سجال حول نظام الحكم في تونس
أعاد الاتحاد العام التونسي للشغل الأسبوع الماضي السجال بشأن نظام الحكم في تونس إلى الواجهة من جديد لينهي بذلك شبه هدنة سياسية تم الاتفاق عليها بين الأحزاب خلال فترة مواجهة فايروس كورونا المستجد.
والثلاثاء قال الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي ” للأسف الشديد منذ 2014 لدينا أحسن دستور في العالم حسب زعمهم والنهاية فوضى في الصلاحيات بين الرؤساء الثلاثة”.
وقال رئيس حزب مشروع تونس، محسن مرزوق، في تصريحات صحافية إن “النظام السياسي في تونس تحول إلى جثة متعفنة”، مطالبا بإرساء جمهورية ثالثة وإلغاء نظام الحكم الحالي في بلاده.
لكن خبراء في القانون أكدوا استحالة تطبيق هذه الدعوات على أرض الواقع لغياب الدعائم والركائز القانونية والدستورية لذلك، وهو ما يثير جدلا بشأن الخطوات المقبلة التي قد يتخذها الرافضون لنظام الحكم الحالي في تونس.
ويقول أستاذ القانون الدستوري سليم اللغماني في هذا السياق “منذ سنوات ونحن نتحدث عن الاستفتاء وكأنه الحلّ، لقد أخطأوا في الدستور”.
وأضاف اللغماني “على هؤلاء المنادين بتغيير نظام الحكم عبر الاستفتاء نسيان هذه الآلية أصلا”.
ويقوم النظام السياسي في تونس، الذي حدده دستور 2014، على منح صلاحيات واسعة للبرلمان المناطة به مهام تزكية الحكومة وتمرير مشاريع القوانين، بينما تقتصر مهام رئيس الجمهورية على ملفات الأمن القومي والعلاقات الخارجية.
ويوضح اللغماني وجهة نظره القانونية بقوله “الدستور الحالي لا يخول اللجوء إلى الاستفتاء إلا في حالتين، ورئيس الجمهورية يلجأ في كلتيهما إلى الحصول على ‘رفض شعبي’ إما لقانون صوت عليه البرلمان حسب الفصل 82 أو لتنقيح دستور صادق عليه أيضا البرلمان حسب الفصل 144”.
ولقيت دعوات إجراء استفتاء على نظام الحكم تأييدا واسعا شمل حزب مشروع تونس وحزب أمل الذي تتزعمه سلمى اللومي (ناشطة سياسية ووزيرة سابقة) والحزب الدستوري الحر بزعامة عبير موسي ورئيس البلاد قيس سعيد الذي كان قد دعا بدوره إلى “سحب الوكالة” وتعديل الدستور والقانون الانتخابي ما جعله يتعرض لحملة واسعة خاصة من حركة النهضة الإخونجية وحلفائها.
ترفض حركة النهضة الإخونجية، عبر ما فهم من تصريحات قياداتها، التوجه إلى القيام باستفتاء شعبي حول النظام السياسي، ويشير المراقبون إلى أن معارضتها ذلك تأتي لكونها الطرف الذي سطر دستورا على مقاسها.
واعتبر النائب عن الحركة الصحبي عتيق أن “من حق كل طرف الدعوة إلى تغيير النظام سياسي أو تقديم مبادرة تشريعية، لكن مع توخي الأساليب الديمقراطية وفي نطاق احترام الدولة ومؤسساتها وليس في سياق دعوات الفوضى وهدم المؤسسات”.
ومع توسع دائرة النقاش يتساءل مراقبون عن البدائل التي قد يلجأ إليها هؤلاء الرافضون لطبيعة النظام السياسي من أجل إحداث التغيير المنشود.
بعد تأكيد خبراء القانون الدستوري شبه استحالة إجراء أي استفتاء في الظرف الراهن في تونس يبقى التساؤل عن الخطوات المُقبلة لمؤيدي هذه الدعوات مطروحا.
ويقول منجي الرحوي، وهو نائب عن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (يساري)، “هناك أطراف سياسية مختلفة أجمعت على ضرورة تغيير نظام الحكم في تونس”.
ويضيف الرحوي أن هذه الدعوات تتعلق ببعدين، هما “النظام إن كان برلمانيا أو رئاسيا، ويتطلب نقاشا لن يفضي إلى استخلاص أن هذا النظام أفضل من ذاك بشكل نهائي”.
ويشدد الرحوي على أن هناك “بعدا آخر عمليّا أكثر (من الممكن التطرق إليه وإحداث تغييرات بشأنه)، وهو النظام الانتخابي الذي يتعلق بقانون الأحزاب والعتبة الانتخابية والمال السياسي وتمويل الحملات الانتخابية والعلاقة بالخارج وغيرها”.
وينتقد معارضو النظام السياسي الحالي النظام الانتخابي الذي ساهم في حدوث تشتت داخل البرلمان التونسي، وهو ما جعل مختصين في القانون الدستوري يرجحون أن الحل لهذه المعضلة يكمن في الدفع نحو تنقيح القانون الانتخابي.
وفي مرات سابقة لم ينجح البرلمان التونسي في المصادقة على تعديلات على النظام الانتخابي تشمل قانون العتبة، وهي النسبة الأدنى من الأصوات التي يتوجب على الحزب أو القائمة الانتخابية الحصول عليها للتحصل على مقاعد داخل البرلمان.
