فتنة الكيزان ونار الإرهاب في السودان
الكيزان هم من أطلقوا الرصاصة الأولى في الحرب التي تدور رحاها في السودان حاليًا، فهم من عبؤوا أجواء الصراع واستفادوا من الحرب.
كما أنهم سبب فتنة السودان على مدار أكثر من ثلاثة عقود مضت، فهم أحد شرايين التغذية للصراع الدائر حاليًا في البلد الأفريقي الأهم، عبؤوا للحرب منذ سقوط نظام الرئيس عمر البشير في العام 2019 حتى نجحت مهمتهم في منتصف إبريل/نيسان في العام 2023.
جماعة الإخوان الإرهابية هي الطرف المستفيد من الصراع الدائر حاليًا داخل السودان، لذلك سعوا وما زالوا لاستمرار هذه الحرب، سواء من خلال النفخ في عوامل بقائها أو دعم حالة الفوضى التي تعيشها العاصمة الأفريقية حاليًا، أو حتى الوقوف أمام مبادرات الهدن السابقة أو محاولات الصلح بين الجيش وقوات الدعم السريع!
ما حدث في منتصف إبريل/نيسان هو بمثابة انقلاب نفذه الكيزان على مراحل التحول الديمقراطي، وما بذلته قوات الأمن مع القوى المدنية من أجل بقاء السودان قويًا بعد سقوط أركان حكم البشير، فهم يُدركون أن أي استقرار يُعني فشلها واستمرار محاكمة قياداتهم، وبالتالي تعاملوا بطريقة الأرض المحروقة من خلال إحداث فتنة مازالت تعيشها السودان حاليًا.
ما فعله الكيزان في العام 2023 لا يختلف عما فعله الرئيس المعزول عمر البشير في العام 1989؛ انقلبوا على السلطة بالبلاد في الماضي، بينما سعوا إلى حرقها في الوقت الحالي، فمازالت فتنة الإخوان تطل برأسها، ما يستوجب تطهير كامل البلاد من وجودهم، فخطرهم ليس على أمنها فقط ولكن على وجودها أيضًا.
بالعودة إلى ما قبل الأحداث الأخيرة نجد أن القائد العام للقوات المسلحة عبدالفتاح البرهان، قد تناول العشاء، مع قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو ليلة نشوب الحرب بينهما، حيث استمر الاجتماع في هذه الليلة قرابة 6 ساعات كاملة، بعدها مباشرة انطلقت صافرات الحرب وخرجت الذخائر من فوهات البنادق والراجمات، ولم يُعرف سبب لتطور الأحداث إلا الكيزان الذين سعوا إليها.
ومنذ أن وصل الرئيس عمر البشير للسلطة قبل ثلاثين عامًا وهو يدعم الإرهاب سواء من خلال استقباله لزعيم تنظيم القاعدة في العام 1991 أو حتى بعد مغادرته لها على متن طائرة عسكرية إلى جبال تورا بورا بأفغانستان في العام 1996.
فالنظام السابق قام بتقديم الدعم المالي واللوجستي لكل جماعات العنف والتطرف، ويتحمل المسؤولية عن محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في العام 1995؛ حيث قام على عثمان طه، نائب الرئيس في ذلك الوقت بدعم الجماعة الإسلامية المسلحة التي قامت بالتخطيط للعملية وأشرفت على تنفيذها.
وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية على السودان في ذلك الوقت، وسبقها ضرب مصنع الشفاء في العام 1998 حيث كانت تعتقد أنه ينتج أسلحة كيمائية، فضلًا عن صلته بأسامة بن لادن.
تحرك الكيزان في الفراغ الاستراتيجي بين القيادتين العسكريتين حتى نجحوا في إشعال الحرب، وكان دورهم يقتصر فقط على مجرد الإشعال، خاصة وأن حالة من الاحتقان كانت تسود الأجواء بينهما، فكل منهما يتحرك من أرضية وطنية ويرى أن ما أقدم عليه هو ما كان ينبغي القيام به.
الخطورة لا تبدو في اشتعال الحرب، ولكن في تبعاتها المرشحة لها أن تحرق المنطقة بأكملها، خاصة وأن المؤشرات جميعها تذهب إلى أن السودان سوف تُصبح قبلة الإرهاب ومرتكزه في أفريقيا.
إن الحرب في ثالث أكبر دولة أفريقية أضعف من قدرة أجهزة الأمن على ضبط أمن الحدود ومراقبتها، بل وأنهكها بصورة كبيرة، وهذيا سببان سيؤديان إلى استعادة التنظيمات المتطرفة لنشاطها مع سهولة حركتها من وإلى السودان.
الأنظمة السياسية الضعيفة في أفريقيا سيُضاف لها دولة جديدة. نحن نتحدث عن قارة هشة في مواجهة التنظيمات المتطرفة، وقد يبدو الإرهاب في بعض الدول أكثر قوة، مثل حركة “الشباب المجاهدين” في الصومال، التي تُسيطر على مناجم من الفحم وعلى جزء من حدود الدولة وتفرض رسوم دخول وخروج، كما أن هذه المناجم تدر عليها مئات الملايين من الدولارات!
وهنا بات السودان مركز التقاء ودعم للتنظيمات المتطرفة التي تبحث عن الفراغ والفوضى حتى يمكنها تجنيد أتباع جدد، فضلًا عن التدريب والتخطيط والتسليح، وهذا ما وفرته الحرب التي أشعلها الكيزان وهيأوا لها الأجواء.
لابد أن يُدرك المجتمع الدولي والإقليمي أزمة السودان الحقيقية، والتي قد يمتد فيها نار الحرب لكل المنطقة مع احتمال عودة الكيزان للمشهد من جديد، فضلًا عن استعادة تنظيمات العنف والتطرف لنشاطها داخل البلد الأفريقي.
الفراغ الأمني داخل السودان هدف جماعات العنف والتطرف التي نشطت من أجل استمرار هذه الحرب أكبر وقت ممكن، حتى تتحقق كل أهدافهم والتي لا يمكن لها أن تتحقق إلا في أجواء الفوضى والقتل.
وهنا يجب الاتفاق على إخماد الحرب حتى يتم قطع كل شرايين التغذية التي وصلت للكيزان وأنصارهم، والمرشح لها أن تصل لكل التنظيمات المتطرفة الموجودة في أفريقيا؛ فلا فائدة من مواجهة الإرهاب وتنظيماته دون مواجهة عوامل بقائه واستمراره.
هذه دعوة للسودانيين، فهم الأكثر وعيًا وإدراكًا وحبًا لوطنهم، وللمنطقة العربية التي باتت مشتعلة ومليئة بالصراعات، وللمجتمع الإقليمي والدولي أيضًا، أن الخطر بات أقرب للعين من حاجبيهم، وأصبح الإرهاب يضرب حدود المنطقة بقوة منذ اندلاع هذه الحرب التي لابد أن تتوقف فورًا.
لابد أن تتوقف أصوات المدافع والراجمات؛ فمع كل رصاصة يُطلقها طرفا الصراع في السودان هناك مثيل لها يُطلقها الإرهاب على صدور الأبرياء أو يستعدون لإطلاقها من أجل تهديد أمن السودان والمنطقة العربية بأكملها.