انقلاب النيجر وأهمية الساحل
مع أن الغموض ما زال يحيط بمحاولة الانقلاب العسكري في النيجر على أول رئيس منتخب في البلاد من أكثر من ستة عقود، إلا أن تداعيات المحاولة سواء نجحت أو فشلت لا تقتصر على هذا البلد الذي يقع فيما تسمى منطقة الساحل والصحراء في شرق أفريقيا.
صحيح أن الانقلابات العسكرية ليست بجديدة، لا على النيجر ولا على بقية دول الساحل التي شهدت أكثر من انقلاب في العامين الأخيرين، إلا أن ما يجري في النيجر يحمل دلالات مهمة وتبعات ربما تنعكس على دول الجوار ومنها دول عربية مثل ليبيا والجزائر. ناهيك طبعا عن تشاد ونيجيريا، البلدين الكبيرين في جنوب الصحراء.
ينتمي الرئيس محمد بازوم، الذي انقلب عليه الحرس الجمهوري وربما بعض قيادات عسكرية لا تمثل قيادة جيش النيجر، إلى الأقلية العربية في النيجر. لكن ذلك ربما ليس عاملا مهما في تفسير الانقلاب، وإن كان الأقرب للمنطق أنه كان ينوي تغيير رئيس الحرس الجمهوري الجنرال عمر تشياني في نفس يوم الانقلاب فاستبق الأخير قرار عزله.
وما ينذر بصراع دموي في البلاد إذا لم يتم التوصل إلى حل سريع واستعادة الشرعية الديموقراطية هو احتمال اقتتال قوات الجيش المختلفة في صراع على السلطة أقرب لما يجري في السودان منذ أشهر. ولا يفصل النيجر عن السودان سوى تشاد، التي لا شك ستكون في وضع حرج محشورة بين بلدين يشهدان قتالا داخليا.
الرئيس بازوم من بين قادة أفريقيا الذين تخلفوا عن القمة التي استضافها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزعماء أفريقيا. كما أنه معروف بموالاته للولايات المتحدة والغرب، على عكس الانقلابين في دول الجوار مالي وبوركينا فاسو. حيث طردت مالي بعد الانقلاب العسكري القوات الفرنسية التي كانت في منطقة الساحل منذ سنوات لمكافحة الإرهاب الذي تقوده جماعات متطرفة موالية لداعش والقاعدة.
أما بازوم، فرحب بالقوات الفرنسية، كما أنه يعتمد على الولايات المتحدة وأوروبا في محاولاته إصلاح اقتصاد بلاده وذلك عبر منح ومساعدات كان آخرها ما أعلنه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في زيارته للنيجر قبل أشهر قليلة كأول وزير خارجية أميركي يزور البلاد.
الانقلابات العسكرية في دول جوار النيجر في منطقة الساحل استبدلت الجهد الفرنسي والغربي بالاستعانة بقوات مجموعة فاغنر الروسية في مكافحة الإرهاب وحماية مناجم الذهب. وهو ما لم يفعله رئيس النيجر. وإذا كانت مالي وبوركينا فاسو وغيرها لديها مناجم ذهب، فإن النيجر ترقد على واحد من أكبر مخزونات اليورانيوم الخام في العالم. وفي ظل الجهود الدولية للتحول في مجال الطاقة نحو مصادر مستدامة نظيفة، يصبح اليورانيوم مستهدفا أساسيا في سياق إنتاج الطاقة بالمفاعلات النووية كما يحدث في دول كثيرة الآن.
تستهدف أغلب هجمات الجماعات الإرهابية في مالي وغيرها من دول الساحل مناجم الذهب، كمصدر سريع وسهل لتمويل نشاطها من تجنيد العناصر والإنفاق على التسليح وغيره من لوجستيات. لكن استهداف مناجم يورانيوم منة قبل جماعات إرهابية كهذه يمكن أن يمثل كارثة عالمية حقيقية.
رغم أن النيجر بلد فقير إلى حد ما، ويشهد أزمات متكررة نتيجة اعتماده الرئيسي على الثروة الزراعية والحيوانية، إلا أن موقعه ما بين الجزائر الغنية بالغاز ونيجيريا الغنية بالنفط يجعل أي اضطراب فيه مصدر قلق عالمي في وقت تشهد سوق الطاقة العالمية هشاشة نتيجة الحرب في أوكرانيا والعقوبات على موسكو. فمنذ حظرت أوروبا استيراد الطاقة من روسيا وأحد مصادر وارداتها البديلة هي دول أفريقيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة والخليج ودول آسيا الوسطى.
وليس من الشطط أبدا التفكير في أن ما يجري في النيجر، وإن كان مرتبطا أكثر بما جرى ويجري في دول الساحل المجاورة لها، ليس ببعيد عما يجري في السودان وقبلها ليبيا. ولعل جذر كل ذلك يتعلق فعلا بتوسع نطاق شاط الإرهاب وجماعاته التي ضربت في آسيا، وآخرها في سوريا، في قارة أفريقيا التي ربما تبدو بعيدة عن اهتمام العالم تقليديا.
لكن القارة يجب ألا تكون بعيدة عن اهتمام الدول العربية الرئيسية، ليس في أفريقيا فحسب بل ودول الخليج والدول العربية في آسيا كلها. ليس فقط من قبيل الاهتمام بمصالح اقتصادية محتملة، وإنما في سياق الحرب على الإرهاب التي لم تنته بإعلان التحالف الدولي القضاء على داعش في العراق وسوريا. وإذا كانت منطقة القرن الأفريقي تبدو استراتيجيا أقرب وأهم لمنطقتنا، وللعالم أيضا بالطبع، فإن منطقة الساحل والصحراء ليست بأقل أهمية. بل إن الاضطرابات فيها لو تركت دون جهد لاستعادة استقرارها قد تكون أكثر خطرا. فكما يقول المثل “درهم وقاية خير من قنطار علاج”، ولا شك أن دعم تلك الدول لمكافحة الإرهاب تقف منابع الجماعات المتطرفة المسلحة التي تحاول تجميع قواها في أفريقيا جنوب الصحراء. ومكافحتها هناك تتطلب التعاون مع دول المنطقة، التي تحتاج أولا لاستقرار أوضاعها. فأي فرصة لتعزيز الجماعات الإرهابية لوضعها ستعود وبالا على العالم بأسره وأوله منطقتنا.