خيبة أمل سعودية إزاء مواقف القيادة الفلسطينية
رسائل بن سلطان تمهد لمرحلة جديدة في العلاقات العربية الفلسطينية
كشفت مقابلة الأمير بندر بن سلطان، على قناة العربية خلال الأيام الماضية، عن وقائع في غاية الأهمّية عن المفاوضات التي أجراها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في واشنطن، في الأسابيع الأخيرة من ولاية بيل كلينتون، تعدّ بمثابة شهادة للتاريخ وتعكس في الوقت ذاته خيبة أمل سعودية عميقة إزاء مواقف القيادة الفلسطينية الحالية.
وتساءلت هذه أوساط سياسبة عن أسباب اختار الأمير بندر هذا التوقيت بالذات لما وصفه دبلوماسي عربي بـ”تعرية” القيادات الفلسطينية وتحميلها مسؤولية إضاعة كلّ الفرص التي أتيحت له من أجل التوصّل إلى تسوية مع إسرائيل؟ وأجابت بأنّ المملكة تعدّ نفسها لأيّ خيارات يمكن أن تتخذها في المستقبل وترفض أن تكون مقيّدة بأي اعتبارات فلسطينية، خصوصا أن رئيس السلطة الوطنية محمود عباس فضّل التقارب مع تركيا وإيران على مراعاة مواقف دول الخليج العربي من هاتين الدولتين غير العربيتين.
وقالت الأوساط ذاتها إن الأمير بندر الذي كان وقتذاك -أي في أواخر سنة 2000- سفيرا للسعودية في واشنطن، أراد بشكل واضح تأكيد أن السعودية سعت إلى مساعدة الفلسطينيين إلى أبعد الحدود، لكنّ ياسر عرفات كانت لديه حسابات أخرى بعيدة عن الواقع، خصوصا عندما وعد بالموافقة على النقاط التي طرحها كلينتون في آخر سنة 2000 ثم تراجع عن وعده دون توضيح أسباب ذلك.
ورأت هذه الأوساط أن ما يمكن فهمه من كلام الأمير بندر بن سلطان، الذي شغل لاحقا موقع رئيس مجلس الأمن القومي السعودي، هو أن المملكة لم تعد في وارد مراعاة المواقف الفلسطينية عندما يتوجب عليها اتخاذ قرارات مرتبطة مباشرة بمصالحها الوطنيّة.
وأكد دبلوماسي عربي كان يعمل في واشنطن في تلك المرحلة على صحة ما قاله السفير السعودي السابق في واشنطن.
ونوه الدبلوماسي بجدّية الموقف السعودي الجديد من القيادة الفلسطينية تحديدا، موضحا ذلك بأن المقابلة ذات الحلقات الثلاث مع الأمير بندر بن سلطان كانت مع قناة “العربيّة” التابعة مباشرة للديوان الملكي السعودي من جهة، وتم الإعداد لها جيّدا من جهة أخرى.
ولاحظ في هذا المجال الدقة في اختيار الأشرطة التي رافقت تسجيل الحلقات مع تركيز خاص على العلاقة الودية بين “أبومازن” ورئيس النظام التركي رجب طيّب أردوغان.
وخلص إلى القول إن شيئا لم يتغير منذ أن خلف محمود عبّاس، ياسر عرفات، وأنّه إذا كان “أبوعمّار” اختار الوقوف إلى جانب صدّام حسين في مرحلة معيّنة كان عليه أن يدعم خلالها الموقف الخليجي، فإن “أبومازن” اختار الوقوف إلى جانب أردوغان في وقت دخل رئيس النظام التركي في مواجهة مع السعودية ودولة الإمارات العربيّة المتّحدة والبحرين.
ولئن قوبلت التصريحات الصادمة من قبل الأمير بندر بسيل من الشتائم من دوائر مقربة من الرئيس عباس ومن حركة حماس والمجموعات القريبة منها والمرتبطة بإيران وتركيا، فإنها وجدت تفهما لدى قيادات فلسطينية عاشت المراحل التي تحدث عنها، والصفقات العلنية والسرية التي تمت باسم القضية الفلسطينية.
ويرى مراقبون أن على الفلسطينيين أن يلتقطوا الإشارات التي جاءت في كلام الأمير بندر، وهي إشارات تتعلق بالحاضر والمستقبل، بدل السعي للدفاع عن الماضي وأغلبه ذهب مع القيادات التي عاشته وخططت له ومارست في السر أدوارا متناقضة مع الشعارات التي ترفعها.
