شيطنة الأونروا.. على طريق تصفيتها
عبد الغني الشامي
في الوقت الذي يتعرض فيه الشعب الفلسطيني في غزة لحرب الإبادة الجماعية والتجويع منذ قرابة ٤4 أشهر؛ وبينما هو أشد ما يحتاج لمضاعفة جهود الإغاثة الإنسانية له والإعلان عن قطاع غزة منطقة منكوبة بامتياز؛ تقدم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون على خطوة وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بحجة مشاركة موظفين منها في عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي.
الاتهام الأمريكي لموظفين من الأونروا بالمشاركة في عملية طوفان الأقصى جاء بعد ساعات من إعلان دولة الاحتلال ذلك، وكأن موظفي الأونروا من كوكب آخر، وليسوا من أبناء الشعب الفلسطيني الذي فقد خلال هذه الحرب فقط أكثر من 170 من موظفي الأونروا بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي التي دمرت عشرات المقرات والمدارس التابعة لها.
لسنا بصدد حصر ما تعرضت له الأونروا ومنشآتها خلال هذا العدوان، وما فقدته من عاملين فيها، ولكن لإلقاء الضوء على هذه النقطة التي كانت تمر مر الكرام بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء إصدار بيان إدانة، ولكنهم الآن يقيمون الدنيا ولا يقعدونها بعد اتهامات إسرائيلية لموظفين من الأونروا بالمشاركة في عملية طوفان الأقصى.
لم تنتظر الأونروا إجراء تحقيق حول الأمر، بل سارعت هي كذلك بفصل هؤلاء الموظفين، رغم عجزها عن حماية موظفيها ومنشآتها واللاجئين ومخيماتهم، التي هي مسؤولة عنهم.
المراقب لسلوك الأونروا والدول الغربية على مدار عقدين من الزمان لم يستغرب ما أقدموا عليه، تجسيدا للمؤامرة الكبرى التي تحاك على اللاجئين الفلسطينيين لتصفيتهم بشكل كامل بعد تصفية الأونروا وسحب التفويض الممنوح لها من قبل الأمم المتحدة منذ العام 1949 لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، مرورا بتقليص خدماتها وكذلك عدم تطبيق أهم القرارات التي أنشئت من أجلها، وعلى رأسها القراران ١٨١ و١٩٤.
ما تم هو تنفيذ للخطة الإسرائيلية التي طرحتها وزارة خارجية الاحتلال الإسرائيلي في كانون أول/ ديسمبر الماضي، والتي تقوم على شيطنة الأونروا ومنع تمويلها، ثم الضغط على الأمم المتحدة لسحب التفويض الممنوح لها، لتصفيتها على طريق إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى الأبد، كونها هي العنوان الدولي للاجئين.
ترافقت هذه الخطة الإسرائيلية مع تصعيد إسرائيلي على الأرض، تمثل في تدمير معظم مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الثمانية في قطاع غزة، بدءًا من مخيمي جباليا والشاطئ، وليس انتهاءً بأكبر مخيمات غزة الآن، وهو مخيم خان يونس.
تدمير قرابة 300 منشأة ومدرسة تابعة للأونروا، وقتل حوالي 170 موظفا من الوكالة، وقصف مقدمي الإغاثة وهم على رأس عملهم، وقصف مراكز الإيواء التابعة لها، حيث قضى جراء ذلك قرابة 1000 شهيد بينهم 70 شهيدا قضوا في قصف مدرسة الفلاح للاجئين في حي الزيتون بغزة في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، هو جزء من استهداف الأونروا ودورها .
جاءت هذه الانتهاكات بعد إقدام الأونروا على خطيئة كبرى لا يمكن أن تغتفر، وهي الانسحاب من مدينة غزة وشمالها وتعليق عملياتها في هذه المساحة الجغرافية، وترك قرابة نصف مليون لاجئ يتهددهم خطر العدوان والجوع والمرض، بالإضافة إلى دورها المشبوه في التسبب في استشهاد قرابة 200 فلسطيني في مشهد إيصال الدقيق على تخوم مدينة غزة، دون مقدرتها على توزيع هذه المساعدات، وعدم الضغط على الاحتلال لتوزيعها بشكل يضمن كرامة المواطن في غزة، وكذلك الدور الذي لعبته في تشجيع المواطنين على النزوح جنوب قطاع غزة في بداية العدوان، بعدما طلبت بشكل رسمي من موظفيها الانتقال إلى الجنوب، كونها منطقة آمنة كما أبلغها الاحتلال، مما شجع باقي سكان القطاع على النزوح إلى الجنوب.
أمام كل هذه الانتهاكات بحق الأونروا واللاجئين، فإن المجتمع الدولي اكتفى في بعض الحالات بالتنديد فقط دون التحرك الجدي وتوفير الحماية للاجئين أو فرض عقوبات على دولة الاحتلال.
على مدار أكثر من 75 سنة من اللجوء لعب اللاجئون الفلسطينيون دورًا مهما في مقاومة الاحتلال في كل المجالات، وكان لهم دور كبير في هذه المقاومة، دون التطرق إلى ما إن كان موظفا لدى الأونروا أو لا، رغم محاولة سعي رئاسة الأونروا خلال السنوات الماضية لفصل بعض من يثبت تعاطيهم بالعمل التنظيمي، مما أدى إلى إعلان اتحاد موظفي الأونروا الإضراب عن العمل عدة مرات.
محاولة تمرير رئاسة الأونروا لهكذا قرارات وتعميمات داخلية حول حظر العمل الحزبي لموظفيها، شجع الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية على هذه الخطوة ووقف التمويل.
وهنا يجب التذكير بأن التيار الإسلامي يسيطر تاريخيا على انتخابات اتحاد موظفي الأونروا، وترأس هذا الاتحاد منذ تأسيسه عدد من قادة حماس، مثل الشيخ النائب وجيه ياغي، وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني سعيد صيام رحمهما الله، وعضو المكتب السياسي لحركة حماس حاليا سهيل الهندي .
وأمام هذا التغول الإسرائيلي والأمريكي على هذه المؤسسة الأممية، فإنه من الضروري توفير شبكة أمان عربية وإسلامية لدعم الأونروا ماليا، ودفع هذه الدول حصتها من التبرعات للأونروا، والضغط على الأمم المتحدة لكي تقوم هي بدفع ميزانية الأونروا مباشرة، ولا تبقيها رهينة بيد المانحين المتبرعين.
بات من الواضح أن الهدف من إثارة القصة الأخيرة لموظفي الأونروا وزعم مشاركتهم في عملية طوفان الأقصى، هو إبعاد الوكالة عن المشهد بعد شيطنتها بهذه الطريقة، تمهيدا لسحب التفويض الممنوح لها من قبل الأمم المتحدة لإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وشطبها بشكل نهائي، وهو الأمر الذي تسعى إليه تل أبيب منذ سنوات طويلة.