انتقادات فلسطينية واسعة للقاء عباس – غانتس
الأحزاب السياسية تعتبره طعنة في ظهر الشعب وتضحياته
أثار لقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بوزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس قبل أيام، موجة انتقادات واسعة في الأوساط السياسية والشعبية الفلسطينية، وفتح باب التساؤلات حول أسباب ودوافع هذا اللقاء الذي جرى بشكل سري دون إعلان مسبق عنه أو ترتيبات خاصة.
وكشفت وسائل إعلام عبرية قبل بضعة أسابيع، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت، رفض طلباً تقدم به غانتس يسمح له بموجبه بعقد لقاء مع عباس، قبل أن يعقد اللقاء بشكل مفاجئ تزامناً مع عودة بينيت من واشنطن بعد لقائه بالرئيس الأمريكي جو بايدن.
ودانت معظم الأحزاب السياسية الفلسطينية هذا الاجتماع، واعتبرت اللقاء طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني وتضحياته، وأنه خيانة لدماء الشهداء.
ويتفق مختصون في الشأن السياسي الفلسطيني على أن دوافع اللقاء هي أمنية اقتصادية بحتة، إذ لا تبحث الحكومة الحالية في الاحتلال عن أي حل سياسي، وهو ما عبر عنه رئيس الحكومة بينيت “بأن الحكومة الحالية لن تقدم أي حلول سياسية للفلسطينيين”.
سقف متدني
وقال رئيس مركز مسارات للدراسات والأبحاث هاني المصري، إن اللقاء سيؤدي إلى تخفيض السقف السياسي الفلسطيني إلى مستوى مفاوضات أمنية واقتصادية دون مرجعية سياسية وهذا يقزم القضية الفلسطينية ويؤجج الوضع الراهن ولا يبقيه على ما هو عليه، بحكم تعزيز الاحتلال وتفاقم التوسع الاستيطاني والحصار والعدوان وعمليات الهدم في القدس وغير ذلك من السياسات الإسرائيلية.
وأضاف المصري: “كيف سيطلب رئيس السلطة وهو متجه إلى الأمم المتحدة بمؤتمر دولي وهو قبل بهذا السقف المتدني بدون أي عملية سياسية حقيقية وهذا سيؤدي إلى مزيد من الخلافات الفلسطينية ويعمق الخلافات الفلسطينية الداخلية، لأن العنوان هو بقاء السلطة، والأصل في الموضوع دعم السلطة من شعبها وليس حصولها لدعم الاحتلال للبقاء”.
وتابع: “الرئيس والسلطة سعيدة بهذا اللقاء كونه يعكس ارتفاعاً في مستوى اللقاء من منسق أعمال الحكومة والشخصيات الأمنية، إلى مستوى وزاري وهو ما ترى فيه تطوراً”، مستدركاً: “هذا التطور الذي يلقى سعادة لدى السلطة يندرج ضمن سقف المحافظة على السلطة وليس من أجل وقف الاستيطان أو إنهاء الاحتلال”.
ولفت رئيس مركز مسارات إلى أن “إسرائيل” لم توافق على شروط بناء الثقة التي طرحتها السلطة الفلسطينية واختارت فقط الشق الاقتصادي وتقديم تسهيلات ومساعدات لها، مستكملاً: “هذا تطبيق لجوهر صفقة القرن لكن بشكل هادئ”.
تقوية السلطة
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي إن “اللقاء يندرج ضمن مجموعة من السياقات أولها أن إدارة بايدن تريد الهدوء في المنطقة ولا ترى لذلك سبيلاً إلا بتقوية السلطة، الأمر الثاني أن المستويات الأمنية والعسكرية حريصة على استمرار السلطة واستقرارها اقتصادياً وأمنياً حتى في أوقات الخلاف معها، أما ثالثاً فإنه لا يوجد أفق سياسي فلا السلطة تطمح بذلك ولا رئيس الحكومة الإسرائيلية يريد حلولاً سياسية والأمر يسير بمنطق الأمر الواقع”.
وأضاف عرابي: “الاحتلال معني بساحة الضفة وتحديداً الأمن الذي يرى فيه أنه مخادع، فمنذ 2014 هناك قدر من التحرك الملحوظ في الضفة جعلها الساحة الأكثر تأثيراً من الناحية الأمنية حتى من قطاع غزة بحكم التداخل القريب مع الإسرائيليين بالإضافة للهبات مثل هبة القدس ومشاركتها في عشية معركة سيف القدس والأحداث اليومية وما تشهده منطقة شمال الضفة عكست تراجع مشروع السلطة”.
وبشأن تراجع بينت عن موقفه الرافض للاجتماع مع الرئيس عباس، علق الكاتب عرابي: “ربما الرفض كان لحسابات إسرائيلية داخلية خاصة، إذ أن غانتس قال إن لقائه بالرئيس الفلسطيني أفضل من لقاء وزير الخارجية كون الملف الأمني”.
واستكمل قائلاً: “لقاء غانتس – عباس له علاقة بالتوازنات الداخلية الإسرائيلية والرؤية الداخلية بترتيبات أمنية تحفظ المصالح الأمنية الإسرائيلية فقط وتعزز مكانة السلطة اقتصادياً”.
وأشار إلى أن العالم ينظر حالياً إلى مرحلة ما بعد الرئيس عباس وهو ما ينقاش تحت الطاولة بين الأمريكيين والبريطانيين سياسياً وأمنياً وهناك رغبة في الحفاظ على جسم السلطة، مستدركاً: لكن لا يمكن تقوية السلطة بشكل حقيقي إلا إذا أعطيت انجاز سياسي يقنع الجماهير بجدوى استمرارها، إذ أن ما يجري حالياً حلول مؤقتة”.
محتوى أمني
بدوره، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة مخيمر أبو سعدة أن ما يجري هو استمرار للنهج الذي كان سائداً في عهد نتنياهو من خلال التعاطي الأمني مع السلطة الفلسطينية، ورفض عقد أية لقاءات سياسية مع السلطة الفلسطينية والرئيس عباس.
وتابع أبو سعدة: “عقد الاجتماع يثبت ما يتحدث به بينيت أنه لا يريد علاقة سياسية مع الفلسطينيين إذ أنه يعتبر أن الوضع السياسي في السلطة غير مستقر، ومحتوى اللقاء محتوى أمني بالدرجة الرئيسية”.
وأردف قائلاً: “الإسرائيليون يردون سلاما اقتصاديا، ودعم السلطة اقتصادياً وزيادة عدد العمال، وبالتالي هم فقط يتحدثون في أبعاد اقتصادية بعيدة كل البعد عن الملفات السياسية”.
واستبعد أستاذ العلوم السياسية أبو سعدة فرضية العودة إلى المفاوضات في المرحلة الراهنة نظراً لانشغال أمريكا بالملفات في كل من أفغانستان وإيران، وانشغال الاحتلال بملفات أخرى، مبيناً أن السلطة لن تحصل على أكثر من تسهيلات اقتصادية في المرحلة القادمة.