غزة تستقبل عيد الأضحى وسط حالة من الحزن والموت
يستقبل الفلسطينيون في قطاع غزة عيد الأضحى وسط حالة من الحزن والموت، هم الذين يستمرون في توديع ودفن شهدائهم وسط حنين إلى الأعياد السابقة، حين كانوا قادرين على الفرح رغم الحصار والحروب المتكررة. ويبدو أن عيد الأضحى هذا العام يأتي وسط ظروف أشد قسوة بالمقارنة مع عيد الفطر، في ظل زيادة نسبة التهجير والجوع والعطش.
خلال عيد الفطر الماضي، كان الفلسطينيون يترقبون الأخبار التي كانت تشير إلى وجود ضغوط دولية للتوصل إلى هدنة، الأمر الذي لم يتحقق. وحل العيدان وسط استمرار القصف الإسرائيلي. وانسحب الحال على الأيام الماضية في ظل الحديث عن استمرار المفاوضات، لكن هذه المرة لم يكن لديهم أمل في توقف العدوان قبل عيد الأضحى.
عيد الأضحى جاء وقد تجاوز عدد شهداء جراء جرائم الحرب التي تشنها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وحتى منتصف يونيو/ حزيران الجاري أكثر من 37 ألفاً، وأكثر من 85 ألف جريح، بحسب وزارة الصحة في غزة، علماً أن عدد الشهداء قبل عيد الفطر في العاشر من إبريل/ نيسان الماضي كان حوالي 33 ألف شهيد، ما يعني مقتل حوالي 5000 غزي بين العيدين. وقالت الوزارة في بيان إن 30 شخصاً على الأقل قتلوا في الساعات الأربع والعشرين الماضية، مشيرة إلى أن إجمالي عدد المصابين في الحرب بلغ 85197 إصابة منذ السابع من أكتوبر الماضي.
الفرحة بالنسبة إليه منقوصة
حلول عيد الأضحى من دون حرب والعودة إلى الحياة الطبيعية أصبح مجرد حلم لا يبدو أنه سيتحقق قريباً. يقول الكثير من الفلسطينيين إنهم يتمنّون العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على الرغم من أن قطاع غزة كان يعيش تحت حصار إسرائيلي اشتد خلال الأيام الأخيرة التي سبقت العدوان، وقد منع الاحتلال بضائع كثيرة من دخول القطاع.
تمكن عدد قليل من الأمهات والآباء من حمل ملابس أطفالهم خلال التهجير. وكانوا يتمسكون بها، وخصوصاً خلال التهجير الأخير من مدينة رفح، حتى يرتديها أطفالهم في العيد. فيما قرر آخرون أن يُلبسوا أطفالهم ثياب العيد قبل حلوله، خوفاً من إضاعتها خلال الانتقال من مكان إلى آخر. ويزيد الحرص لدى العائلات التي لديها أبناء من الأشخاص ذوي الإعاقة أو المرضى أو الجرحى، وذلك رغبة في إدخال الفرحة إلى قلوبهم وسط المعاناة الكبيرة، وهذا حال أحمد كحيل (36 عاماً). في المقابل، رفض آخرون الأمر حتى لا يحصل تمييز بين أطفالهم، على غرار شقيق كحيل.
يقول كحيل: “أصيب طفلي في ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، وهو يبلغ من العمر خمس سنوات. لا يعرف معنى الفرح ولا يزال يعالج جراء التشوّهات في ساقه. لذلك، فإن الفرحة بالنسبة إليه منقوصة، وخصوصاً أنه يعاني صعوبة من الحركة بسبب إصابته”. يتابع: “أريد فقط أن ينعم بالقليل من السعادة بحلول العيد وبأي ثمن. أريد أن أزرع لديه الأمل بأن المستقبل سيكون أفضل. خسرت والدتي واثنين من أعمامي وأبناء عمي. ولحسن حظي، فإن ابني لا يزال على قيد الحياة”.
من جهته، يقول شقيقه الأكبر محمد كحيل (42 عاماً)، “لا قيمة للعيد. لا أريد أن يغار أطفالي الأربعة من بعضهم البعض. لدي أربعة أبناء، اثنان منهم مراهقان، بالإضافة إلى فتاتين. لن يرتدوا ملابس جميلة، علماً أنهم يمتلكونها. بعض الأطفال يشترون ملابس العيد، فيما يعجز آخرون عن تأمينها. أحاول البقاء في الخيمة وسرد الحكايات لأطفالي بدلاً من الخروج منها”. يضيف: “الأصعب أننا نقف أمام أطفال يريدون أن يفرحوا. في الوقت نفسه، لا يملكون الملابس والطعام والسكاكر وكعك العيد. حتى إن الكثير من الأطفال خسروا آباءهم وأمهاتهم خلال محاولتهم تأمين الطعام والشراب لهم. هذا العيد جعلنا أكثر قسوة على أنفسنا، وها نحن نحرم أطفالنا من الفرح حفاظاً على مشاعر أطفال آخرين”.
مبادرات ونشاطات
ويحاول عدد من الناشطين الشباب إطلاق مبادرات ونشاطات ومسابقات ترفيهية في أيام العيد الأربعة من أجل الأطفال. وتقول بيسان الحايك إنها وفريقاً من المبادرين الاجتماعيين حصلوا على بعض الألعاب من المتاجر التي دمرت، لا بل أخرجوها من تحت الركام، حتى يشاركوها مع الأطفال في ألعاب جماعية. ويلاحظ هؤلاء أن غالبية الأطفال لن يرتدوا أية أزياء جديدة أو مرتبة.
وتقول الحايك: “لاحظنا أن الكثير من الأطفال يرتدون ملابس مهترئة. حرصنا على إقامة بعض الألعاب وسرد حكايات تهدف إلى التخفيف من التمييز بين الأطفال. كما أن هناك ألعاباً جماعية تعتمد على النشاط الذهني والجسدي والتفكير والحسابات، حتى يكون هناك تكافؤ بالتفكير والتحليل والنشاط الجسدي، وهكذا نحاول أن نساوي في ما بينهم”.