حكومة مغربيّة جديدة… أرقام بدل الشعارات
خيرالله خير الله
يكشف تشكيل حكومة مغربيّة جديدة مدى حرص العاهل المغربي الملك محمّد السادس على دوام ديناميكية التجربة التي تمر بها المملكة وقدرتها على التفاعل مع متطلبات التطور التي يشهده العالم والمنطقة بما يستجيب لمتطلبات الشعب المغربي وطموحاته بمستقبل أفضل. إنّها، بكلّ بساطة، حكومة ذات مهمات واضحة لم تفرضها تطلعات الملك محمّد السادس وتوجيهاته فحسب، بل فرضتها أيضا الظروف التي يمرّ بها المغرب، خصوصا بعد جائحة كوفيد – 19 وما خلفته من أضرار أصابت الناس عموما والاقتصاد بقطاعاته المختلفة أيضا.
توفّر الحكومة الجديدة برئاسة عزيز أخنوش قاعدة صلبة من أجل انتقال المغرب إلى مرحلة جديدة تقوم أوّل ما تقوم على اعتماد أسس علميّة من أجل مجاراة التقدّم الحاصل في العالم المتطور من جهة وتحسين وضع المجتمع المغربي عن طريق تقليص الفوارق داخله من جهة أخرى.
مرّة أخرى، يظهر العاهل المغربي عبر حكومة عزيز أخنوش التي تضمّ سبع نساء من أصل 24 وزيرا، هاجسه الدائم الذي يركّز على هموم كلّ مواطن من مواطنيه. هناك رؤية واضحة لدى الملك محمّد السادس يساعده الشعب المغربي في تحويلها إلى واقع ملموس. وهذا ما حصل فعلا في ضوء الانتخابات الأخيرة التي أجريت في أيلول – سبتمبر الماضي. فاجأت نتائج الانتخابات كثيرين بعدما كشف المجتمع المغربي أنّه مجتمع واع يرفض الشعارات الجامدة التي حاول الإسلام السياسي جعله أسيرا لها. أظهر هذا المجتمع توقا إلى التغيير عن طريق الأفعال وليس مجرّد الكلام…
تبيّن إلى أيّ حد يؤمن الشعب المغربي بتلك الرغبة في التقدّم عندما اقترع في الانتخابات النيابيّة الأخيرة لمصلحة التخلّص من وصاية حزب العدالة والتنمية الذي بقي على رأس الحكومة طوال عشر سنوات. اقترع المغاربة من أجل تغيير نوعي.
من هذا المنطلق، جاءت الحكومة الجديدة كي تهتمّ بكل ما يريده المواطن العادي، أي بالتعليم ومستواه والصحّة والضمان الاجتماعي وتوفير فرص عمل والانتقال إلى كلّ ما هو أفضل وعصري اقتصاديا واجتماعيا. يترافق ذلك مع اهتمام خاص بالثورة التكنولوجيّة الجديدة التي يمرّ فيها العالم، بما في ذلك تلك الثورة التي تحصل على صعيد الذكاء الاصطناعي. هناك وزيرة في الحكومة الجديدة اسمها غيثة مزور هي الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلّفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة.
لم يترك شيء للصدفة في الحكومة الجديدة. وزير التربية والتعليم الأوّلي (الابتدائي) شكيب بنموسى هو أيضا وزير الرياضة التي بات مطلوبا أن تكون ممارستها منتشرة بين كلّ فئات المجتمع من أجل توفير نوع من الحماية الصحّية والذهنيّة له، بكلّ فئاته. وزير التعليم العالي عبداللطيف ميراوي هو أيضا وزير البحث العلمي والابتكار.
لا يستطيع أيّ شخص يمتلك حدّا أدنى من الوعي والموضوعيّة سوى التحقق من التغيير نحو الأفضل الحاصل في المملكة. يكفي أن يزور المرء المغرب كي يشاهد بنفسه إيجابيات تتبلور على الأرض، بما في ذلك مكافحة ظاهرة الفقر وسدّ الفجوة بين الطبقات الاجتماعيّة المختلفة عن طريق التنميّة المستدامة.
