خسر أردوغان وفاز الأمير محمد بن سلمان
ذو الفقار دوغان
في البيان المشترك الذي صدر بعد زيارة ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان، لأنقرة للقاء الرئيس رجب طيب أردوغان، تمّ الإعلان عن آفاق تعاون كثيرة في مجال “الذكاء الاصطناعي” والائتمان والتمويل والاستثمار، والتأكيد على أنّ “حقبة جديدة قد بدأت”.
ومع ذلك، قبل الزيارة، هبت الرياح بشكل خاص في وسائل الإعلام الحكومية، حيث أعلن الأمير سلمان أنه سيتم تمويل ما لا يقل عن 30-40 مليار دولار في الاستثمارات من الصناديق السعودية، وأنه سيتم عقد اتفاقية مبادلة بين البنوك المركزية في المرحلة الأولى بالليرة التركية والريال السعودي بما يُعادل 10 مليارات دولار.
وجاء في البيان المشترك، الذي أعلن بتوقيع وزيري خارجية البلدين، أن العلاقات الثنائية تمت مناقشتها من جميع الجوانب. ولوحظ أنه “تم التأكيد بشدة” على التصميم على “بدء عهد جديد من التعاون” بين البلدين، بما في ذلك العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية والأمنية والثقافية.
علاوة على ذلك؛ “بصفتهم أعضاء في مجموعة العشرين، يُقر الطرفان بالإمكانيات الاقتصادية الكبيرة للبلدين ورؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030 للاستثمار والتجارة والسياحة والتنمية والصناعة والتعدين ومشاريع البناء والنقل والبنية التحتية (بما في ذلك المقاولات) والزراعة والغذاء والأمن والصحة، وأكدوا على الفرص المتاحة في مجالات الاتصالات وتقنية المعلومات والإعلام والرياضة.
بسبب زيارة الأمير سلمان، كانت حركة المرور في العاصمة أنقرة شبه مشلولة. بينما شرعت وحدات سلاح الفرسان التابعة لفوج الحرس الرئاسي في حضور المراسم بالسير ببطء عبر أكثر شوارع المدينة ازدحامًا، وتشكل طابور من المركبات خلفها لمسافة كيلومترات. ورحب أردوغان بالأمير بمدفع 21 طلقة، وودع الأمير سلمان على سلم طائرته أثناء مغادرته تركيا.
حقيقة أن أردوغان، الذي انتقده زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو بعبارة “لقد جعلت تركيا متسولاً عند باب دولة أجنبية”، أعلن عن مسار المحادثات بالبيان المشترك لوزيري الخارجية، بدلاً من تصدر المشهد. ويُستشف من الكاميرات بعد اجتماع أردوغان مع الأمير سلمان أكثر من ساعتين وجها لوجه، يمكن اعتباره تعبيرًا عن عدم الرضا الضمني والإحراج.
على الرغم من أن وسائل الإعلام الحكومية حاولت جعل الزيارة تلمع على أنها “ناجحة للغاية”، فإن العناصر التي تمّ التعبير عنها على أنها “اتفاقيات مهمة” كانت تتعلق بأن المملكة العربية السعودية سترفع الحظر المقنع منذ فترة طويلة على منتجات التصدير التركية، إذ ربما يتم التوصل إلى اتفاق.
حتى في المفاوضات مع الإمارات العربية المتحدة، التي بدأت عملية “التطبيع” معها بعد فترة طويلة من التوتر، وعلى الرغم من عدم وجود تطورات حتى الآن، فقد تمّ الإعلان عن تخصيص 10 مليارات دولار من صندوق أبوظبي للتنمية للاستثمار في تركيا. وبالمثل، ظل الوعد الاستثماري لقطر بقيمة 15 مليار دولار على الهامش لسنوات.
ومع ذلك، على الرغم من المحادثات “المثمرة للغاية” مع الأمير سلمان، لا يوجد شيء يشبه الإمارات وقطر باستثناء الوعود والتمنيات. على الرغم من أن أردوغان اصطحب معه مجلس الوزراء بالكامل تقريبًا خلال زيارته للرياض في أبريل، فقد عاد خالي الوفاض دون توقيع اتفاق واحد.
وقال السعوديون، الذين أدلىوا بتصريحات لوسائل الإعلام الحكومية السعودية والوكالات الدولية، حينها، إن “أردوغان لم تتم دعوته لكنه أراد الحضور”.