وتحدد العتبة حاليا نسبة 3 في المئة من الأصوات في الانتخابات التشريعية لأي حزب أو قائمة شريطة عدم استغلال أي محطات تلفزيونية أو جمعيات أو غيرها للدعاية في العملية الانتخابية.
وتنقسم الآراء في تونس بشأن قانون العتبة بين من يعتبر أنه يكتسي أهمية خاصة في تنظيم العمل السياسي والحيلولة دون تشتت البرلمان وكتله النيابية وبين من يرى أنه يؤسس لمنع التعددية. وفي مقابل ذلك يطرح مراقبون أسئلة أخرى تتعلق بتغيير الآلية التي يتم عبرها تشكيل الحكومة، أي أن يتم إدخال تعديلات على القانون الانتخابي والدستور بطريقة تسمح للحزب الفائز بتشكيل حكومته بغالبية بسيطة.
وتسمح هذه العملية وفقا لهؤلاء بإجراء تقييم شامل وجرد للعمل الحكومي ومحاسبة الحزب الحاكم على النتائج التي حققها خلال عهدته. وقال حسونة الناصفي، وهو قيادي في حركة مشروع تونس ونائب عن كتلة الإصلاح الوطني داخل البرلمان، إن “دعوة حزبنا إلى تغيير نظام الحكم ليست وليدة اللحظة، بل كنا قد حددنا هذا المطلب حتى عند تأسيس الحزب في العام 2016”.
وشدد الناصفي على أن الحل الأمثل للتمكن من تطبيق هذه الدعوة على أرض الواقع “تحقيق الغالبية المطلوبة داخل البرلمان لإجراء تعديل جذري في الدستور ومحاولة تجميع ما يمكن تجميعه من كتل برلمانية للدفع نحو هذه الخطوة”.ويقترح الناصفي مؤتمرا وطنيا للتباحث حول سبل إجراء تعديلات على النظام السياسي تفضي إلى توافقات وطنية تمكن من القطع مع نظام الحكم الذي يحمّله شق كبير من التونسيين مسؤولية الأزمة التي تعيشها بلادهم.
ويساير دعوة الناصفي المحلل السياسي والإعلامي مختار الخلفاوي الذي قال إن “المطروح اﻵن هو الدخول في حوار وطني واسع يقوم على تشخيص متأنّ لحدود المنظومة القائمة، والتوافق على المراجعات المطلوبة” مضيفا أن “رئاسة الجمهورية يمكن أن ترعى مثل هذا الحوار”.
ورغم أن العديد من الأطراف أعلنت عن دعمها لإعلان رئيس الجمهورية، وبالرغم من أن الدعوات إلى تغيير نظام الحكم بدت متناغمة حيث شملت أحزابا سياسية تختلف “أيديولوجيّا” لكنها اجتمعت حول هذه الدعوات، إلا أن أطرافا أخرى تدفع إلى اختصار هذه التحركات في محاولات عزل حركة النهضة الإسلامية.
مع تعاظم الدعوات إلى وضع حد للنظام السياسي القائم منذ العام 2014 في تونس تتجدد الأسئلة بشأن الأطراف المستفيدة من هذه التحركات لاسيما في ظل مشهد سياسي على رمال متحركة.
ويقول منتقدو هذه الدعوات إنها تستهدف “الانقلاب” على حركة النهضة الإخونجية، الفائزة في انتخابات 2019 التشريعية، حيث تُجمع غالبية الأحزاب التي خرجت منهزمة منها على ضرورة إحداث تعديلات على النظام السياسي.
وقال منجي الرحوي إن “أفعال حركة النهضة وممارساتها وتوجهاتها هي التي عزلتها بطبعها”، مضيفا أن “حركة النهضة قامت بكل شيء لكي تعزل نفسها وتكون خارج الممارسة الديمقراطية وكذلك خارج السياق العام، وهي لا تحتاج إلى مناورة ضدها”.
وتواجه تونس في الظرف الراهن أزمة سياسية متعددة الأبعاد حيث بدأت تلوح بوادر انهيار الائتلاف الحكومي الذي تشكل حركة النهضة أحد مكوناته، وهو ما جعل بعض الجهات المحسوبة على حركة النهضة تتحدث عن “استهداف ممنهج لها”. وفي بيان لها نشرته الأسبوع الماضي تحدثت الحركة الإسلامية عن “استقواء” بعض الأطراف المعارضة لخياراتها بالأجانب من أجل تقويض التجربة الديمقراطية في تونس.
ويقول الإعلامي والمحلل السياسي مختار الخلفاوي “من الطبيعي أن ترى بعض مكونات المشهد السياسي في هذه التحركات انقلابا على الشرعية والصندوق”.
ويضيف الخلفاوي أن “بإمكان الضغط الحاصل داخل البرلمان وفي الشارع التونسي أن يجلب الرافضين للتعديلات الدستورية إلى دائرة الحوار”.
ويشير إلى أن “الجميع (الأطراف السياسية) جرب المغالبة والتذرع بشرعية الصناديق، وعلم نتائجها. وكان الحوار الوطني سنة 2013 حلا عصم الجميع من الوقوع في احتراب أهلي”.
الأوبزرفر العربي