لا بدّ من الإشارة هنا إلى أن شكيب بنموسى، وزير التربية الجديد، ترأّس لجنة ملكية أعلنت في أيّار – مايو الماضي عن “نموذج تنموي جديد” يعول عليه خصوصا لتقليص الفوارق الاجتماعية الحادة ومضاعفة معدل النمو مرات عدّة في أفق العام 2035.
من هذا المنطلق، أكّد الرئيس الجديد للحكومة المغربية أن حكومته التي عينها العاهل المغربي تزخر بكفاءات ستعمل على الاستجابة لتطلعات المغاربة وتوقعاتهم. لاحظ أن الحكومة تأتي بعد استحقاقات انتخابية أظهرت نتائج واضحة وسجلت نسبة مشاركة عالية، مما يجعل منها “البديل الذي أراده المواطنون”. من الواضح أن لديها من الدعم لتوفير هذا البديل.
تستمد هذه الحكومة قوتها، وفقا لأخنوش، من تحالف ثلاثة أحزاب سياسية تمتلك أكثرية مهمة ومريحة سواء على المستوى الوطني أو على مستوى الأقاليم والجهات المحليّة. اعتبر أن من شأن هذا الانسجام توفير ظروف أفضل لتطبيق البرنامج الحكومي الذي ينسجم مع برنامج النموذج التنموي الجديد. هذا البرنامج الذي يفتخر به المغرب والذي وضع بتوجيهات من الملك محمّد السادس.
لا بدّ من التذكير بأنّ أخنوش، الذي أصبح رئيسا للوزراء بعدما كلّفه الملك محمّد السادس بذلك، شكّل حكومة ائتلافيّة. حل حزبه الليبرالي التجمع الوطني للأحرار في المركز الأول في الانتخابات. ضمّت الحكومة الائتلافية أيضا حزبي الأصالة والمعاصرة الليبرالي والاستقلال المحافظ. وتحظى الأحزاب الثلاثة بأكثريّة مريحة في البرلمان تصل إلى 270 مقعدا، في حين يحتاج تمرير التشريعات إلى 198 مقعدا فقط.
أبقت التشكيلة الجديدة على وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت ووزير الخارجية ناصر بوريطة. وستكون نادية العلوي وزيرة المال الجديدة وهي شغلت منصب وزيرة السياحة في الحكومة السابقة. ونادية العلوي واحدة من سبع نساء في الحكومة بينهن رئيسة بلدية مراكش فاطمة الزهراء المنصوري.
وتولى عبداللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة منصب وزير العدل، في حين تولى الأمين العام لحزب الاستقلال نزار بركة حقيبة التجهيز والماء.
توفّر الحكومة الجديدة قاعدة قويّة لمواجهة التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد – 19 التي سببت العام 2020 ركودا غير مسبوق منذ 24 عاما بمعدل سبعة في المئة حسب أرقام رسمية، مع توقعات باستئناف النمو هذا العام بمعدل 4.6 في المئة. ينتظر منها أيضا تجاوز هذه التداعيات من خلال مشروع طموح للإنعاش الاقتصادي، كان أعلن عنه الملك محمد السادس صيف 2020 بقرابة 12 مليار دولار. يضاف إلى ذلك مواصلة مشروع آخر أعلن عنه العاهل المغربي سابقا يهدف إلى تعميم التغطية الطبية على مدى خمسة أعوام. يستفيد من هذه التغطية نحو 22 مليونا من سكان المملكة البالغ عددهم قرابة 36 مليون نسمة.
تتعاطى الحكومة المغربيّة الجديدة مع الأرقام وليس مع الشعارات. تبحث في كيفية أن يكون المغرب جزءا لا يتجزّأ من الثورة التكنولوجيّة الجديدة التي يشهدها العالم والذي يعبّر الذكاء الاصطناعي أفضل تعبير عنها.
يأتي تشكيل الحكومة خطوة أخرى في اتجاه التغيير نحو مستقبل واعد. تظهر حكومة عزيز أخنوش أن القافلة المغربيّة تتقدّم من دون ضجيج كبير ومن دون الالتفات إلى أولئك الذين يبحثون، من جيران المغرب ومن غير الجيران، عن أيّ سبب كان لوضع العصي في طريق تقدّم هذه القافلة..