خطة “الفقاعات السكانية” الإسرائيلية وحتمية الفشل
حسن لافي
تعدّ خطة الفقاعات إحدى المحاولات الإسرائيلية للإجابة عن سؤال اليوم التالي للحرب، ولكن من الواضح جداً أن أسباب فشلها متنوعة، منها ما هو ذاتي مرتبط بالإسرائيلي نفسه، ومنها ما له علاقة بالفلسطيني.
قدّم وزير الحرب يؤاف غالانت مدعوماً من “الجيش” مشروعاً لإدارة قطاع غزة أطلق عليه “الفقاعات الإنسانية”. وبحسب هيئة البث الرسمية الإسرائيلية “كان”، يدور الحديث حول عدة أحياء في شمال غزة سيتم إمدادها بالمساعدات الإنسانية، وستتعامل “إسرائيل” خلال ذلك مع “قادة محليين” من هذه الأحياء نفسها.
وقد جاء في صحيفة وول ستريت جورنال بحسب مصادر إسرائيلية: “في نهاية المطاف، سيتولى تحالف من الولايات المتحدة ودول عربية إدارة العملية، فيما سيواصل الجيش الإسرائيلي محاربة حماس خارج الفقاعات، وسيعمل على إنشاء المزيد منها بمرور الوقت”.
الخطة المطروحة مبنية على:
أولاً، فصل تلك المناطق “الفقاعات” بالكامل عن بقية مناطق غزة، والعمل على تحييد أفراد المقاومة بداخلها من قبل قوات الاحتلال.
ثانياً، إنشاء بنى تحتية أساسية في تلك المناطق من كهرباء ومياه وغيرهما.
ثالثاً، تشكيل لجان إدارة محلية فلسطينية من سكان تلك المناطق لإدارة الحياة العامة، والأمن يكون بيد الإسرائيلي الذي سيشكل حماية خارجية من عودة حماس أو مهاجمتها اللجان الإدارية.
رابعاً، تقسيم غزة تقريباً إلى 24 “فقاعة” جغرافية. وفي حال نجاح المشروع في المناطق الأولى، سيتم تمددها باتجاه مناطق أخرى، ولكن اتجاه التمدد سيكون من أقصى الشمال في غزة إلى الجنوب تدريجياً.
وبذلك، تصبح محافظتا رفح وخان يونس في الجنوب آخر المعاقل الأخيرة للمقاومة. وعندها، يمكن طرح فكرة الرحيل الطوعي لهم أو استمرار الحرب عليهم.
تعدّ خطة الفقاعات إحدى المحاولات الإسرائيلية للإجابة عن سؤال اليوم التالي للحرب، ولكن من الواضح جداً أن أسباب فشلها متنوعة ومتعددة المستويات، فمنها ما هو ذاتي مرتبط بالإسرائيلي نفسه، ومنها ما له علاقة بالفلسطيني، ومنه ما له علاقة بالإرادة الدولية ومصالح الإقليم.
إسرائيلياً
أولاً، يعتمد نجاح الخطة على بقاء “الجيش” الإسرائيلي في غزة لفترة زمنية طويلة لا تقل عن ثلاث سنوات في غزة بشكل مباشر على أقل تقدير، بمعنى أن قطاع غزة سيظل تحت السيطرة العسكرية المباشرة للاحتلال، الأمر الذي يتناقض مع عدم رغبة الجيش الإسرائيلي وقدرته على البقاء في مستنقع حكم غزة، بما لذلك من تبعات كبيرة عسكرية ومالية وسياسية على “إسرائيل”.
ثانياً، “الجيش” الإسرائيلي بات مقتنعاً بأن هناك جبهات أكثر خطورة على أمنه القومي من جبهة غزة، وفي مقدمتها الجبهة الشمالية مع حزب الله والمشروع النووي الإيراني، الأمر الذي يتطلب توفير أكبر عدد ممكن من جنوده ونقلهم إلى الشمال، في ظل أزمة القوى البشرية داخل الجيش الإسرائيلي، إضافةً إلى تسخير كل المقدرات اللازمة لمواجهة تلك الجبهات. هذا الأمر يتطلّب تخفيف وجوده في غزة إلى الحد الأدنى، وهي فرقة عسكرية واحدة تعزّز بلواء أو اثنين على أقصى تقدير.
