طاغوت الإخوان
يشترك الإخوان مع باقي تنظيمات العنف والتطرف في وصف الأعداء والخصوم من ضباط الجيش والشرطة الداخلية أو المختلفين معهم سياسيًا بـ”الطاغوت”، في وصف يتبعه حكم بالتصفية الجسدية.
فالحكم الصادر على زعيم حزب النهضة التونسي، راشد الغنوشي، قبل أيام هو ترجمة لتحريضه ضد ضباط الأمن، فالجماعة كان لها باع كبير في تحريض التنظيمات الإسلاموية الأكثر تطرفًا على ممارسة ومواصلة طريقها للعنف، فضلًا عن أن أغلب هذه التنظيمات خرجت من عباءة تنظيم الإخوان.
تصريحات الغنوشي الأخيرة وما قبلها لم تكن مفاجأة، وهي لا تختلف عن تصريحات الإخوان التي تمجد في الإرهاب أو الإرهابيين، وهذا جزء من دهاء التنظيم، الذي نجح على مدار مائة عام في ممارسة العنف، لكن من خلال التحريض عليه.
وتعتبر جماعة الإخوان نفسها أمًا لكل جماعات العنف والتطرف؛ قد لا تتفق معها في الاستخدام العلني والمباشر للعنف، لكن تُحرضها على استخدامه، ولعل هذا أحد أسباب بقاء التنظيم طيلة العقود العشرة الأخيرة.
وأحاطت جماعة الإخوان نفسها بغموض ربما ساعدها في هذا البقاء، حيث لم تستخدم العنف بشكل مباشر في كل المراحل التاريخية، لكنها اختارت أن تكون محرضًا ومؤصلًا لمفاهيمه في أغلب الأوقات.
إن المرات التي استخدمت فيها جماعة الإخوان العنف كان تحت مسميات مبطنة؛ ففي أوائل الأربعينيات من القرن الماضي قرر المؤسس الأول حسن البنا إنشاء ذراع عسكرية للجماعة، لكنه أطلق عليها “النظام الخاص”، دون تسميته “الجناح المسلح للجماعة”.
حدث نفس الأمر بعد عام 2013، عندما قررت الجماعة العودة لممارسة “العنف العلني”، فأطلقت مسمى “اللجان النوعية” على “المليشيات المسلحة” التي أنشأتها مثل حركتي “سواعد مصر.. حسم” و “لواء الثورة” وغيرهما، وكان واضحًا على الجماعة الابتعاد عن أي مسمى يربطها بفكرة العنف، حتى لا تخسر القاعدة الشعبية التي تحتاج إليها في أي انتخابات.
تصريحات الغنوشي التي وصف فيها ضباط الأمن بـ”الطواغيت” كانت في فبراير/شباط من عام 2022 والتي قال فيها: لا أخشى حاكمًا أو طاغوتًا، وكان ذلك إيذانًا بتصفية رجال الأمن أو من أخذوا موقفًا من الحركة التي يتزعمها؛ فحكم الطواغيت القتل عند كل الجماعات الإسلاموية، فما وردت كلمة طاغوت في موضوع إلا أعقبه حكم بالقتل، ودائمًا ما يكون هذا الوصف مرتبطًا بمن تريد هذه التنظيمات التخلص منه.
فهناك معنى لغوي وشرعي يشترك في فهمه الإخوان وكل التنظيمات الإسلاموية التي قررت استخدام العنف المباشر؛ فكل منهما يرى أن كل ذي طغيان على الله فهو طاغوت من دون الله؛ فمن علاماته أنه رضي بالعبادة من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله، ويستتبع ذلك الموقف الشرعي بألا يصير الإنسان مؤمنًا إلا إذا كفر بالطاغوت أو بالأحرى تخلص منه.
