الغباء السياسي للإخوان
إذا كانت ثمة قضية لابد أن يُحاكم على خلفيتها الإخوان فيجب أن تكون التهمة الغباء السياسي؛ وما أكثر جرائم الإخوان التي ارتكبوها في حق أنفسهم ومجتمعاتهم التي عاشوا فيها.
المتأمل للانهيارات التي تعرض لها التنظيم بمصر قبل عقد من الزمان، وما حدث له في عدد من البلدان العربية فيما بعد، يُدرك حجم الغباء السياسي الذي يتمتع به، وهو ما أرداه صريعًا في أول مواجهة شعبية، أو على الأقل ساعد على سقوطه وانهيار ما تبقى منه.
السياسة أفسدت التنظيم، والتنظيم أفسد المنظومة السياسية في البيئة التي كان يتواجد فيها؛ وبداية فساده تواكبت مع مراحل النشأة الأولى على يد المؤسس الأول حسن البنا، الذي دخل غمارها بعد 10 سنوات من ممارسته للدعوة فقط، وهنا بات فساد التنظيم واضحًا في تشويه الدين كأحد أهم المقدسات االتي يؤمن بها الإنسان، ثم انجر هذا الفساد إلى عالم السياسة ليلوثها هي الأخرى.
كان المؤسس الأول للتنظيم مخادعًا ومراوغًا في نفس الوقت؛ فعندما أعلن تدشينه في ربيع عام 1928، كان دعويًا صرفًا، أقسم أتباعه ومريدوه على العمل معه في إطار التربية الروحية فقط، حتى إنه فاجأهم جميعًا في العام 1938 بقراره في المؤتمر الخامس للجماعة دخول حلبة العمل السياسي، ليس ذلك فقط، لكنه قرر استخدام العنف في نفس المؤتمر وبعد قراره دخول معترك العمل السياسي، باتت السياسة والعنف صنوان الإخوان في العمل العام.
ومنذ هذا التاريخ سقط التنظيم شعبيًا؛ فرغم تحقيقه بعض المكاسب السياسية المؤقتة، لكنها تهدمت على عتبة الوعي الجمعي للمصريين، والأدل على ذلك الثورة التي قاموا بها على الإخوان في العام 2013؛ وكان ذلك محل استغراب من قبل قادة التنظيم، نظرًا لخروج أكثر من ثلاثين مليونًا في الشوارع والميادين، ما عُد استفتاء عامًا على التنظيم وردًا على خداعه طوال عشرة عقود مضت من عمره.
عندما قرر الإخوان دخول عالم السياسة، -فشلوا بعد ذلك- زرعوا الجواسيس في الأحزاب السياسية، وواجهوها بالشعارات الدينية المزيفة، واغتالوا خصومهم معنويًا وجنائيًا؛ كما أنهم كفروا الخصوم السياسيين لمجرد معارضتهم أو انتقاد التنظيم؛ ولم يكن لديهم مانع من نفاق الشخصيات العامة أو التنفيذية حتى تحقيق مصالحهم ثم الانقلاب عليهم بعد ذلك.
وكان الشعب المصري مدركًا لخداع الإخوان، لذلك وقف أمام تهديداتهم وحاكمهم على جرائمهم في حق الوطن؛ رغم محاولاتهم استقطاب ذوي الحاجة من الفقراء والمساكين والأرامل والمطلقات حتى يُصبحوا صوتًا في أي استحقاق انتخابي. إلا أن الكتلة الصلبة من المصريين يعلمون حجم الخطر الذي تمثله الجماعة؛ فثاروا في 30 يونيو/حزيران من العام 2013 على التنظيم.
عندما قفز الإخوان على حكم مصر في العام 2012، أسقطوا كل الشعارات التي صدحت بها مؤتمراتهم وما خلفته أدبياتهم، فكانوا ضد حرية الرأي، بل كانوا يتحرشون بقادة الأحزاب السياسية ورجال الإعلام، بسبب فضحهم للتنظيم. إن تنظيم الإخوان يمتلك قدرًا من الغباء السياسي جعله يعتقد أنه الأذكى من مخالفيه، لكن بالمقارنة ثبت أن الشعب المصري هو الأذكى عندما أسقط منظومته وحكم على استبداده بالزوال.
