الغنوشي يعترف بعلاقاته مع إخونجية ليبيا
قال رئيس حركة النهضة، ورئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، الإثنين: إن “إخونجية ليبيا” يتمنون أن يحصلوا على مساعدة من حركته للخروج من ما وصفه بـ”محنتهم الحالية”.
واعترف الغنوشي في حوار مع التلفزة التونسية عن علاقاته المشبوهة مع تنظيم الإخونجية الإرهابي في ليبيا، مشددا على “تطابق الرؤية” بين الطرفين، في تحد للرأي العام التونسي الذي رفض مثل هذه العلاقات وأثارت انتقادات واسعة حولها.
وتأتي تصريحات الغنوشي بالتزامن مع جلسات الحوار الليبي بتونس، وفي ظل تحركات لحكومة السراج في طرابلس تشير وفق مراقبين لقيام رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان بزيارة للمدينة قريبا.
ويرى مراقبون أن نسخة إخونجية تونس بقيادة الغنوشي صارت هي المنهج المتبع الآن من قبل إخونجية غرب ليبيا، لإقناع الطرف الآخر بعدم رغبتها في المناصب الرئيسية، إلا أنها في واقع الأمر هي من تدير تلك المناصب من خلف الستار، كحالهم مع الرئيس الأسبق منصف المرزوقي، بجانب سيطرتها على الإدارات الوسطى في المؤسسات الحيوية، بالتزامن مع الغزو الناعم لمنظمات المجتمع المدني للسيطرة عليها.
وكشفت الاستقالات الجماعية لأعضاء جماعة الإخونجية بمدينتي الزاوية ومصراتة من التنظيم المتطرف، عن مدى تطابق رؤية التنظيم في غرب ليبيا مع رؤية نظيرهم التونسي، حركة النهضة.
فقد أعلن أعضاء تنظيم الإخونجية بمدينة مصراتة الليبية في 21 أكتوبر الماضي استقالتهم الجماعية من التنظيم، وجاء ذلك بعد أن أكد الأعضاء المستقيلين في بيان نشر لهم على مواقع التواصل الاجتماعي بأن هذه الخطوة تعني حلّ التنظيم في المدينة نهائيا، مؤكدين أن سبب ذلك هو تعطيل قيادات الجماعة عمل المراجعات التي أتفق عليها أعضاء الجماعة في مؤتمرهم العاشر المنعقد عام 2015.
وجاءت هذه الاستقالة المثيرة للجدل بعد مرور شهرين على استقالة أعضاء تنظيم الإخونجية في مدينة الزاوية من التنظيم الأم، حيث قرروا حلّ فرع التنظيم الإرهابي بالمدينة، مرجعين قرارهم لذات الأسباب التي ساقها التنظيم في مصراتة.
ووفق خبراء فإن إخونجية مصراتة أو الزاوية لم يكونوا ليقدموا على مثل هذه الخطوة إلا بعد تأكدهم من غياب الدعم الشعبي للتنظيم الإرهابي، في ظل سعيه للحصول على دعم خارجي متمثل بتركيا.
وتعد مدينتي الزاوية ومصراتة من أبرز معاقل تنظيم الإخونجية في ليبيا، حيث يسيطر التنظيم المتطرف على الميليشيات المسلحة بالمدينة التي تقودها أشرس القيادات الإرهابية على غرار أبو عبيدة الزاوي ومصطفى التريكي وغيرهم.
يرجع مراقبون ومحللون حديث الغنوشي للتلفزة التونسية لأسباب داخلية وخارجية، حيث أشار المحلل السياسي مسعود الفرجاني، إلى أن زعيم حركة النهضة الإخونجية لعب على وتر طمأنة التونسيين بعدم سعيه للهيمنة على المشهد السياسي، وأنه لن يترشح لولاية ثانية.
وأضاف الفرجاني أن الغنوشي حاول جاهدا في حديثه “تبييض إخونجية ليبيا مستغلا استقالة إخونجية مصراتة من التنظيم الشهر الماضي والتي تأتي في ظاهرها على غرار إخونجية مدينة الزاوية، إلا أن كلاهما في الحقيقة يتبنيان نهج إخونجية تونس”.
ووصف الفرجاني الغنوشي بأنه “مهندس خريطة الإخونجية في ليبيا، فهو على صلة وثيقة بكافة دوائر التنظيم في البلاد، وفي مقدمتها إخونجية مصراتة، كما أنه كثيرا ما تقدم بالنصح للقيادي الإرهابي خالد المشري”.
وشدد على أن “استقالة إخونجية مصراتة والزاوية من التنظيم المتشدد بحجة عدم اهتمام القيادات بتنفيذ المراجعات أمر عار عن الصحة، فالسبب الحقيقي يتمثل بإدراك الإخوان بأن المعادلة الجديدة التي تصاغ دوليا لليبيا لن تتحملهم بشكلهم ووضعهم الحالي”.