وصْف راشد الغنوشي رجال الأمن بـ”الطواغيت” يشبه تصريحات أحد قيادات الإخوان بمصر، الدكتور محمد البلتاجي، في عام 2013 عندما قال: سوف تتوقف العمليات الإرهابية في سيناء عندما يعود الرئيس المعزول محمد مرسي للسلطة، بما يعني رضا الإخوان عن كل أعمال العنف التي قام بها تنظيم أنصار بيت المقدس، الذي أعلن مبايعته في وقت سابق لتنظيم داعش.
وهذه كانت إشارة بين الإخوان وكل التنظيمات المتطرفة التي كانت تدافع عنها، حتى بات شعار التنظيم “أنصار الإخوان” وليس “أنصار بيت المقدس”. ووفرت جماعة الإخوان لتلك الجماعات علاقة الدعم والاحتواء، فضلًا عن التأصيل الشرعي والفقهي والتنظيمي.
وحمل وصف راشد الغنوشي لرجال الأمن بـ”الطواغيت” صيغة تمجيد الإرهاب؛ فهناك قاعدة يفهمها الباحثون والمراقبون لملف تنظيمات الإسلام السياسي، مفادها أن كل تكفير يتبعه تفجير، وكل تفجير لا بد أن يسبقه تكفير، وهنا يبرز مفهوم الطاغوت، مما يؤكد أن وصف راشد الغنوشي إشارة على استخدام العنف من قبل الجماعات الإسلاموية التي خرجت من عباءة التنظيم وتدافع عن مصالحه.
تلويح راشد الغنوشي بالعنف لم يكن الأول ولن يكون الأخير، لكنه يأتي ضمن السياقات التي تربى عليها أو دونها في مقالاته ومحاضراته، فقوله: إن استبعاد اليسار والإسلام السياسي من الحكم سيؤدي إلى حرب أهلية، يعد تهديداً بشكل غير مباشر باستخدام العنف في مواجهة الخصوم لو أنهم استمروا على نهجهم في نقد الحركة.
وتدرك جماعة الإخوان أن الاستخدام المباشر للعنف سيضر التنظيم أكثر مما ينفعه، فبدأت تستخدمه بصورة غير مباشرة إما بالتلويح به وإما ممارسته فعليًا، لكن في حدود لا تؤثر بصورة سلبية على حركة التنظيم الدعوية، فالجماعة ترى أن التهديد بالعنف قد يكون أقوى من استخدامه، فضلاً عن حماية جماعات العنف وهي مهمة أعظم من استخدام العنف وهي ما تفعله الآن.
يقف الإخوان غالبًا في منتصف طريق العنف، يُعززون استخدامه ويهيئون البيئة الخصبة لذلك ويوفرون الملاذات الآمنة لمن يمارسونه، ولا يمارسون العنف الجنائي بصورته المباشرة إلا في حالات بعينها وفي ظروف يختارها التنظيم، وهنا لا يمكن أن نفصل الإخوان عن ممارسة العنف سواء من ناحية التأصيل أو التحريض أو حتى الممارسة.
وحاولت حركة النهضة تبرير استخدام الغنوشي لكلمة “الطواغيت”، كما أنها دافعت عن استخدامه مصطلح الحرب الأهلية، وكلها محاولات دفاع وتبرير لزعيم الحركة وللعنف معًا؛ فهدف الحركة استمالة الرأي العام التونسي ودفع شبهة العنف عنها لما سيستتبعه ذلك من صدور أحكام قضائية وقد يؤدي لحل الحركة نفسها.
ومن أهم الملامح المهمة في الحكم الصادر على راشد الغنوشي، مؤخرًا أنه لم يحضر أمام المحكمة وكأنه يدفع بخطأ في إجراءاتها أو أنه يرفض ما سيصدر عنها أو لا يجد ما يدفع به عن نفسه، وكلها أسباب مفهومة وإن كنّا لا نتفهم بعضها، لكن الشيء غير المتفهم هو الطعن على الحكم رغم أنه رفض أن يدافع عن نفسه أمام المحكمة!