الإخوان كانوا يُطالبون الأنظمة السياسية والحكومات العربية بالإصلاح وهم أفسد النّاس، كانوا يُطالبون بالشفافية وهم أبعد ما يكونون عنها؛ فتحت هذه العناوين مارسوا سياسة الإقصاء والتخوين وانقلبوا على شركائهم الذين وعدوهم بالسمن والعسل.
ويدمن التنظيم العمل السري؛ فكراهيته للعلانية مرتبطة بإيمانه بالعمل تحت الأرض. وعندما كان في السلطة رفض أن يعلن عن حجم أموال التنظيم وعن عدد أفراده، رغم عدم وجود مبرر منطقي لعدم الإفصاح عن ذلك.
إن الإخوان جماعة سرّية كانت ترفض العمل العلني وتراه انتحارًا سياسيًا، لذلك لجأت إلى الممارسة السرّية في كل أنشطتها، رغم الادعاءات الكاذبة بأنها جماعة علنية.
خسر التنظيم أي معركة سياسية خاضها؛ لأن المصريين اكتشفوا حقيقته الاستبدادية متجاهلًا ما يُصدّره من شعارات مزيفة، فإذا كانت هناك جولة سياسية صعد فيها الإخوان للمجلس التشريعي بمصر في حقبة زمنية سابقة، فهناك جولات أخرى أسقط فيها المصريون، الإخوان حتى ثاروا عليهم.
كان الإخوان يرفضون الشراكة السياسية بكل أشكالها، فقط كانوا يستأثرون بالسلطة كل السلطة، رغم أنهم رفعوا شعار “المشاركة لا المغالبة” في تسعينيات القرن الماضي، إلا أنه ظل مجرد شعار، سقط تحت أقدام سياسة التنظيم، بالمغالبة في كل المؤسسات والانتخابات.
ويمتلك الإخوان قاعدة عريضة من الغباء السياسي؛ المسؤول عن إخفاق الإخوان السياسي والشعبي معًا؛ فالتنظيم لا يمتلك مقومات البقاء عندما سقط في أعين النّاس، ولعل دخوله غمار السياسة أو وصوله للسلطة في عدد من البدان، كان كاشفًا للتنظيم بصورة أكبر، فضلًا على أنه كان محفزًا كبيرًا على الانهيار فيما بعد.
ولا يمتلك الإخوان أي مشروع سياسي؛ فلديهم فقط خطوط عامة، حتى إنهم تبرؤوا مما كتبوه، لذلك عندما سأل المصريون عن ماهية مشروع النهضة الذي أعلنوا عنه أثناء خوضهم للانتخابات الرئاسية في العام 2012، كان ردهم بعد أن وصلوا للسلطة: “النهضة” مجرد خطوط عامة ولا يوجد مشروع مكتوب!
إن الإخوان يقتاتون على الشعارات المزيفة لتنظيم دائمًا ما يكره الحقيقة ويمارس العمل السياسي على خلفية أن منافسيه مجرد حفنة من الفسدة تسمح له باغتيالهم في أي وقت، فضلًا عن حملات التشويه الممنهجة، وهذه أحد أسباب سقوط التنظيم في مصر وبعض البلدان العربية التي صعدوا فيها للسلطة، وإنّ كنّا نرى أن سقوط التنظيم كان أخلاقيًا في الأساس والسقوط السياسي مجرد انعكاس للسقوط الأخلاقي وتفكك منظومة القيم التي كان يدعيها الإخوان.
الإخوان هم من أسقطوا أنفسهم بأنفسهم، أو على الأقل ساعدوا غيرهم على ذلك، وهو ما يُترجم الغباء السياسي الذي يتمتع به التنظيم منذ دخوله حلبة الصراع السياسي على يد مؤسسه الأول، وما ورثة قادة الإخوان من مؤسسه فيما بعد حتى إعلان السقوط الأخير في مصر قبل عشرات سنوات من الآن.