تونس: الغنوشي يمنح “العطايا” للإخونجية من موازنة الدولة
تزايدت المخاوف في تونس من اقتراب البلاد إلى حالة الإفلاس، حيث أكد وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار، علي الكعلي، أن تونس باتت بحاجة ماسة إلى اعتمادات إضافية وقروض مالية لتتمكن من دفع رواتب موظفي القطاع العام ومعاشات المتقاعدين.
وفي خضم هذه الأزمة، وجه رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، مراسلة إلى رئيس الحكومة هشام مشيشي تضمنت طلباً لتوفير الدعم المالي واللوجستي لـ”صندوق الكرامة”، وهو الصندوق المخصص لصرف تعويضات مالية لقتلى وجرحى “الثورة” والمنتسبين لحركة النهضة الإخونجية ممن اعتقلوا على عهد الرئيس السابق، زين العابدين بن علي.
وطلب رئيس حركة النهضة الإخونجية في المراسلة التي وجهها في أبريل الجاري، من رئيس الحكومة، تمكين صندوق الكرامة من مقر ومن جميع الوسائل اللوجستية والبشرية للانطلاق في مهامه المتمثلة أساسا في دفع تعويضات لمن تعتبرهم حركة النهضة “ضحايا الاستبداد في العهد السابق”.
محاولة مشبوهة
ندد عدد من السياسيين وخبراء القانون والاقتصاد في تونس، بما اعتبروه “محاولة مشبوهة” من رئيس حركة النهضة الإخونجية رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، لاستنزاف ميزانية البلاد التي تشهد عجزا كبيرا وحالة ضعف متفاقمة، نتيجة تداعيات فيروس كورونا واستفحال الأزمة السياسية بشكل غير مسبوق.
وكشف النائب في البرلمان، المنجي الرحوي، أن مراسلة الغنوشي لرئيس الحكومة تنطوي على محاولة جديدة لنهب أموال الشعب وسعي محموم نحو استغلال السلطة التشريعية لخدمة مصالح المنتسبين للحركة الإخوانية في تونس.
وقال الرحوي في تصريحات على صفحته الرسمية على فيسبوك: “يعيش شعب تونس بكل شرائحه وخاصة طبقاته المفقرة وأصحاب الدخل البسيط أصعب المراحل في تاريخه المعاصر، ونواجه في هذه الأيام إضافة لسياسة التفقير الممنهجة، خطر وباء كورونا الذي حصد آلاف الأرواح وجوع الطبقات الهشة، فيطالعنا رئيس مجلس النواب بطلب إلى رئيس الحكومة لتمكين صندوق “نهب أموال الشعب” أو ما سمي بصندوق الكرامة.
وتابع قوله “طالب رئيس البرلمان بتوفير مقر ووسائل لوجستية وبشرية وأجور في أقرب وقت ممكن وذلك حتى يتم توزيع مبلغ يناهز 3000 مليون دينار.
وأضاف النائب “حاولت حركة النهضة إحداث هذا الصندوق دون موافقة وزير المالية وتحويل الأمر إلى قانون ونجحنا في كل مرة من إيقاف هذه المناورات منذ سنة 2013، واليوم نحن نحذر رئيس الحكومة من مغبة استفزاز الشعب في مزيد نهبه واستعمال المال العام لمصالح حزبية “.
وكانت صحيفة “الشروق” اليومية قد نشرت تصريحا لنائب البرلمان، مبروك كرشيد، الذي اعتبر أن خطورة مذكرة الغنوشي تكمن في كونها تمت دون استشارة النواب وهو ما يعني أن رئيس البرلمان سعى إلى استغلال منصبه من أجل مصالح حزبه ومريديه.
وبين كرشيد أن “وضعية البلاد تقتضي الاهتمام بمسائل أعمق من صندوق الكرامة على غرار الوضع الصحي المتردي من جراء فيروس كورونا”.
ودعا النائب الحكومة إلى عدم الخضوع للابتزاز مهما كان نوعه مشيرا إلى أن “إنفاق أموال الشعب على قضايا غير ذات أولوية يعتبر نوعا من الفساد”.
عملا استفزازيا للشعب التونسي
وتعاني تونس من أزمة سياسية خانقة أفرزت وضعا اقتصاديا حرجا، حيث تناقش الحكومة ملف الحصول على قروض جديدة سيتم سدادها بالعملة الصعبة وذلك من أجل توفير أجور القطاع العام والوظيفة العمومية.
من جهته، قال المحلل السياسي ماجد البرهومي، إن “المراسلة التي وجهها راشد الغنوشي لرئيس الحكومة من أجل تعويض قواعد حركة النهضة عن فترة حكم بن علي، تعد عملا استفزازيا للشعب التونسي الذي يعاني الأمرين بسبب تدهور مستوى المعيشة نتيجة لسياسات حركة النهضة، الطيف السياسي الوحيد الموجود في الحكم طيلة عشر سنوات والذي لم يغادره خلافا لبقية الأحزاب التي تحالفت معه ثم اندثرت بسبب لعنة هذا التحالف”.
تصحر فكري
وتابع البرهومي “توقيت هذه الرسالة غير مناسب بالمرة بسبب الوضع الاقتصادي المزري للبلاد التي تحاول جمع أكبر قدر ممكن من السيولة لتغطية العجز في الميزانية الذي تسببت فيه تراكمات لعشر سنوات من التصحر الفكري الذي جعل من حكموا البلاد سواء من حركة النهضة أو من حلفائها عاجزين عن إيجاد الحلول الكفيلة بالخروج من عنق الزجاجة”.
ويتساءل البرهومي “كيف يمكن لشيخ الإخوان أن يتجرأ على مثل هذا الطلب والبلد يئن اقتصاديا ويفاوض صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على القروض التي سيذهب نصيب الأسد منها إلى دفع أجور ورواتب العملة والموظفين الذي أغرقت بهم حركة النهضة القطاع العمومي”؟
منطق الغنيمة
ويضيف البرهومي “قام الغنوشي بترضية قواعد حزبه على حساب الدولة، فتصرف كرئيس لحركة النهضة وبمنطق الغنيمة ولم يتصرف بمنطق رئيس البرلمان ورجل الدولة، وبالنسبة إليه حركة النهضة وقواعدها في المقام الأول، وتونس على ما يبدو هي آخر اهتماماته، برأيي كان على الغنوشي أن يمد يده للدولة ويعوض ضحاياه من ماله الخاص..”.
بدوره قال الخبير الاقتصادي، معز الجودي، أن صندوق الكرامة هيكل تم إنشاؤه في ظروف غامضة لصرف تعويضات مالية لمنتسبي وأعضاء حركة النهضة وذلك على حساب أموال الشعب.
واستنكر الجودي مطالبة راشد الغنوشي بدعم حكومي لصندوق الكرامة في وقت ترزح فيه البلاد تحت وطأة المديونية وعجز الميزان التجاري وتراجع الدينار.
وتابع قوله “الوضع الاقتصادي يبدو حرجا والحكومة تواصل سياسة الاقتراض لإنعاش الاقتصاد وليس من الحكمة الآن المطالبة بتعويضات لحركة النهضة باعتبار أن البلاد تحتاج إلى تركيز جهودها على التصدي لانتشار فيروس كورونا وإنقاذ أرواح التونسيين من الوباء القاتل”.