عجز تجاري في تونس ودعوات لمراجعة الاتفاقات الاقتصادية مع أنقرة
عجز تجاري في تونس مع بعض شركائها، غير أن أغلب الواردات التي ينجم عنها العجز متأتية من تركيا التي استفادت من التعديلات التي أدخلت على اتفاقية التبادل الحر الموقعة بين البلدين في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ما أدى إلى إضعاف الإنتاج المحلي وتدهور الاقتصاد الوطني، وسط دعوات بضرورة مراجعة هذه الاتفاقية غير المفيدة لتونس.
ومنذ عام 2011، اكتسحت السلع التركية الأسواق لتونسية عقب توقيع عشرات الاتفاقيات مع حكومة الترويكا التي قادتها حركة النهضة الاخوانية، لتجتاح مئات السلع التي تحمل علامة “صنع في تركيا”، الأسواق التونسية وتجد لها مكانا في البيوت التونسية وهي أساساً مواد غذائية استهلاكية وملابس جاهزة والأحذية وكذلك أدوات التجهيز المنزلية والأدوات الكهربائية ومواد أخرى يتم تصنيعها في تونس طبقا للمواصفات القانونية، خلافا للسلع التركية متواضعة الجودة التي يتم توريدها.
وحسب بيانات رسمية، فقد سجل العجز التجاري لتونس مع تركيا مستويات قياسية خلال الخمسة أشهر الأولى من العام الحالي، حيث بلغت الواردات التونسية من تركيا 2.33 مليار دينار، بينما لم تتجاوز صادراتها إلى أنقرة 332 مليون دينار، وهو ما أدى إلى عجز تجاري يزيد عن ملياري دينار.
تعليقاً على تلك القاضية، اعتبر الخبير الاقتصادي، عبد الجليل بدري أن “تركيا هي المستفيد الأول من اتفاقية التبادل الحر في صيغتها المعدّلة، لأنها اتفاقية غير متكافئة قدّمت تسهيلات للسلطات التركية لتصدير بضائعها ونجحت من ورائها في غزو الأسواق التونسية، دون إبرام صفقات توريد سلع تونسية باستثناء بعض المواد الأوليّة والفوسفات، مشيراً إلى أن تركيا لا تعامل نظيرتها التونسية بالمثل، بسبب الإجراءات والعوائق غير الجمركية التي تضعها أمام الشركات التونسية المصدّرة وعدم تشجيعها للمنتجات التونسية وشرائها”.
إلى ذلك، أرجع بدري العجز التجاري المتفاقم لتونس مع تركيا واختلال التوازن التجاري بينهما، إلى غياب استراتيجية اقتصادية واضحة وفشل الدولة في تحقيق المعادلة بين الاستيراد والحفاظ على الإنتاج الصناعي المحلي، بسبب الفوضى في التسيير وطغيان الحسابات والمصالح السياسية على حساب المصلحة الاقتصادية للبلاد.
كما توقع ارتفاع عجز الميزان التجاري مع تركيا خلال الفترة القادمة، مضيفاً أن الوضع ملائم لتركيا لتعزيز صادراتها إلى تونس بعد صعود حركة النهضة التي ترتبط مع النظام التركي بعلاقات قوية مرة أخرى إلى الحكم، لكنه دعا الحكومة الجديدة التي ستقود البلاد في المرحلة المقبلة إلى إعادة النظر في الاتفاقيات المبرمة مع تركيا وتجاوز الإشكال التجاري معها، إذا ما أرادت فعلا وكانت لديها نية في تحسين الميزان التجاري والنهوض بالاقتصاد الذي يبدأ كبحه بوقف الاستيراد العشوائي لعشرات السلع غير الضرورية التي تنتج محليّا.
ويشتكي المنتجون والتّجار المحليون من إغراق الأسواق التونسية بالسلع التركية، لما في ذلك من تأثير على إنتاجهم وفرص العمل، وألقوا باللوم على السلطات وفشلها في سن قوانين صارمة لوقف الغزو التركي للبلاد، على غرار عادل المهيري وهو صاحب محل لبيع أدوات التجهيز المنزلية بمنطقة بن عروس، الذي أكد أن حجم السلع التركية التي تدخل تونس ترتفع عاما بعد آخر وأصبحت تنافس كل القطاعات الصناعية التونسية، مضيفاً أنها تشهد إقبالا كبيرا من التونسيين المهووسين بكل ما هو مستورد وأجنبي، رغم الفارق الكبير في الجودة بين السلع التركية والتونسية، حيث إن الأولى سريعة التلف.
وأشار المهيري، إلى أنّه ومنذ ظهور المنتجات التركية في الأسواق، تقلص الطلب على السلع المحليّة، مشيرا إلى أن السلطات تعلم هذا الأمر ولكنها تتغاضى عن ذلك ولا تتدخل لحماية صغار التجار والصناعيين وموارد رزقهم ، كأنها تتعمّد تدمير الاقتصاد المحلي، متسائلاً في هذا السياق عن ولاء وانتماء قادة البلاد هل لتركيا أم تونس؟
يذكر أنه بحسب عدّة تقارير لمنظمات نقابية، فإن مئات المصانع التونسية مهددة بالإغلاق وتسريح الآلاف من العمال نتيجة تراجع إنتاجها، حيث أغلقت عشرات المصانع الأخرى خاصة في قطاع النسيج والأحذية لتفاقم خسائرها، مما أدى إلى بقاء آلاف العاملين دون عمل.