وأكمل قائلا: “كان على إخونجية ليبيا التلوّن مجددا بسرعة وارتداء ثوب جديد غير التشدد حتى يحظوا بقبول على المستوى الدولي، لذا أقدموا على الاستقالة، مدفوعين بهذه المعطيات، ومتبعين توصيات الغنوشي”.
ويتفق أستاذ العلوم السياسية الليبي محمد الزناتي مع رأي الفرجاني بأن استقالة إخونجية مصراتة والزاوية مبني على الأوضاع السياسية الراهنة التي تمر بها ليبيا فقط.
وأوضح الزناتي أن خطوة إخونجية ليبيا الأخيرة تعكس تقلص نفوذهم، مشيرا إلى أن الغنوشي بات مرشدا للتنظيم في ليبيا.
وتابع قائلا: “هذه السياسة ليست جديدة عليهم، فقد أستخدم التنظيم سياسة مشابهة عام 2009، عندما وقع الإخونجية صلحا مع نظام معمر القذافي بوساطة من إخونجية تونس، ثم أعلنوا عام 2011 أنهم في حلّ من هذا الاتفاق. وعليه قد يعود التنظيم الى المدينة في أي لحظة إذا توفرت له عوامل العودة”.
ولفت الزناتي إلى أن الغنوشي نصح كثيرا المشري وأتباعه بالسير على نهج النهضة، إلا أن إخونجية ليبيا فضّلوا العمل وفق نهج إخونجية مصر المتسرعين المتعطشين للتفرد بالحكم والسلطة”.
وتطرّق المحلل السياسي الليبي حمد المالكي إلى لعبة قديمة يحاول أعضاء إخوان ليبيا إعادة تدويرها الآن، حيث قال: “إن استقالة أعضاء التنظيم وحلّه بمصراتة، وقبلها استقالة المشري، ثم ظهور الغنوشي على التلفزيون التونسي مدافعا عن إخونجية تونس ماهي إلا لعبه قديمة جديدة يحاول هذا التنظيم الإرهابي من خلالها إعادة ترتيب صفوفه والعودة للساحة من جديد”.
وأشار المالكي إلى أنه “لا يخفى على أحد اعتماد الإخونجية على التدليس والكذب كمنهج له، وبسبب تزايد الضغط المحلي والدولي على التنظيم بليبيا، كان عليه إعادة تدوير نفسه قبل تشكيل الحكومة الوطنية القادمة، فهي الخطوة التي سيترتب عليها كل شيء في المستقبل السياسي الليبي، كالانتخابات البرلمانية والرئاسية والبلدية أيضا، وهو ما سيتيح لأعضائها المستقيلين الدخول للانتخابات”.
من جانبه، اعتبر الخبير الليبي موسى إبراهيم أن الاستقالة الفردية والجماعية، وتفكيك الأجسام الحزبية، وتغيير العناوين السياسية، وما بذله الغنوشي من محاولات للدفاع عن إخونجية ليبيا مؤخرا ما هي إلا تكتيكات إخونجية قديمة ومحفوظة يمارسها التنظيم المتطرف وفروعه بغرض إعادة الانتشار داخل المجتمع، وتقديم أنفسهم بطريقة مدنية.
واسترسل إبراهيم قائلا: “من خلال تلك الاستقالات الجماعية يكون إخونجية مصراتة والزاويا قد ارتدوا ثوب التقية، الذي نصحهم به الغنوشي منذ ثلاثة أعوام على الأقل، ولكن لم يدرك هؤلاء أنه ما من ثوب يليق بهم سوى نفس ثوب إخونجية تونس، وهو ما اكتشفوه بعد أن لفظهم المجتمع الليبي لخيانتهم للوطن والدين”.
وبدأت الانتقادات تتصاعد حول الاتصالات واللقاءات السرية بين الغنوشي والمشري، بعد أن طلب الحزب الدستوري الحر في تونس بمايو الماضي، عقد جلسة مساءلة لرئيس البرلمان، على إثر تلك الاتصالات واللقاءات السرية التي أخلّت بالأمن القومي لكل من ليبيا وتونس معا، فضلا عن مخالفتها لكل القوانين والأعراف الدبلوماسية.
وجاءت تلك الاتصالات بالتزامن مع أخرى مماثلة بين الغنوشي ورئيس النظام التركي في الوقت الذي شنّت فيه مليشيات طرابلس بدعم من أنقرة هجوما على الجيش الوطني الليبي، مما دفع الرئاسة التركية للاعتراف والتصريح عن اتصالات تمت بين أردوغان والغنوشي، إلى جانب المجلس الأعلى للدولة الموالي لحكومة السراج الذي صرّح وقتها بأن رئيسه المشري تلقى اتصالات من الغنوشي، بعد نفي الأخير إجراء أي اتصالات بالجانب الليبي.
الأوبزرفر العربي