في الواقع، وقع رئيس الوزراء الباكستاني الجديد شهباز شريف، الذي كان في الرياض في نفس يوم أردوغان، اتفاقية دعم مالي بقيمة 8 مليارات دولار. بصرف النظر عن البيانات الرسمية، جاء التطور الإيجابي الوحيد من رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية نيل أولباك، الذي أوضح أنه في الاجتماعات التي عقدت مع رجال الأعمال السعوديين المرافقين للأمير، تم بحث زيادة حجم التجارة الثنائية إلى 10 مليارات دولار بنهاية عام 2023.
كما صرح نائب محافظ البنك المركزي السابق فاتح اوزتاي أن توقع دعم الأمير سلمان بـ 40 مليار دولار غير واقعي، وأن الناتج المحلي الإجمالي للسعودية يبلغ 825 مليار دولار وهذا المبلغ يمثل 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وأعرب أوزاتاي عن إمكانية بيع بعض الذهب الموجود في احتياطيات البنك المركزي للسعوديين بشرط إعادة شرائها في المستقبل، ويمكن أن تأتي من هناك 20-25 مليار دولار، وأكد أوزاتاي أن هذه الأموال ستستمر فعاليتها لمدة 3-4 أشهر فقط، في الغالب.
ردّاً على صور الأمير سلمان المبتسمة باستمرار، انعكست تعبيرات وجه أردوغان المدروسة وغير السعيدة تقريباً في الصور المنشورة بخصوص الزيارة. في الصور التي نشرتها وسائل الإعلام السعودية، تسببت الإطارات التي يُزعم أنها اختيرت خصيصًا لأردوغان في انتقادات وردود فعل في تركيا أيضًا.
في حين تمّ التعرف على مرتكبي جريمة القتل بحق الصحافي جمال خاشقجي وإخضاعهم للعقوبات بالأدلة التي قدّمتها تركيا، فإن تعليق أردوغان للإجراءات في بلاده وتسليم ملف القضية إلى السعوديين للتطبيع والدعم المالي يمكن تفسيره على أنه انتصار للأمير سلمان.
وبينما ظهر دور المملكة العربية السعودية في أسواق الطاقة العالمية في مقدمة الصورة مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية، كان على الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن يعلن عن زيارته لإسرائيل والسعودية في منتصف شهر يوليو، ومع ذلك أكد أنه لن يلتقي الأمير محمد بن سلمان بسبب ردود الفعل في الولايات المتحدة.
واستمرارًا لزياراته إلى مصر ثم الأردن، ومن ثم إلى اليونان والإدارة القبرصية اليونانية لجنوب قبرص بعد التوقف في تركيا، أعلن الأمير سلمان للولايات المتحدة والعالم أن موقعه في المنطقة تعزز بعد أن أغلقت تركيا قضية خاشقجي.
ورغم أن التصريحات التي نشرت بعد زيارة الأمير إلى مصر والأردن تكاد تكون مماثلة للبيان المشترك مع تركيا، فإن الاختلاف الوحيد هو الاتفاقات النقدية الملموسة. كما وعد الأمير سلمان، الذي وقع على تمويل استثمار بقيمة 7.8 مليار دولار مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، مصر بـ 30 مليار دولار من الأموال السعودية.
كما وأعلن في لقاء بين الملك عبدالله الثاني والأمير سلمان أنه تم التوصل إلى اتفاق لتمويل العديد من الاستثمارات من صندوق الاستثمار السعودي الأردني.
جاء البيان المشترك في مصر من مكتب رئاسة السيسي، وصدر البيان الرسمي في الأردن من “الديوان الملكي الأردني”.
إن حقيقة أن الإعلان المشترك في تركيا لم يصدر عن الرئاسة بل من وزراء الخارجية هو أيضًا مؤشر مهم من حيث التوجهات الدبلوماسية ومستواها وأهميتها.
قبل زيارة بايدن إلى الرياض، أتيحت للأمير سلمان الفرصة ليُظهر للعالم أنه زعيم مهم ومقبول ومؤثر وقوي في المنطقة، وأن مزاعم تركيا وأردوغان بشأن قضية القتل قد سقطت عن جدول الأعمال وأن القضية قد انتهت.
على الرغم من التنازلات التي قدّمها، لم يستطع أردوغان الحصول على ما كان يأمل فيه وأصيب مرة أخرى بخيبة أمل.