الولايات المتحدة تعترف بمذابح الأرمن على يد السلطات العثمانية
اعترفت الولايات المتحدة، السبت، بمذابح الأرمن التي وقعت على يد السلطات العثمانية عام 1915 بأنها “إبادة جماعية”، فيما ندد رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان بما سماه “تسييس” الجدل حول الإبادة بحق الأرمن “من جانب أطراف ثالثة”، بينما وصف رئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان، الاعتراف الأميركي بـ”اليوم المهم لكل الأرمينيين”.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن في بيان للبيت الأبيض: “في هذا اليوم من كل عام، نتذكر أرواح جميع الذين راحوا ضحية الإبادة الجماعية للأرمن في العهد العثماني، ونجدد التزامنا بمنع حدوث مثل هذه الفظائع مرة أخرى”.
وأضاف: “ابتداءً من 24 أبريل 1915، مع اعتقال المفكرين الأرمن وقادة المجتمع في القسطنطينية من قبل السلطات العثمانية، تم ترحيل مليون ونصف المليون أرمني أو ذبحهم أو نقلهم إلى الموت في حملة إبادة”.
وتابع: “نجا الشعب الأرميني وأعاد بناء مجتمعه، وعلى مدى عقود، أثرى المهاجرون الأرمن الولايات المتحدة بطرق لا حصر لها، لكنهم لم ينسوا أبداً التاريخ المأساوي الذي جلب الكثير من أسلافهم إلى شواطئنا، نحن نكرم قصتهم، نرى هذا الألم، نؤكد التاريخ، نحن لا نفعل ذلك لإلقاء اللوم ولكن لضمان عدم تكرار ما حدث”.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية “فرانس برس”، عن مسؤول أميركي رفض نشر اسمه، القول إن “اعتراف بايدن بالإبادة بحق الأرمن لا يهدف إلى تحميل تركيا المسؤولية”، وإنما إلى “تكريم الضحايا”، وفق ما نقلته رويترز عن المسؤول، الذي أكد أن “واشنطن لا تزال تعتبر أنقرة شريكا مهماً في حلف شمال الأطلسي”.
اليوم المهم لكل الأرمينيين
رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، وصف الاعتراف الأميركي بـ”اليوم المهم لكل الأرمينيين”، مضيفاً في تغريدة على تويتر: “بعد قرار الكونغرس في 2019، الرئيس الأميركي يكرم ذكرى ضحايا الإبادة الجماعية الأرمينية”.
It is an important day for all Armenians. Following the resolutions adopted by US Congress in 2019, President Biden honored the memory of victims of the Armenian Genocide. The US has once again demonstrated its unwavering commitment to protecting human rights and universal values
— Nikol Pashinyan (@NikolPashinyan) April 24, 2021
وقال في رسالة وجهها إلى الرئيس بايدن: “شعرت شعوب أرمينيا والأرمن في جميع أنحاء العالم بحماس كبير ورحبوا برسالتك التي اعترفت فيها رسمياً، وأدنت الإبادة الجماعية للأرمن التي ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية في 1915-1923″.
وأضاف: “أقدر بشدة موقفك المبدئي، والذي يعد خطوة قوية على طريق الاعتراف بالحقيقة والعدالة التاريخية، ودعماً لا يقدر بثمن لأحفاد ضحايا الإبادة الجماعية للأرمن. رسالتك أكملت عملية الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن في الولايات المتحدة”.
ورحبت وزارة الخارجية الأرمينية بتصريحات بايدن، وقالت في تغريدة على تويتر: “سلطات الولايات المتحدة كررت بشكل لا لبس فيه التزامها بحقوق الإنسان ومبادئ الإنسانية”.
ردود الأفعال التركية
وفي أول رد فعل تركي على الاعتراف الأميركي، نقلت وكالة الأنباء التركية الرسمية، أن رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، بعث برسالة إلى بطريرك الأرمن في تركيا، ساهاك ماشاليان، قال فيها: “لا يمكن أن نسمح بزوال ثقافة العيش المشترك لمئات السنين بين الأتراك والأرمن”.
وأضاف في رسالته: “تسييس أطراف ثالثة للنقاشات (بشأن أحداث 1915)، وتحويلها إلى أداة تدّخل ضد تركيا لم يحقق منفعة لأي أحد”، متابعاً: “ما يجمعنا (الأتراك والأرمن) ليست المصالح بل ارتباطنا الوثيق بالدولة والقيم والمثل العليا ذاتها”.
