“خطة سيناء”: من “مونوريو” إلى “ميسجاف”
كانت ولا تزال شبه جزيرة سيناء المصرية هدفا استراتيجيا ووطنا بديلا لكل المخططات الغربية والإسرائيلية التي تسعى لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، بدء من “خطة سيناء” التي اقترحتها على الحكومة البريطانية إليزابيث مونوريو، رئيسة قسم الشرق الأوسط في مؤسسة الإيكونومسيت في ديسمبر عام 1956، بهدف توطين مئات الآلاف من الفلسطينيين في “قطاع سيناء”.
بما يحقق هدف ” إزالة الخطر اليومي المتمثل في انفجار الوضع في فلسطين”، وانتهاء بالمشروع الإسرائيلي الذي كشف فيه معهد “ميسجاف” الإسرائيلي لبحوث الأمن القومي وللاستراتيجية الصهيونية عن تفاصيل دقيقة للخطة الإسرائيلية المرتقبة لتهجير كافة سكان قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء في مصر، وما بين المحطتين كانت هناك عدة محطات بارزة شملت مشروعات متنوعة تحقق نفس الهدف وإن اختلفت بعض التفاصيل، ومن بين هذه المشروعات التي كشفتها وثائق الخارجية البريطانية المفرج عنها مؤخرا، كان ما طرحه رجل أعمال بريطاني يدعى “بي إس ليتي” على حكومة بلاده عام1968 لمشروع جديد يستهدف إنشاء منطقة سماها “يونو آربيا” ناصحا بأنه “ينبغي أن تقدم الدبلوماسية البريطانية أكبر مساهمة في التوصل إلى حل” للصراع في الشرق الأوسط”.
يتلخص مشروع “ليتي”، الذي كان طياراً في سلاح الجو البريطاني في إنشاء منطقة تتألف من أراض من إسرائيل ومصر والأردن كحل بعيد المدى دون أن يعني ذلك تسوية دائمة بين الدول الثلاث، وتشكل المنطقة قطاعا لا يزيد قطره عن 8.5 كيلومترات، ويكون قطاع غزة بمينائه مدخلا له، ويشمل أجزاء من مدينة العقبة الأردنية ومدينة إيلات الإسرائيلية، وذلك تحقيقا لهدفين رئيسيين أولهما إنشاء دولة عازلة على طول الحدود المضطربة، وثانيهما توطين 600 ألف لاجئ فلسطيني في هذه المنطقة المقترحة عبر إقناع اللاجئين بالتوطين في هذه المنطقة من خلال حملة دعائية لإقناعهم بأن مستقبلهم سيكون أفضل وأكثر رخاء من العودة إلى منازلهم القديمة سواء في قطاع غزة أو غيره.
أما عن كيفية إنشاء المنطقة فاقترح المشروع أن تشتري الأمم المتحدة الأراضي المستهدفة لهذه المنطقة من إسرائيل ومصر والأردن بنظام حق الانتفاع، على أن تتولى محكمة العدل الدولية تقدير سعر الأرض وتوزيع الثمن على الدول الثلاث بالتساوي. ويمد خط سكة حديدة من ميناء غزة إلى العاصمة الأردنية، عمان. وبذلك تكون الأردن مستفيدة بحصولها على منفذ على البحر المتوسط، لتستغني عن ميناء حيفا في إسرائيل، أما امتداد خط السكة الحديد إلى العقبة، فسوف يمنح إسرائيل منفذا إلى البحر الأحمر، مرورا بمنطقة الأمم المتحدة الجديدة.
أما عن كيفية إدارة هذه المنطقة “يونو أربيا”، فاقترحت الخطة أن تقوم الأمم المتحدة بتشكيل هيئة حاكمة تكون بمثابة مجلس وزراء يتألف من ثمانية أشخاص، أربعة إسرائيليين وأربعة عرب (مصريان وأردنيان)، على أن تُقسم المنطقة إلى ثلاث مقاطعات يحكم كل منها نائب عن الهيئة الحاكمة، واحد من مصر، وثان من إسرائيل، وثالث من الأردن. على أن تعين الأمم المتحدة حاكما عاما يكون هو المدير المباشر للنواب الثلاثة، واقترح صاحب المشروع أن يكون هذا المدير باكستانيا أو هنديا، ويكون بمثابة رئيس الدولة، ويكون مقر إدارته في غزة.
وكما أولت المشروعات والخطط السابقة التي تعرضنا إليها اهتماما خاصا بقناة السويس، كذلك فعل مشروع “يونو أربيا”، الذي اقترح.
وضعها تحت سيطرة مجلس الوزراء الذي ستشكله الأمم المتحدة، غير أن المجلس سيفوض مهام الإدارة اليومية وتشغيل القناة للحكومة المصرية، وفق عقد يلزم مصر بفتح الممر المائي لسفن كل الدول، وصيانة الممر وفق معايير يضعها مفتشون تابعون للمجلس. وفيما يتعلق بعوائد القناة، فإنها ستدفع إلى المجلس، على أن تحصل مصر على مبلغ مقابل أعمال الصيانة، إضافة إلى نسبة من رسوم مرور السفن. وكشف “ليتي” عن أنه ناقش المشروع مع “مسؤولين أردنيين ومصريين وإسرائيليين”، وفهم منهم “أن المشروع يستحق الدراسة من جانبهم”.
ورأى الطيار البريطاني السابق أن هذا المشروع قد يكون مفيدا لدول عربية أخرى إذا ما تم تطويره لاحقا، عبر مقترح المشروع عن أمله في أن يمتد خط غزة- عمان الحديدي عبر الصحراء إلى مدينة الرطبة في محافظة الأنبار غربي العراق، ويمتد منها إلى الرمادي ثم إلى بغداد ثم إلى حقول النفط في كركوك. وهذا الامتداد، سوف يعطي العراق منفذا لتصدير النفط عبر البحر المتوسط، ويخفض بقدر كبير رحلة التصدير الحالية التي تمتد إلى البصرة ثم إلى الخليج ثم قناة السويس.
حظي المشروع بتأييد جمعية الأمم المتحدة في بريطانيا، وهي منظمة مستقلة تهدف إلى تعزيز دور المملكة المتحدة في الأمم المتحدة، ونصحت الجمعية في رسالة رسمية إلى وزارة الخارجية البريطانية بأن “يدرس هذا المشروع بجدية في الوزارة”، معبرة عن اعتقادها بأن المشروع “يتضمن مقترحات تستهدف تسهيل التوصل إلى تسوية في الشرق الأوسط”.
وبعد عرض المشروع على الإدارات المختصة في وزارة الخارجية، تواصلت الوزارة رسميا مع “ليتي”، مبلغة إياه أن هناك “صعوبات عملية تعترض تنفيذ المشروع المقترح”، وإنه “يمكن وضع مشروع إنشاء قطاع تديره الأمم المتحدة موضع التنفيذ فقط لو كان لدى مصر أو إسرائيل أو كليهما استعداد للتخلي عن السيادة عن المنطقة موضع الاهتمام، أو إمكانية إجبارهما على ذلك من جانب الأمم المتحدة”، لكن الدولتين “حساستان بشأن مسألة السيادة”.
وأشار رد الخارجية البريطانية إلى أن المشروع “يتطلب بالضرورة درجة من التعاون بين العرب والإسرائيليين، وهو أمر ليس من الواقعية توقعه في ظل الظروف الحالية”، مؤكدة أنه “لو أمكن بالفعل الحصول على هذا التعاون، فإنه لن تكون هناك حاجة أصلا إلى إنشاء قطاع تديره الأمم المتحدة”