حرب الطائرات المسيّرة
يرى محررون ثلاثة في صحيفة “فايننشل تايمز” البريطانية أنّ المملكة العربية السعودية كانت تعرف أنها مهددة بالتعرض لهجمات بالطائرات المسيَّرة، قبل هجمات السبت الفائت على منشأتيْ النفط التابعتين لأرامكو.
فالحوثيون استخدموا مراراً هذا النوع من الأسلحة، إضافة إلى الترسانة الصاروخية، لقصف مناطق سعودية، من مطارات ومحطات تحلية المياه، ومنشآت خام أخرى خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية.
بحسب مسؤول في الصناعات العسكرية – لم تحدد التايمز جنسيته – دفع التهديدُ عدّة وكالات سعودية، منها مدني وآخر عسكري، مثل أرامكو الحكومية، قوات الدفاع الجوي، أو سلطات الملاحة الجوية والبحرية، إلى مطالبة السلطات بالبحث عن أسلحة دفاع جويّ، أميركية وأوروبية، تناسب التهديد.
يبقى هجوم السبت الفائت على أكبر منشأة للخام في العالم (بقيق) وحقل خريص النفطي غامضاً حتى الساعة. السعوديون يقولون إن الأسلحة إيرانية الصنع، ولكن أحداً لم يجزم حتى الساعة الموقع الجغرافي الذي انطلقت منه الطائرات أو ربما الصواريخ التي استخدمت في العملية.
تبنى الحوثيون الهجوم في اليوم التالي ولكن واشنطن شككت في أن تكون لهم القدرة على ضرب شرق المملكة. وزعم الحوثيون أنهم نفذوا الهجوم مستخدمين عشر مسيّرات، ولكن معلومات استخباراتية أميركية قدّمت إلى الرياض، زعمت أيضاً أن الهجوم تمّ من الأراضي الإيرانية، وطرح احتمال استخدام صواريخ بعيدة المدى (كروز) فيه.
المملكة لم ترَ المعلومات كافية لإدانة إيران بتنفيذ العملية مباشرة، كما ذكر تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”، فيما نفت طهران مسؤوليتها عن العملية بشكل كامل، وقالت إنها، بطريقة أو أخرى، إحدى تداعيات حرب السعودية في اليمن.
بمعزل عن الاحتمالات المطروحة في قراءة هجمات أرامكو، تحولت المسيرات إلى سلاح يريده الجميع، تقريباً، في الشرق الأوسط. وفيما تصاعدت التوترات بين واشنطن وطهران منذ إسقاط مسيّرة أميركية (للتجسس)، كثف الحوثيون استخدام هجماتهم على حدود المملكة الجنوبية، بحسب التايمز.
محررو الصحيفة يصفون المسيّرات بـ”السلاح الرخيص والرشيق”، ويضيفون أنها تمكنت من تخطي منظومات الدفاع الجوي والرادرات السعودية، غالباً، ما يفرض على أكبر مصدِّر عالمي للنفط، وأكبر مشترٍ للسلاح عالمياً، تحديات دفاعية جديدة.
يرى بلال صعب، مدير المسائل الدفاعية والأمنية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن أن ما يحصل اليوم في الخليج العربي ليس إلا صورة عن المستقبل، ويصفه قائلاً “هذه بوادر حرب المسيرات في القرن الحادي والعشرين في منطقة الشرق الأوسط”.
ويضيف صعب المستشار السابق في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، أن الخصم، أي إيران وحلفائها، متفوقون في هذه الحرب، لأن الفريق الأميركي-الخليجي لا يمتلك إجابات فعالة على التهديدات.
وكانت جهات قد وجّهت أصابع الاتهام إلى الحوثيين في أيار/مايو الماضي، بعد هجوم بالمسيرات على حقل شيبة النفطي، فيما تبنى الحوثيون هجمات أخرى استهدفت منشآت نفطية سعودية وأنابيب نفط، دورها حيوي، في عمق المملكة.
