وأحبطت هذه اللعبة”.
وأضاف “هناك توقع الآن لمناقشة أي إجراءات في قمة مارس للاتحاد الأوروبي. اسمحوا لي بأن أوضح ذلك، لا يمكن أن ينتج أي شيء” عن هذا الاجتماع.
لكن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي يشير إليها أردوغان في معرض حديثه عن الدول التي تمتلك منطقا سليما، لم تستبعد تمديد وقف تصدير الأسلحة الألمانية إلى تركيا. كما أشارت إلى ضرورة انتظار تقرير من مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي بشأن توسيع محتمل لعقوبات الاتحاد الأوروبي.
ويرى مراقبون أن أنقرة تستفيد من حالة الارتباك التي يعيشها القرار الأوروبي، إذ وجدت في هذا الارتباك فرصة لتستمرّ في التحدي والتحرك منفردة بالرغم من ضوابط عضوية الناتو.
وتحت عنوان “تركيا هي الصداع الرئيسي الآخر لأوروبا”، قال الكاتب ديفيد غاردنر في صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إن “تركيا شريك صعب؛ فهي عضو في الناتو، لكنها تشتري أنظمة دفاع جوي روسية. وهي عضو في مجموعة العشرين لكنها تستضيف قيادات من التنظيم الإخونجي”.
واعتبر الكاتب أن أردوغان قد خلص إلى أن “نشر القوة الصلبة في الخارج يخدمه بشكل أفضل من التوافق مع القوة الناعمة الضعيفة للأوروبيين، من سوريا إلى ليبيا”، مشيرا إلى أن الرئيس التركي عازم على “الوحدة العثمانية الجديدة. إنه يطالب ببحر إيجه وشرق البحر المتوسط وثرواته الغازية”.
لكن الأمر قد يكون مختلفا مع واشنطن، التي لم تقبل لجوء أردوغان إلى روسيا لشراء منظومة صواريخ بدلا من منظومة صواريخ معتمدة لدى الناتو، وقد يصبح الموقف الأميركي أكثر تشددا عند استلام الرئيس المنتخب جو بايدن مهامَّه الشهر القادم.
وأجاز مجلس الشيوخ الأميركي، الجمعة، بشكل نهائي مشروع قانون التمويل الدفاعي الذي يتضمن عقوبات على النظام التركي.
ويتضمن المشروع فرض عقوبات على أنقرة على خلفية اقتنائها منظومة الصواريخ الروسية أس – 400. وتستهدف العقوبات كبرى شركات صناعة الأسلحة وعدد من رجال الأعمال الأتراك.
وتتنوع هذه العقوبات بين المتوسطة والشديدة وقد تستهدف أشخاصا أو كيانات، كما تطال القطاع المالي، وما يتعلق بالقروض المتأتية من مؤسسات أميركية أو دولية، وكذلك المعاملات في مجال تبادل السلع وقطاع العقارات. وتشمل تسليط عقوبات على مسؤولين تنفيذيين في الشركات المعنية بالعقوبات، وكذلك رفض منح تأشيرات سفر لموظفي هذه الشركات.
واعتبر أردوغان أن استخدام واشنطن قانون “كاتسا” ضد بلاده إساءة إلى شريك هام في الناتو.
وأضاف “سنرى التوجهات الجديدة في الولايات المتحدة بشكل أفضل عقب تسليم السلطة وسنتريث قبل تقييم الأمور”.
وكانت لقرار النظام التركي شراء منظومة أس – 400 تكلفة مباشرة، فقد تم طرد البلاد بشكل أساسي من برنامج مقاتلات أف – 35 الذي تقوده الولايات المتحدة.
أونال تشيفيكوز، النائب عن حزب “الشعب الجمهوري” ومسؤول علاقاته الخارجية، قال : إن “حزبنا ليس طرفاً في صراع أنقرة مع بروكسل، وسوف نستمر بعلاقاتنا مع الاتحاد الأوروبي رغم كل ما جرى”.
وأضاف في تصريحات صحافية: “مع انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي بشأن تركيا في مارس المقبل، سوف نكون على معرفةٍ تامة بالقيود التي ستفرضها بروكسل على أنقرة”، محمّلاً الحزب الحاكم مسؤولية الأزمة الأوروبية – التركية الحالية والتي تفاقمت أكثر في الأشهر الأخيرة على خلفية تنقيب أنقرة في شرق البحر المتوسط عن موارد نفطية بالقرب من جزر يونانية وقبرصية.
وتابع البرلماني التركي أن “على أنقرة اتخاذ سياسة خارجية جديدة لا تمس تقاليد التعامل الدبلوماسي مع الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية عموماً، كما عليها عدم استخدام خطابات ضد عواصم العالم ترفض أنقرة أن يستخدمها الآخرون بحقها”.
ورأى أن الأولوية في الوقت الحالي هي للحوار، وأن ما على تركيا القيام به الآن هو الشروع في تعبئة شاملة وبناءة بطرقٍ دبلوماسية للتغلب على الأزمات مع الخارج، مؤكداً أن هذا ما سيعمل عليه حزبه في الفترة المقبلة.
وعن تأثير العقوبات الأوروبية على أنقرة، قالت ارزو يلماز، الأكاديمية التركية والبروفيسورة في العلاقات الدولية: “إنها حتماً ستؤثر على الوضع الاقتصادي في تركيا، ولكن إن كانت هذه العقوبات تهدف لدفع الحكومة التركية نحو التغيير، فذلك لن يتم خاصة مع وجود حزب الحركة القومية في السلطة عبر تحالفه مع الحزب الحاكم، وقد ينجم عنها انفجار سياسي كبير في الداخل التركي”.
وأضافت يلماز: “أعتقد أن الاتحاد الأوروبي سيتجه نحو توثيق علاقته مع الأحزاب المعارضة لأردوغان إذا ما فشل في تحقيق أهدافه عبر هذه العقوبات، خاصة أنها لن تدفع بالحكومة الحالية لإجراء إصلاحاتٍ أو انتخاباتٍ رئاسية وبرلمانية مبكرة في البلاد نتيجة تشدد حزب الحركة القومية حيال هذين الملفين”.
وتابعت أن “العقوبات الأوروبية جاءت بعد فوات الأوان، لا سيما أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية لم يتعاملا بحزم مع الاندفاع التركي طيلة العقد الماضي، وهي لن تؤثر سوى على الاقتصادي المحلي لأنقرة خاصة مع تعامل الحكومة غير الفعّال مع جائحة كورونا”.
الأوبزرفر العربي