وانتقدت وزارة خارجية النظام التركي قرار بايدن، وأعلنت رفضها واستنكارها “بأشد العبارات”، وقالت إن البيان ليس له أي أساس قانوني، “وسيفتح جرحاً عميقاً” في العلاقات الثنائية، لافتة إلى أن الاعتراف الأميركي “جاء تحت ضغط الدوائر الأرمينية المتطرفة والجماعات المناهضة لتركيا”.
وقالت: “البيان الأميركي الذي يشوه الحقائق التاريخية لن يقبله ضمير الشعب التركي وسوف يفتح جرحاً عميقاً يقوض الصداقة والثقة المتبادلة بيننا”.
الاعتراف الأمريكي غير مدعوم دليل
وأضافت الخارجية أن الاعتراف الأميركي “ليس له سند علمي ولا شرعي، وغير مدعوم بأي دليل، فيما يتعلق بأحداث عام 1915، ولم يتم استيفاء أي من الشروط المطلوبة لاستخدام مصطلح (الإبادة الجماعية) المحدد بدقة في القانون الدولي”.
وتابعت: “بعد أكثر من 100 عام من هذه المعاناة الماضية، وبدلاً من بذل الجهود المخلصة لتضميد جراح الماضي وبناء المستقبل معًا في منطقتنا، فإن بيان الرئيس الأميركي لن يسفر عن أي نتائج سوى استقطاب الشعوب وعرقلة السلام والاستقرار في منطقتنا”.
ودعدت الخارجيةُ التركية الرئيسَ بايدن إلى “تصحيح هذا الخطأ الجسيم الذي لا يخدم أي غرض سوى إرضاء بعض الأوساط السياسية، ودعم الجهود الهادفة إلى ترسيخ ممارسة التعايش السلمي في المنطقة، خصوصاً بين الأمتين التركية والأرمينية، بدلاً من خدمة أجندة تلك الدوائر التي تحاول إثارة العداء من التاريخ”، حسب بيانها.
وقال وزير خارجية النظام التركي، مولود جاويش أوغلو، في تغريدة عبر تويتر: “الكلمات لا تستطيع تغيير أو إعادة كتابة التاريخ”، مضيفاً: “ليس لدينا ما نتعلمه من أي شخص في ماضينا، الانتهازية السياسية هي أكبر خيانة للسلام والعدالة”.
واختتم أوغلو تغريدته بالقول: “نرفض تماماً هذا البيان (بيان البيت الأبيض) الذي استند إلى الشعبوية فقط”.
بدوره، شدد رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب، على عدم وجود أي نص في القانون الدولي يعرّف أحداث 1915 بأنها “إبادة جماعية” كما يزعم الأرمن، حسب قوله.
وقال شنطوب في تصريحات أدلى بها بالعاصمة أنقرة، السبت: “الخطاب المخالف للحقائق التاريخية الذي يتبناه الجانب الأرميني يقوض الجهود الرامية لتطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا”.
ودعا شنطوب، بحسب وكالة الأناضول التركية، أرمينيا إلى التخلي عن هذا الخطاب في أقرب وقت، مؤكداً استعداد تركيا لاتخاذ خطوات مختلفة في سبيل التوصل إلى اتفاق في أجواء من السلام.
وكان رئيس اتحاد الأوقاف الأرمنية في تركيا، بدروس شيرين أوغلو، قال في مقابلة مع وكالة الأنباء الرسمية التركية “الأناضول”، إن “الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعيدان عن حسن النية عندما يتطرقان لأحداث 1915، ويتدخلان بالموضوع بدوافع سياسية”، على حد تعبيره.
اعترافات دولية
وتنفي تركيا أن تكون عمليات القتل التي تعرض لها الأرمن في تلك الحقبة “إبادة جماعية”، وتصر على وصفها بالمأساة لكلا الطرفين، بينما تعترف بها أكثر من 20 دولة والعديد من المؤرخين.
وتشدد تركيا على أن عمليات قتل وطرد الأرمن خلال ما كان يعرف آنذاك بالسلطنة العثمانية، لم تكن إبادة جماعية ولكنها كانت نتيجة لصراع أوسع خلال الحرب العالمية الأولى.
بيد أن الضغط التركي لم يمنع بعض الدول الكبرى، مثل فرنسا وألمانيا، من الاعتراف بالإبادة الجماعية فيما امتنعت العديد من الدول عن الاعتراف الرسمي الكامل.