انقلاب شامل في الموقف التركي بشأن سوريا
أنقرة تتخلى عن المعارضة السورية الموالية لها وتختار المصالحة مع الأسد
شن معارضون سوريون موالون لأنقرة هجوماً على رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، ووصفوا تصريحات وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو، بأنها طعنة تركية للمعارضة، وأنها كانت متوقعة من “رئيس منافق” ومستعد لبيع أي قضية من أجل الوصول إلى أهدافه، متسائلين عن شروط المصالحة التي يعرضها أردوغان بين المعارضة وحكومة ترفض تقديم أي تنازلات.
وقد كشفت تصريحات لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الخميس، بشأن المصالحة بين المعارضة الموالية لها والحكومة السورية وضرورة منع انقسام سوريا، عن انقلاب شامل في الموقف التركي وسط حديث عن تسوية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد بعد فشل مساعي أردوغان لإسقاط الأسد خلال عشر سنوات.
وقال جاويش أوغلو إنه أجرى “محادثة قصيرة” مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز الذي عقد في أكتوبر الماضي بالعاصمة الصربية بلغراد.
وشدد وزير الخارجية التركي على “ضرورة تحقيق مصالحة بين المعارضة والحكومة السورية بطريقة ما”، مبينا أنه “لن يكون هناك سلام دائم دون تحقيق ذلك”.
وأضاف “يجب أن تكون هناك إرادة قوية لمنع انقسام سوريا، والإرادة التي يمكنها السيطرة على كل أراضي البلاد لا تقوم إلا من خلال وحدة الصف”.
ويعتبر مراقبون سوريون أن تصريحات أوغلو هي إعلان عن تخلي تركيا عن المعارضة الموالية لها، وتنصّلها من التزامها تجاه الملايين من اللاجئين الذين فروا إليها بحثا عن الأمن، وأنها تخلت عن الملف ككل من أجل تحقيق مصالحة مع الأسد مقابل ضمانات منه ومن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن محاصرة الأكراد.
وكانت صحيفة “التركية”، المعروفة بقربها من الحكومة، كشفت منذ أيام أنه صار بإمكان أردوغان والأسد التحدث عبر الهاتف بعد تهيئة الظروف المناسبة لذلك، كمقدمة تسبق اللقاء المباشر بينهما الذي يبدو أن الظروف الحالية غير مهيأة له.
قرارات مهمة
وذكرت أنه “في محادثات طهران وسوتشي الأخيرة، تمّ اتخاذ قرارات مهمة من شأنها أن تنعكس على الساحة السورية، حيث عرضت تركيا مع روسيا وإيران ونظام الأسد عملية مشتركة ضد حزب العمال الكردستاني في شرق البلاد ومحاولاته الانفصالية”.
وقال المراقبون إن الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها تركيا قادت أردوغان إلى استدارة تامة في الملف السوري مقابل مزايا من بينها أن تتحول تركيا إلى معبر للغاز الروسي نحو أوروبا بدلا من أوكرانيا.
وتوقع هؤلاء المراقبون أن تطلب تركيا من قيادات المعارضة مغادرة أراضيها ووقف كل اجتماعاتها وأنشطتها، ولم يستبعدوا أن يتم تسليم أخطر المطلوبين للنظام خاصة من القيادات العسكرية المنشقة، وهو ما سيخلق أزمة كبرى للمعارضة ويدفعها إلى القبول بمصالحة غير مشروطة مع الأسد خوفا من طردها من الأراضي التركية.
العودة الطوعية
كما ينتظر أن تزيد وتيرة دفع المهاجرين إلى “العودة الطوعية” من تركيا إلى سوريا ضمن خطة تركيا للتخلص من هذا العبء الكبير، الذي بدأ يثير غضب الأتراك على رئيسهم بسبب تورطه في الملف السوري وتحميل المواطنين الأكراد أعباء ذلك من خلال استضافة الملايين من السوريين الذين باتوا ينافسون الأتراك على الوظائف والمواد الغذائية.
وأقامت عدة ولايات تركية الأربعاء مراسم لتوديع لاجئين سوريين قرروا العودة إلى بلادهم طوعا.
ومن شأن الاستدارة التي يقوم بها رئيس النظام التركي تجاه سوريا والبحث عن تسوية مع الأسد أن تقود إلى مراجعة خطته لإقامة منطقة عازلة بعرض ثلاثين كيلومترا في العمق السوري وعلى طول الحدود، خاصة بعد أن فشل في تسويق هذه الخطة لدى الدول المؤثرة في الملف السوري ولاسيما روسيا والولايات المتحدة.
وتعتبر الولايات المتحدة الأكراد في شمال سوريا حليفًا رئيسيّا في الحرب ضد داعش. وتقول إن أي حملة عسكرية تركية في المنطقة ستشكل خطرا على القوات التي تقاتل تنظيم داعش.
رفض روسي للعملية العسكرية التركية
ومن جانبها ترفض روسيا شن عملية واسعة شمال سوريا، وتعتبر أنها ستقود إلى المس من وحدة الأراضي السورية، وتعرض على أنقرة التعاون مع دمشق لمواجهة الإرهاب بدلاً من شن عملية عسكرية غير مضمونة.
ويبدو أن تركيا قد اقتنعت أخيرا بوجوب التراجع عن مغامرة المنطقة العازلة، وأنها قررت التعاون مع روسيا والأسد من أجل التوصل إلى تسوية بمقومات جديدة.
وكشفت منظمات حقوقية، نقلاً عن مصادر أهلية، أن القوات التركية انسحبت من قاعدتين بريف تل أبيض الغربي شمال سوريا، في قريتيْ حرقلي وتانوز.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان ، وهو مراقب حرب حقوقي مقره المملكة المتحدة، أن الجيش التركي نفّذ الانسحاب بالتنسيق مع القوات الروسية في المنطقة.
ومن المرجح أن تحل القوات الروسية وقوات الجيش السوري في تل أبيض محل القوات التركية في اتفاق غير معلن بين موسكو وأنقرة.