ضربة “العشاء الأخير” واحدة من التوجهات الدولية لتقليم أظافر أردوغان
وعملية القصف الأخيرة تأتي ضمن سلسلة العمليات التي تقوم بها قوى التحالف في إدلب، منذ اغتيال زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي هناك في 26 أكتوبر 2019، بالقرب من الحدود التركية.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الضربة الجوية التي وقعت قبل أيام هي الأقسى ضد المنظمات الإرهابية المتمركز في إدلب.
وقتل في الضربة 17 متطرفا في الغارة التي شنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة قياديين في تنظيم القاعدة الإرهابي خلال “وليمة عشاء” في المحافظة الواقعة شمال غربي سوريا.
وأعلنت القيادة المركزية الأميركية الوسطى “سنتكوم” ان كبار مسؤولي القاعدة كانوا في اللقاء المستهدف الذي كان على مقربة من الحدود مع تركيا.
والموقع في قرية حكارة بريف سلقين المتاخم للحدود التركية.
وأضاف المرصد أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة شن 9 ضربات على هذه التنظيمات منذ مايو الماضي.
وقبل أيام، شنت طائرة مسيرة غارة في إدلب أدت إلى مقتل متطرفين اثنين أحدهما مصري والآخر مغربي ويرتبطان بتنظيم القاعدة.
وتنتشر قوات النظام التركي في نقاط مراقبة بمحافظة إدلب بموجب اتفاق خفض التصعيد المبرم عام 2017، الذي يطلب من أنقرة إخراج المسلحين من مناطق المنزوعة السلاح التي أعلنت في 2018.
وتقول موسكو إن انقرة لم تلتزم بتنفيذ بند إخراج المسلحين المتطرفين من المنطقة.
وتأتي ضربات التحالف والجيش الأميركي في إدلب ضمن المساعي الدولية لتحجيم أدوات النفوذ التركي وأذرعه، مثل التنظيمات والميليشيات المسلحة.
فالعديد من القوى العالمية، بالذات منها الولايات المتحدة وقوى الاتحاد الأوربي، تستشعر بأن تلك الأدوات التركية تعكر الأمن والسلام العالمي، وأن تحجيمها هو الخطوة الأولى لإعادة الهدوء إلى الكثير من المناطق.
التقارير اليومية من جبهة الحرب بين أرمينيا وأذربيجان إقليم ناغورني كاراباخ الانفصالي تشير إلى أن العشرات من المرتزقة السوريين الموالين لتركيا يسقطون يومياً في تلك المعارك.
وتضاعفت أعداد القتلى هناك خلال الأسبوعين الماضيين، لتبلغ قرابة 300 قتيل من أصل قرابة ألفي مسلح سوري أرسلتهم أنقرة إلى تلك أذربيجان.
وكان وجود هؤلاء المرتزقة محل تنديد استثنائي من القوى الإقليمية والدولية.
ودفعت الأعداد الكبيرة للقتلى السوريين في الجبهة القوقازية، وما رافقها من إحباط في أوساط المسلحين الموجودين هناك، أو المنوي إرسالهم إلى تلك الجبهة، نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي للإعلان بأن بلاده يمكن أن تدفع بجيشها النظامي للدفاع عن أذربيجان، في حال طلبت الأخيرة ذلك.
وقد جاء تصريح أوقطاي على ما يبدو ردا على رؤساء مجموعة مينسك، التي تضم روسيا والولايات المتحدة وفرنسا، متهما إياها بالسعي إلى إبقاء قضية ناغورني كاراباخ دون حل، وتقديم دعم سياسي وعسكري لأرمينيا في هذا النزاع، مما يعني بالنسبة إليه تحجيم الدور التركي هناك.
وشكلت ليبيا ثالث تلك الملفات التي يعود فيها الدور التركي إلى حجمه الطبيعي، وإن بأسلوب آخر وأكثر حيوية.
وقالت مصادر متطابقة قريبة من المفاوضات السياسية الليبية، التي تجري برعاية لجنة “5+5” بأن التفاهمات التي يتم التوصل إليها بين طرفي الصراع الليبي صارت منجزة تماماً، وأنها تحتاج فقط إلى وضع الآليات التنفيذية لما تم التوصل إليه.
هذه التوافقات الليبية لاقت ردود فعل تركية غاضبة للغاية، إذ قال عنها رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، بأنها لن تجد طريقها للتنفيذ، وهو التصريح الذي كان بمثابة إعلان للنوايا بإفشال ما تم تحقيقه، أكثر مما كان تحليلاً لمضامين التفاهمات الليبية.
فالمضامين الرئيسية للاتفاق تقول صراحة بأن تكون إدارة المناصب العليا في البلاد توافقية بين الطرفين، وأن تكون منطقتا الجفرة وسرت وسط البلاد منزوعة السلاح.
وبالتالي أن تُحسب جميع الميليشيات من تلك المنطقة خلال ثلاثة أشهر، ومن كامل الأراضي الليبية خلال المرحلة الثانية والأخيرة من تطبيع الأحوال العامة في البلاد. الأمر الذي يعني فعلياً تصفية الحضور العسكري التركي في الأراضي الليبية، بما في ذلك المرتزقة.
ضها البعض، بالضبط كما كانت حالة تورط تركية مرتبطة بأخرى طوال العقد الماضي، كما أشار أليسون ميكيم في تقرير موسع نشرته دورية “فورين بوليسي”.
ويقول ميكيم: “إن سعي أنقرة لتحقيق نفوذ أكبر في القوقاز، لا سيما في منطقة يتنازع عليها الأرمن والأتراك العرقيون، ليس مفاجئا، فهي جزء من سلسلة من التشابكات الاستراتيجية التركية الممتدة من البحر الأبيض المتوسط إلى آسيا الوسطى”.
وأضاف: “أن هذه الأمر يرتبط بشكل وثيق بدور النظام التركي في الحرب الأهلية السورية أولاً، وأمتد ليكون صراعاً مع دول البحر الأبيض المتوسط الأخرى مثل اليونان وقبرص حول احتياطيات البحر من الغاز الطبيعي والبترول، وليس انتهاء بتزويد حكومة طرابلس الليبي بالأسلحة، كما أرسلت أنقرة آلاف المقاتلين السوريين إلى طرابلس للقتال نيابة عنها، وهي أدوات قد تنعكس آلياتها في أية لحظة”.
راشيل ريزو، الخبيرة الأمنية في مشروع ترومان للأمن القومي، ذكرت في مادة موسعة حول الموضوع: “اتخذت تركيا في السنوات الأخيرة سياسة خارجية أكثر جرأة، تعرف كل من الولايات المتحدة وأوروبا أن تركيا أفضل كحليف، لكن هذا لا ينفي أنها أصبحت شوكة في خاصرة الجميع”.
خبير الشؤون الاستراتيجية العسكرية تيد كاربنتر نشر بحثاً مطولاً في موقع “Responsible Statecraft” توصل في نتيجته إلى أنه على أية إدارة أميركية قادمة أن تقوم بها لتحجيم تركيا.
وأوضح أنه من الضروري أن تقنع واشنطن أنقرة بأنه ليس لديها نية للسماح لنفسها بالتورط في مواجهات مطولة في سبيل تطلعات أردوغان.
كما ستكون مناسبة جيدة للتأكيد لأنقرة على أن دورها التخريبي في جنوب القوقاز في أعقاب سلوكها المماثل في ليبيا وأماكن أخرى يجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، اعتبار تركيا حليفًا في الناتو يتمتع بمكانة جيدة.
الأوبزرفر العربي