المظلومية آخر أسلحة النهضة في تونس
حكيم المرزوقي
أصبح جل ما يريده زعيم حركة النهضة في تونس، والذين معه، أن يبقوا داخل دائرة الضوء والاهتمام الإعلامي، وهو أدسم غنيمة سياسية يمكن أن ينتزعها راشد الغنوشي من السلطات التونسية التي اكتفت بإيداع ملفه الاتهامي إلى النيابة العامة كما تجري الأصول لا أكثر ولا أقل.. فماذا يريد غير ذلك؟
ومع ذلك، يصر فريق الدفاع عن الغنوشي على أن الإجراءات التي اتبعتها النيابة العامة في تونس غير قانونية بعد أن قضت محكمة تونسية منذ ما يزيد عن الأسبوع بسجن المتهم مدة عام واحد بعد توجيه عدة اتهامات إليه، من بينها اتهامات ذات صلة بالإرهاب.
الحبل مازال على الجرار طبعا، لذلك استبق سامي الطريقي، أحد محامي الدفاع، في ندوة صحفية، الأمر محذرا من أن عقوبة الاتهامات الموجهة إلى موكله قد تصل حد الإعدام، مدعيا بأن الغنوشي موقوف من أجل ”تصريح سياسي دعا فيه إلى المصالحة والوحدة الوطنية ونبذ العنف” وتم إرفاقه بإيداع ملف آخر على خلفية تصريحه أثناء تأبين أحد أصدقائه بمحافظة تطاوين جنوب تونس.
يُفهم من السياق أن حركة النهضة تسير حيال قضية رئيسها في اتجاه مزدوج الهدف: أن تبقي على حادثة الاعتقال والمحاكمة طازجة وعالقة في الأذهان من خلال التذكير بها دائما على سبيل المظلومية التي دأبت على انتهاجها ثم التأويل والعويل من باب “لعل وعسى” أي البحث عن أصداء وتفاعلات في المشهد المحلي والدولي.
وتحاول جماعة الغنوشي تسويق فكرة إلى جميع أطياف المعارضة، وحتى المساندين للرئيس التونسي قيس سعيد، مفاد هذه الفكرة أن صاحبهم هو “الثور الأبيض”، وسوف يأتي دورهم مهما كان الاختلاف السياسي والأيديولوجي بينهم.
وفي هذا السياق قالت زينب البراهمي، إحدى محاميات الدفاع، إن “فكر الغنوشي الوسطي هو المستهدف”، وتابعت أن ”الاستهداف ليس للغنوشي فحسب، بل شمل رجلين لم يكونا متواجدين في المسامرة بمقر الحزب الجمهوري”.
هذا الأسلوب التأليبي لم يعد يجدي نفعا في تونس لأسباب كثيرة، أهمها أن الناس فطنت باللعبة وخبرتها منذ حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وسلفه الحبيب بورقيبة الذي قيل إنه تحمس لفكرة إعدام الغنوشي ثم عدل عن الأمر.
السبب الآخر الأكثر وجاهة وواقعية أمام استحالة انصياع الشعب التونسي لمحاولات التجييش والتحشيد التي تتبعها النهضة ضد نظام الحكم في تونس، هو أن السلطات التونسية لم تكشر عن أنيابها حتى في أحلك الظروف التي تمادى فيها الإسلاميون والنقابيون وغيرهم من القوى السياسية والنقابية.
ظلت حريات التعبير مصانة وشعارات التحفظ والاعتراض والانتقاد مرفوعة أمام المحاكم وعدسات الكاميرا المحلية والأجنبية، مما حدا ببعض المتحمسين لمشروع سعيد إلى انتقاد صاحبه واتهامه بالتقصير إلى حد قول بعضهم إنهم “قد خُذلوا” من طرف الذي وعدهم بالقضاء على الفساد والإرهاب.
ألا لا يصدقنّ أحد من داخل تونس ومن خارجها أن المظلومية التي كان ينتهجها الإخوان منذ أيام حسن البنا في مصر مازالت تؤتي أكلها أو تنطبق حتى على المغفلين، فما بالك بالتونسيين الذين لدغوا من الجحر مرتين ثم تذوقوا طعم الديمقراطية.. ولا يعرف قيمة الواحات إلا من خبر الصحارى.
حسب قضية الغنوشي وحشة وخطورة أن “تمجيد الإرهاب” واحدة من التهم الموجهة إليه، وأثبتت ضده حين وصف شرطيين في مجلس تأبين بـ”الطواغيت”، وهي العبارة التي يستخدمها الجهاديون في تونس.. أليست هذه التهمة ـ وقد أثبتت بالصوت والصورة ـ كافية لينال صاحبها عقوبة شديدة خصوصا بصفته مسؤولا حكوميا في دولة مدنية.
لا يمكن وصف الوقفات الاحتجاجية والمهرجانات الخطابية التي تقيمها حركة النهضة مناصرة لزعيمها إلا بالرعونة والتمادي، أما “الاهتمام لها وتخصيصها حيزا في الصحافة فهو ضرب من إضاعة الوقت أو الانخراط في المؤامرة “، كما قال أحد المحللين السياسيين.
وعلى ذكر الصحافة، فإنها الجهة الوحيدة المخولة بتذكير متابعيها بمدة اعتقال واحد من رجالاتها على غير حق في حالة الاعتداء على مهمته، أما ما عدا ذلك، ولسبب غير مبرر، فإن ذلك يدخل في عداد البروبغندا السياسية أو غيرها.
وفي ضوء ما تقدم فإن إطلالات حشود حركة النهضة واعتراضاتهم على القضاء، تعد نوعا من الخروج على القانون والتحريض على الفوضى.
وكي لا تنشط من جديد تجارة المظلوميات التي لا يمتلكون غيرها فإن أفضل طريقة للتعامل مع هذه الظاهرة الدوغمائية هي إهمالها.