عزل بايدن.. ما بين القانون والحسابات السياسية
منذ يوم الأربعاء الماضي ولا حديث هنا في واشنطن سوى عن ما بات يعرف بقضية محاولة “عزل بايدن“.
وعبر التاريخ تعددت الأسباب التي يعلنها الكونغرس عندما يقدم على الإعلان عن البدء في إجراءات عزل رئيس أميركي.
واليوم ينشغل العالم رغم كل المآسي التي تؤرقه وتقلق كياناته بموافقة الكونغرس يوم الأربعاء على البدء بإجراءات عزل الرئيس بايدن حيث تطفح تصريحات الجمهوريين بالاتهامات غير المثبتة بأدلة قطعية على استفادة الرجل من المعاملات التجارية الخارجية الخاصة بعائلته وهم اليوم يدعمون لجان التحقيق في طلب الوثائق والشهادات المتعلقة بالقضية ومطالبة البيت الأبيض بالتعاون حيث سيتم بعد ذلك نقل القضية إلى مجلس الشيوخ الذي سيستفيد من الصلاحيات القانونية المتعلقة بفرض سلطة اللجان المختصة بالقضية، حيث أن الدستور الأميركي في أحد مواده، يتطلب تصويت مجلس النواب بالكامل للسماح بإجراءات العزل قبل أن توظف اللجان مسارا ملزما يترافق مع صلاحيات العزل لكن مجلس الشيوخ كما هو معلوم يحظى فيه حزب بايدن بالأغلبية.
بداية أقول إن هذه القضية بتسلسلاتها المرتقبة ستكون بمثابة الصداع لبايدن خلال الحملة الانتخابية، وستسهم دون شك في إبعاد النظر قليلا عن القضايا القانونية التي تحيط بالمرشح الآخر دونالد ترامب، وبالتالي فتلك ورقة انتخابية لدى الطرفين ليثبتوا لناخبيهم تجاوزات الطرف الآخر.
وهنا نرى أنه من الطبيعي أن يرى الرئيس بايدن أن ما يقوم به الجمهوريون ما هو إلا حيلة سياسية لا قوانين قضائية أو أدلة محسوسة تدعمها .
الحقيقة أن الرئيس بايدن لم يعرف يوما سوى بنظافة اليد ولم يملك في حياته دخلا إضافيا غير راتبه الوظيفي، وكل التحقيقات التي قادها الجمهوريون سابقا لم تجد دليلا على نشاط غير قانوني للرئيس ولا مدفوعات مالية عن طريق ابنه أرسلت له من الخارج .
هنا في واشنطن وبالقرب من الكابيتول يتردد أن الجمهوريين لا يطمحون في قرارة أنفسهم للإطاحة ببايدن وإن أضفوا الطابع الرسمي على القضية فهم يتوقعون أن ينتهي التحقيق في غضون شهرين ثم يقوم مجلس النواب بصياغة مواد المساءلة في الربيع المقبل.
لكن لماذا في الكونغرس وليس إعلاميا فقط؟ لا شك أن الكونغرس هو الأكثر ارتباطا بإرادة الشعب الأميركي، وأي سلطة أخرى لا توازي سلطته لذلك أعطاه الدستور الأميركي حق البدء بإجراءات عزل الرئيس لكن إذا نظرنا تاريخيا فإن الإدانة بالخيانة أو الجرائم الكبرى تبدو مستحيلة في الواقع الأميركي وأما مسألة إساءة استخدام السلطة فلها أبعاد كثيرة ومتشعبة وغالبا لا تحمل ذلك البعد الذي يؤدي إلى اتهام قد يكون سخيفا في أحيان كثيرة فعزل الرئيس هو قطعا انقلاب على انتخابات منتهية في أعرق الدول الديمقراطية وهي أميركا.
الحقيقة في رأيي أن العام 2023 كان لعنة على بايدن فقد واجه عزلة دولية غير مسبوقة بسبب دعمه للرد الإسرائيلي على هجوم 7 أكتوبر وأيضا لا زال يصارع من أجل تمويل أوكرانيا في حربها مع روسيا عبر طلب المساعدات من الكونغرس لكن التحقيق معه في مخالفات محتملة أمر آخر وقطعا قد لا تنجح قضية عزل بايدن مثلها مثل محاولات سابقة وعديدة قام بها الكونغرس من أجل عزل رؤساء أميركيين.
وبالتأكيد سيمثل ابنه مطلع العام المقبل أمام المحكمة في لوس أنجلوس ضمن قضايا التهرب الضريبي وقد يواجه عقوبة تصل إلى 17 عاما (حيث سارع المحقق الخاص ديفيد وايس لتوجيه تهم للمرة الثانية لهانتر تتعلق بالتهرب الضريبي كما سارع كل من رئيس لجنة الرقابة في الكونغرس جيمس كومر ورئيس اللجنة القضائية جيم جوردان للإعلان عن خطة لتوجيه اتهام بازدراء الكونغرس لهانتر) وقد يكون هو -أي هانتر- نجم ذلك العام الانتخابي الممزوج بالقضايا القانونية الممهورة بتكتيكات تم استخلاصها من قبل الحزبين خلال عقود طويلة وسيبقي الجمهوريون على مخططاتهم الهادفة لإثبات ربط التعامل التجاري والشخصي لهانتر بوالده لكنهم سيصطدمون بالفشل في عزل الرئيس بعد وصول القضية إلى مجلس الشيوخ حيث لا يتمتعون بالأصوات الكافية كما حدث في محاولة عزل ترامب الأولى حيث سيتضح أن الأمر ما هو إلا لعبة سياسية درامية للتشويش على أمور أخرى يعلمها الجميع.
وسيبقى حلمهم الممكن هو الوصول إلى اتهام نجله هانتر بتهمة (ازدراء الكونغرس) وهو أمر لا يعني من قريب ولا من بعيد التاريخ السياسي الرائع لبايدن، ولا يمكن أن يؤثر عليه في حال من الأحوال وهو الذي أبدى شجاعة نادرة في التصدي لـ(مسرحية سياسية) فيها وللأسف فصول من الانحطاط وتلفيق التهم لتشويه صورته لكنها قد تزيد حتما من شعبيته في الانتخابات المقبلة.