تحذير من “مخطط جهنمي” يعدّه النظام التركي للمنطقة
التدخل العسكري التركي في ليبيا يهدد أمن الجزائر ومصر
حذر خبيران في مجال الأمن، من أهداف رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان الخطيرة والخبيثة بالمنطقة، مشددين على أن كل المعطيات تؤكد بأن “هدفه تقسيم ليبيا”، تحركه في ذلك نزعة “الأوهام العثمانية” ونهب الثروات الليبية على رأسها النفط، ما يشكل تهديداً مباشرا وكبيراً للجزائر ومصر والمنطقة.
واعتبر خبيران جزائريان أن وضع بلدهما ومصر أمنهما القومي “خطاً أحمر” أمام أطماع رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان بليبيا، يورطه وميليشياته الإرهابية بين أقوى جيشين بالمنطقة.
واتفق الخبير الأمني أحمد كروش، والخبير في مكافحة الإرهاب علي الزاوي، على أن القاهرة والجزائر تعتبران “الحاضنة الرئيسية والصلبة” لأي اتفاق سياسي سلمي بين الليبيين وحدهم.
وأرجعا ما تقدم لعدة أسباب موضوعية أبرزها أنهما أكبر القوى الإقليمية التي لا تملك أطماعاً اقتصادية أو توسعية في ليبيا، وأكثر المستهدفين من مؤامرة كبيرة تدبر للمنطقة بكاملها.
ومن هذا المنطلق، أكدا أن تحرك الجزائر ومصر لإيجاد حل سلمي لأزمة ليبيا بات مزعجاً لأطراف إقليمية، خصوصاً النظام التركي الذي سعى للتشويش على القوتين الإقليميتين المحيطتين 3بليبيا.
ويأتي ذلك بعد الخطاب القوي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في يونيو/ حزيران الماضي، أمام القوات المسلحة، رسم فيه الخطوط الحمراء للأطماع التركية في ليبيا، وحدد معادلة وخارطة الأمن القومي العربي، دون استبعاد للتدخل العسكري المباشر، لحفظ استقرار الجارتين مصر وليبيا.
كما طرح الرئيس المصري “مبادرة القاهرة” لحل الأزمة الليبية، ارتكزت على مخرجات مؤتمر برلين والتي نتج عنها حل سياسي شامل يتضمن خطوات تنفيذية واضحة (المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية)، واحترام حقوق الإنسان واستثمار ما انبثق عن المؤتمر من توافقات بين زعماء الدول المعنية بالأزمة الليبية.
المبادرة التي لقيت ترحيباً دولياً وعربياً، أكد الرئيس المصري على أنها شاملة ومشتركة لإنهاء الصراع في ليبيا، تهدف لتمثيل عادل لكافة أقاليم ليبيا الثلاث لإدارة الحكم، وتتضمن إلزام كافة الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من ليبيا وتفكيك المليشيات وتسليم أسلحتها، كما دعت لاحترام كافة الجهود الدولية وإعلان وقف إطلاق النار.
رؤية وموقف الجزائر من استمرار الصراع في ليبيا لم يكن بعيداً عن المواقف الصادرة من القاهرة، إذ أعلن البلد الأول اعتزامه “دسترة المهمات الخارجية المحدودة للجيش”، لحماية أمنه القومي من الجماعات الإرهابية الناشطة بالمنطقة أو “من أي تهديدات تستهدف سيادته”.
وجدد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون دعوته الأطراف الليبية إلى وقف القتال والجلوس إلى طاولة المفاوضات، وشدد على رفض بلاده “الحل العسكري للأزمة الليبية”، ووقوفها على مسافة واحدة مع جميع الأطراف.
كما وصف تدخل بلاده في الأزمة الليبية بـ”السليم”، ونفى في المقابل أن يكون لها أي أطماع توسعية أو اقتصادية، وإنما يهدف لـ”حقن الدم الليبي وحماية حدودنا”.
ونوه في السياق إلى أن بلاده عاشت تجربة الاقتتال الداخلي سنوات التسعينيات خلال حربها مع الإرهاب، حاثا على حل أزمة ليبيا بالمفاوضات بين جميع الأطراف.
تلويح الجزائر ومصر بحماية أمنهما القومي عسكرياً بعثرت حسابات أطماع النظام التركي ومرتزقة طرابلس، وأكد أن ليبيا باتت مستنقعاً قاتلا أكثر من أي وقت لأردوغان.
كروش قال إن أردوغان يغرق في المستنقع الليبي ولا يملك أوراقاً للخروج منه بعد أن دخله لتوسعة نفوذه في البحر المتوسط، لافتا إلى أن هدف أردوغان الرئيسي من الدخول على خط الأزمة الليبية يكمن في “تقسيم ليبيا”.
وبخصوص الموقف الصعب الذي تعيشه أنقرة في ليبيا، قال الخبير الأمني إن ذلك يضعها أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن “تستمر في عملياتها وتعزيز مواقعها مع حلفائها، وبالتالي فإنها ستبقى متمركزة في الشمال الغربي الليبي، ما يعني أنها ستمضي باتجاه تقسيم ليبيا”.