ويعتقد هؤلاء أن كلام المسؤول السعودي السابق كان الهدف منه تحرير المبادرة السعودية من عقدة الولاء لفلسطين وضرورة دعمها كقضية محورية في العالمين العربي والإسلامي طالما أن الفلسطينيين أنفسهم قد “باعوا” قضيتهم في السابق، وهم على استعداد لبيع الموقف العربي الداعم سياسيا وماليا لقضيتهم من أجل مصالح بعض القياديين الفلسطينيين والرغبة في البقاء في الواجهة باستمرار.
وعبر الكاتب الفلسطيني محمد مشارقة عن استغرابه من “الجزع والغضب عند البعض من الفلسطينيين، الذين وضعوا شهادة بندر بن سلطان في سياق المؤامرة على القضية وعلى الرواية والثوابت الفلسطينية”.
وقال مشارقة الذي يشغل مدير مركز تقدم للسياسات بلندن إن “ما يحتاج الفلسطيني إلى قراءته في خطاب بندر ليس التفاصيل، وإنما ما تستبطنه الأيام القادمة من إعادة للنظر بكل الرواية الفلسطينية بمثقلاتها الأيديولوجية التي لم تعد ذات صلة بالواقع”.
وأشار إلى أن “الأخطر هو ما جاء في ختام الحلقة الثالثة من حديث الأمير بندر، وهو أن القيادة الفلسطينية الحالية لم تعد ذات صلة أيضا، وأنها بذلك بدأت تفقد حاضنتها العربية الرسمية”.
من جهته قال الكاتب والصحفي الفلسطيني، محمد أبو مهادي: أن ملخص ثلاث حلقات أذاعتها قناة العربية للأمير بندر بن سلطان، خلال الأيام الماضية، تفيد بشكل واضح لا يقبل التأويل، أن قراراً عربياً قد اتخذ بحق رئيس السلطة محمود عباس، سيكون نافذاً في القريب العاجل.
وأضاف أبو مهادي، أن بندر بن سلطان لم يقدم نفسه مؤرخاً أو محلل سياسي لما جرى في الشرق الأوسط، لا يستنتج ولا يمارس التنجيم السياسي، بل يتحدث بوضوح جارح عن محطات عاصرها، قد يكون لها روايات مختلفة، لكنها بكل تأكيد كانت مرافعة إدانة تمهد لتنفيذ الحكم النهائي على محمود عباس ومن يرغب بمواصلة السير معه.
وتابع أبو مهادي، بأن الصدمة التي احدثتها الأجزاء الثلاثة من مقابلات الأمير، فهمتها السلطة والفصائل، لذلك لم يعقب أحد، ومن غير المتوقع أن يفعلوا ذلك، جميعهم يعرفون أن مرحلة التغيير واقعة لا مفر.
سيكون من السذاجة والعبط النظر لما قاله بن سلطان من زاوية المحاكمات التاريخية وسرد الوقائع وتدعيمها، لتفنيد رواية بن سلطان، كما حاول فعله بعض الكتاب، وتجاهل الوضوح في الرؤية السعودية والعربية، وقبلها العالمية بشأن قيادة السلطة الحالية.
وأكد أبو مهادي على أن مطالب التغيير في الوضع الفلسطيني هي مطالب فلسطينية، قبل أن يتحدث الأمير، وغيره من الساسة في العالم والمحيط، وأن التغيير حاجة فلسطينية ضرورية الآن وقبل سنوات، حتى وإن تغافلت جماعات المصالح عن فشل التسوية والنظام، وواصلت العناد الذي يزيد من أمد الكارثة، لكنه لن يمنع إنفاذ قرار التغيير.
ودعا الكاتب الفلسطيني، الحكماء في فلسطين بإسناد العرب، إلى التفكير الجمعي في آلية خروج آمن لمحمود عباس، تجنّب الشعب الفلسطيني المزيد من الخسائر، وتحافظ على السلم الأهلي وتفضي إلي الجديد.
ولا يبدو أن القيادة الفلسطينية تستشعر التحول في الموقف السعودي وتأثيره على الفلسطينيين، خاصة أنها ظلت لعقود أهم ممول لهم في فترة ما قبل مفاوضات أوسلو وما بعدها، لاسيما مع وجود سلطة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة.
وكان الأمير بندر وجه، خلال الحلقات الثلاث من المقابلة، انتقادات حادة للقادة الفلسطينيين واتهمهم بإضاعة الفرصة تلو الأخرى لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. كما اتهم القيادة الفلسطينية بالتجاوز “والتجرؤ بالكلام الهجين” في اعتراضها على قرار الإمارات والبحرين بناء علاقات مع إسرائيل.
وقال في الحلقة الثالثة من المقابلة “الآن نحن في مرحلة مع كل الأحداث الصايرة في العالم بدل ما نكون حنا مهتمين كيف نواجه التحديات الإسرائيلية عشان نخدم الجهة الفلسطينية، كمان حنا عندنا أمن وطني ومصالح”.
الأوبزرفر العربي