في مناطق أخرى من الشرق الأوسط، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه أسقط طائرة مسيّرة إيرانية كانت تطير في المجال الجوي لمنطقة الجليل، في العام الماضي. وقتئذ زعمت إسرائيل أن المسيّرة كانت مفخخة.
وفي شهر آب/أغسطس الماضي، حمّل حزب الله اللبناني، المدعوم من إيران، إسرائيل مسؤولية انفجار مسيّرتين انتحاريتين، في ضاحية بيروت الجنوبية، قلب مراكزه الأمنية والسياسية. ووصف أمين عام الحزب، حسن نصر الله، المسيّرتين وقتئذٍ بـ”الانتحاريتين”.
وفيما قال الحزب إن الهجوم استهدف أحد مراكزه الإعلامية، صدرت تقارير في صحف غربية، لم تؤكدها الأطراف المتنازعة، مفادها أن إسرائيل استهدفت تكنولوجيات حساسة، نقلتها طهران إلى بيروت، لتحسين مدى ودقة صواريخ الحزب.
في معادلة المسيّرات، تشتري الإمارات العربية المتحدة، والسعودية والعراق تلك الطائرات من دول مثل الصين أو الولايات المتحدة، فيما تقوم دول “لاعبة” في الشرق الأوسط بتصنيعها، مثل إيران وتركيا وإسرائيل.
يرى خبراء في الاقتصاد والأمن، مثل الباحث اللندني جاك واتلينع، أن الاقتصادات التي تقوم على النفط والغاز معرّضة أكثر من غيرها للتهديد في حرب المسيّرات. فالمنشآت النفطية السعودية “محمية بطريقة سيئة” بحسب ما يقول واتليغ للتايمز.
أساساً، يضيف واتليغ، التقنيات العسكرية الدفاعية المتوفرة في الأسواق حالياً ليست متماثلة أبداً مع تهديد المسيرات. مثالاً على ذلك، استخدمت إسرائيل القبة الحديدية المزوّدة بصواريخ باترويت الأميركية، وتبلغ تكلفة مسيرة بأربعة مروحيات (مسيّرة صغيرة) من 3 إلى 4 ملايين دولارات، فيما لا تتخطى كلفة المسيّرة نفسها عتبة الألف دولار.
ويشير واتلينغ إلى أن تصنيع المسيّرات ليس مكلفاً في الواقع، وأحياناً تدخلها مواد جديدة إلى حد ما على قطاع صناعة الطائرات، مثل البلاستيك المقوى، كما أنها أجهزتها الإلكترونية ليست بالغة التعقيد.
في المقابل تبدو المنظومات الدفاعية الجوية المضادة لها مكلفة جداً، إذ تتطلب نظام تعقب عبر الأقمار الصناعية، وأيضاً رادارات متطورة، وكاميرات مراقبة، وبرامج للكشف عن مساراتها، وأخيراً صواريخ خاصة لإسقاطها.
بقول أبسط، الأمر يشبه محاولة إسقاط ذبابة طائرة عبر استخدام المدفع.
يعترف الجيش الأميركي أنه بعد اجتياح العراق في عام 2003 والقضاء على نظام الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، واجه معضلة عسكرية لم يجد لها حلاً واضحاً، تمثّلت بالعبوات الناسفة التي كانت تزرع في الطرق، وأحياناً في سيارات مركونة في الشوارع، أو تعلّق خلف أبواب البيوت التي قد يداهمها “المارينز”.
يقارن صعب بين المسيّرات والعبوات الناسفة ويعترف بأنه “لا حلَّ تكنولوجياً كاملاً لها”، ويكرر قوله إنه ما يحدث اليوم ليست إلا البداية، فالأعظم آت: “بدأت الميليشيات تتعلم كيفية استخدام المسيّرات وإدراك الضرر الذي يمكن أن تلحقه بالخصم”.
قبل أن يختتم بالقول “توقعوا المزيد من هذه الهجمات”.