فيما يبدو الخيار الثاني “صعبا ومخجلا بالنسبة لأردوغان”، وفق كروش، ويتمثل في “سحب جنوده والعودة من حيث أتى وهو يجر أذيال الهزيمة الواضحة أمام شعبه والعالم”.
واعتبر أن هذا الخيار “يشكل انتحاراً سياسياً لأحلام أردوغان”، لأن خروجه مهزوماً ومذلولاً من ليبيا “سيشكل تبخراً جديداً لأحلام اليقظة التي سطرتها من قبل في سوريا والعراق، ويحاول نقلها الآن إلى شمال أفريقيا”.
وتابع: “ذلك يعني تأثر أردوغان وحزبه في تركيا، وهو ما يحيلنا لتوقع أن يبقي على تواجده متعمداً في ليبيا، وهي الفرضيات والمعطيات التي تؤكد بأنه يمضي لتقسيم ليبيا إلى شرق وغرب تحول إلى مستنقع كبير لأطماعه”.
كروش رأى أيضا أن ما يفعله أردوغان في ليبيا هو “وضع دول المنطقة أمام حالة عدم استقرار أمني دائم، وهي الحالة التي تهدد الجزائر ومصر وتونس والمنطقة”.
وأوضح أن “الجزائر لديها المخاوف والهواجس ذاتها التي عبرت عنها مصر من استمرار الأزمة الليبية”، مؤكدا على اتفاق البلدين على ضرورة أن يكون حل الأزمة الليبية داخليا.
لكن “تكثيف التنسيق بين الجزائر ومصر يظل ضروريا، وقاعدة صلبة وآمنة للحل السياسي في ليبيا، وحماية أمنهما القومي من خطر كبير على حدودهما”، وفق كروش.
فالخطر الأكبر الذي تواجهه القاهرة والجزائر، يقول الخبير الأمني، هو “سماح السراج (زعيم ميليشيات طرابلس) بتواجد قوات أجنبية في ليبيا تفوق قواته عددا وقوة، وقد تتحول مع الوقت إلى القوة صاحبة الأرض، ويكون مصير السراج ومن معه الطرد من ليبيا”.
ودعما لطرحه، قال كروش إن “أردوغان أصبح اليوم يفاوض ويتكلم باسم ليبيا مع إيطاليا والولايات المتحدة وروسيا وبقية المجموعة الدولية، ويسعى لأن يقسم عليهم كعكة ليبيا”.
واستطرد قائلاً: “كل المؤشرات الحالية تؤكد بأن القرار الليبي أصبح خارج إرادة الليبيين وبات رهين أطماع تركيا، والأطراف التابعة لها ما هي إلا مجرد أداة تنفيذ فقط، والتعويل اليوم في أي مفاوضات على المجتمع المدني العميق، على رأسها القبائل والشرعية الشعبية في طبرق”.
من جانبه، أكد الخبير في مكافحة الإرهاب علي الزاوي إأن الغزو التركي لليبيا يمثل “معادلة خطرة غيرت كل الحسابات الأمنية والاستراتيجية في المنطقة”.
وأوضح الزاوي، أن الحل الوحيد للأزمة الليبية هو الانسحاب التركي من الأراضي الليبية والعودة إلى طاولة المفاوضات وتفعيل المصالحة الوطنية، ووضع كافة الترتيبات لإجراء الانتخابات الرئاسية.
وحذر الخبير من أنه “بدون هذا الحل لن تنتهي أزمة ليبيا”، في وقت فاقم فيه إدخال السراج لأنقرة بجنودها ومرتزقتها وإرهابيي داعش من منسوب الرفض الشعبي لحكومة الوفاق، وأكسب في المقابل المشير خليفة حفتر شعبية كبيرة”.
وكشف أن “95 بالمئة من سكان طرابلس مع المشير خليفة حفتر “.
وبالنسبة للخبير، فإن “التنسيق بين الجزائر ومصر يجري على قدم وساق، خصوصاً بعد أن أيدت وساندت الجزائر مبادرة القاهرة»، في جهود ترنو إلى محاولة تطويق أزمة ستكون لها ارتدادات على البدين في حال خروجها عن السيطرة.
الزاوي رأى أيضا أن “المؤامرة التي تحاك ضد البلدين بدأت بمشاكل مفتعلة أدت إلى حصار مصر بالأوضاع في سوريا وليبيا والسودان، والإرهاب في سيناء وأزمة سد النهضة، وكذلك الجزائر التي لها حدود ملتهبة ومحاصرة من جهات مالي والنيجر وليبيا، ما يعني أن تزايد الاضطرابات في ليبيا سيهدد مصر والجزائر”.
وختم الخبير الأمني محذرا من “المخطط الجهنمي” الذي حضرته تركيا للمنطقة، والمتمثل في “الاستعانة بحلف شمال الأطلسي (ناتو) في ليبيا”.
الأوبزرفر العربي