ثالثاً، بقاء “الجيش” الإسرائيلي لتنفيذ تلك الخطة سيتحول من شبه المؤكد إلى حرب استنزاف مستمرة له في غزة، وبالتالي يصبح “الجيش” الإسرائيلي في غزة في صراع دائم على طريقة انتفاضة الأقصى عام 2000-2005 من دون أن يكون هناك هدف حقيقي مضمون نجاحه سياسياً.
رابعاً، “الجيش” الإسرائيلي لن يسمح بمنح التيار الاستيطاني الديني المتطرف في داخل الحكومة جائزة سياسية على حسابه، من خلال تمهيد الطريق له لتنفيذ طروحاته المتطرفة المتمثلة في إعادة الاستيطان في غزة وعودة احتلالها وحكمها العسكري مرة أخرى.
فلسطينياً
أولاً، لا توافق جهة فلسطينية عائلية أو سياسية على التعاون مع الاحتلال لتنفيذ تلك الخطة.
ثانياً، التركيبة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية لطبيعة مجتمع غزة لا تسمح بنجاح تلك الخطة، لكونه مجتمعاً مدنياً متطوراً خرج منذ فترة زمنية طويلة عن الأطوار الاجتماعية التقليدية البسيطة (العائلة والحمولة والجهوية).
ثالثاً، ما زالت الفصائل الفلسطينية، بما فيها فصائل المقاومة وحتى فصائل م.ت.ف حاضرة ولها شعبيتها، وترفض هذه الطروحات الإسرائيلية، بل لديها طروحات وطنية منافسة لتلك الطروحات الإسرائيلية.
رابعاً، الحرب وما واكبها من دماء وتضحيات جعلت الناس في غزة يخافون من ربط اسمهم مع أي مشروع له علاقة بالاحتلال، فتهمة العميل تعتبر الأخطر في المجتمع الفلسطيني، وخصوصاً أنَّ خطة اليوم التالي الإسرائيلي باتت جزءاً من الأهداف الحربية الإسرائيلية للحرب، وعنوان نصر للاحتلال وجيشه.
دولياً وإقليمياً
أولاً، ما زال المجتمع الدولي مقتنعاً بأنَّ حل الدولتين هو الحل الأنسب للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وخطة غالانت تعتبر تدميراً شاملاً لهذا الحل، واستمراراً للمخططات الإسرائيلية الإحلالية للقضية الفلسطينية.
ثانياً، المجتمع الدولي زادت قناعته بعد معركة طوفان الأقصى بأنه لا يمكن القفز عن القضية الفلسطينية بالمطلق، وأي جهة تريد الاستقرار في المنطقة، لا بد من أن تمر عبر البوابة الفلسطينية. لذلك، خطة غالانت في نظر العالم عبارة عن استدعاء لاستمرار النزاع والصراع، وليس حله، وخصوصاً أن الجهة الفلسطينية المعترف بها من قبل المجتمع الدولي ليست حاضرة بالمشهد بالمطلق، بل هناك مخاوف حقيقية لتطبيق ما يحدث في غزة داخل الضفة الغربية، كما يهدد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سيموتريتش، كما فضحته التسجيلات التي تحدث فيها عن خططه لتدمير السلطة الفلسطينية وضمّ الضفة الغربية وتهويدها.
ثالثاً، موضوع الإعمار وانعكاسه على الأمن الإقليمي يتطلب حكومة فلسطينية قادرة وقوية لتنفيذ الإعمار المرتبط بإعادة تأهيل مليون ونصف مليون مواطن في غزة ومنع “إسرائيل” من تهجيرهم قسراً أو طوعاً، وتحويلهم إلى أزمة جديدة للإقليم. لذلك، الإقليم والمجتمع الدولي لا يمكن له دفع مليارات الدولارات لمشاريع مشكوك فيها، مثل الفقاعات السكانية الوهمية، إلا إذا كان العالم والإقليم يشتغل خادماً لدى رئيس الوزراء نتنياهو وحكومته المتطرفة.