فشل محاولة التمرد العسكري للمتقاعدين في السودان
الجيش يسيطر على مقار هيئة العمليات
في منتصف نهار الثلاثاء تفاجأ سكان ضاحية كافوري الراقية شمالي العاصمة السودانية الخرطوم بإطلاق نار كثيف من مقر هيئة العمليات بجهاز المخابرات العامة، وأفراد منها يغلقون الطرق حولها، مما أثار الرعب وسطهم.
ولم تمضِ لحظات إلا وتمدد التصرف ليشمل المقر الرئيسي لهيئة العمليات شرقي مطار الخرطوم الدولي، بجانب مقرين في ضاحية سوبا والرياض شرق الخرطوم، وحدث الأمر ذاته في مدينتي الأبيض وكسلا بصورة متزامنة.
وجاءت الأحداث التي خلفت قتلى وجرحى، حسب التفسير الحكومي نتيجة لاعتراض أفراد هيئة العمليات مكافأة نهاية الخدمة والتي اعتبروها ضعيفة، وتمردوا ورفضوا تسليم مقارهم للقوات المسلحة.
وتفجرت أزمة هيئة العمليات التي تضم نحو 13 ألف مقاتل بعد أن قررت السلطة الانتقالية هيكلة جهاز المخابرات وجعله قوة لجمع المعلومات وتفكيك وحداته القتالية.
وتمثل هيكلة جهاز المخابرات أحد أبرز مطالب حركة الاحتجاجات الشعبية، لارتباطه بالقمع والتعذيب الوحشي خلال حكم تنظيم الإخوان المعزول.
وتم توزيع استمارات على أفراد هيئة العمليات لتخييرهم بين الالتحاق بقوات الدعم السريع أو الجيش أو التسريح والحصول على مكافأة بعد الخدمة، فاختار نحو ٨٠% منهم التقاعد، وفق مصادر عسكرية.
وكان مقررا أن يتم إخلاء مقار هيئة العمليات وتسليمها للقوات المسلحة بحلول 15 يناير/كانون الثاني الجاري، لكن أفرادها رفضوا التسليم بحجة أن مكافأة نهاية الخدمة ضعيفة مقارنة بما يستحقونه.
وبحسب شهود عيان، فإن قوة مشتركة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع طوقت مقار هيئة العمليات بكافوري والرياض وسوبا والمقر الرئيسي شرقي المطار بعد أن تبين تمردهم، ومنحت فرصة لتسليم أسلحتهم لكنهم تمسكوا بالمقاومة.
وتمكنت القوات المسلحة من السيطرة على مقري هيئة العمليات بكافوري وسوبا بعد اشتباكات دامية نتج عنها قتيل واحد على الأقل وجرح آخرين من الجيش، فيما لم يتم التعرف على الخسائر وسط القوات المتمردة.
وتسببت الأحداث في تعطيل حركة الملاحة في مطار الخرطوم الدولي بعد إغلاق المجال الجوي السوداني، كما أثارت المخاوف والذعر في نفوس السودانيين.
وأعلنت لجنة أطباء السودان المركزية “غير حكومية” عن إصابة 7 أشخاص بينهم فرد من الجيش السوداني نتيجة إطلاق نار عشوائي من قبل منسوبي هيئة العمليات بجهاز المخابرات العامة في مناطق عديدة بالعاصمة الخرطوم.
ومن الوهلة الأولى، اعتبرت السلطات السياسية والعسكرية في السودان، ما حدث من قبل أفراد هيئة العمليات “تمردا” وأنها قادرة على حسمه.
فيما صوب نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان حميدتي أصابع الاتهام لمدير المخابرات السابق صلاح قوش بالوقوف وراء الأحداث.
وقوش كان يشغل في السابق رئيسا لجهاز الأمن والمخابرات إبان فترة الرئيس المعزول عمر البشير قبل أن يطيح به السودانيون في 11 أبريل/نيسان الماضي.
وقال حميدتي، في مؤتمر صحفي بعاصمة جنوب السودان جوبا، إن هناك مطالبة بحل إدارة العمليات بجهاز الأمن الذي تحول إلى المخابرات العامة وتحويل بعض العناصر للمعاش.
وأوضح أن هناك توجيهات صدرت بشأن تجميع السلاح من أيدي تلك العناصر، إلا أن الأمر لم يتم تنفيذه بعد.
وأشار إلى أن ما يجري في السودان هو أمر ويقف وراءه عناصر حزب المؤتمر الوطني المنحل، لافتا إلى أن المجلس السيادي لم يتخذ أي إجراء على الفور.
ودعا حميدتي السودانيين إلى عدم الاستجابة إلى الفتن، وما يتداول في بعض وسائل الإعلام، مشيرا إلى أن الوضع في الخرطوم تحت السيطرة.
وبين أن قوات الدعم السريع تحاصر أماكن وجود تلك العناصر العسكرية التي ترفض تسليم السلاح، مؤكدا وجود تنسيق بين عناصر الجهاز وقادة المؤتمر الوطني.
وتابع حميدتي أن “لديه معلومات عن محاولات عرقلة للأمن القومي، وأن هناك تقصيرا من قبل إدارة جهاز المخابرات إزاء الأمر”.
ولمح إلى أن الوقت قد حان لكشف الحقائق عما يجري في السودان من مخططات تهديد الأمن القومي، مشددا على أن الحكومة لن تسمح بحدوث ذلك.
كما أكد أن قوات الدعم السريع تنتظر التعليمات لحسم الانفلات الأمني، لافتا إلى ضرورة محاسبة تلك العناصر العسكرية بالقانون.
ومع اشتداد الاشتباكات، أكد رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك ثقته بالقوات المسلحة بحسم ما يجري، مشددا: “لن نتراجع عن تحقيق أهداف الثورة”.
وأشار حمدوك، في تغريدة عبر حسابه على “تويتر”، إلى أن الموقف الراهن يثبت الحاجة لتأكيد الشراكة الحالية والدفع بها للأمام لتحقيق الأهداف العليا، قائلا: “الأحداث التي وقعت تحت السيطرة، ولن توقف مسيرتنا، ولن تتسبب في التراجع عن أهداف الثورة”.
كما قال العميد الركن عامر محمد الحسن، الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية، إن قوات الجيش ستتصدى لأي انفلات أمني يهدد استقرار البلاد.
وأكد وزير الإعلام السوداني فيصل محمد صالح أن القوات النظامية قادرة على التعامل مع التمرد إذا وصل إلى المواجهة العسكرية، وستحسم الأمور في غضون ساعات، مشيرا إلى أن أي حديث عن انقلاب على السلطة أو عودة للوراء غير ممكن.
وأوضح وزير الإعلام أن بعض عناصر التمرد استسلمت أمام القوات النظامية، والبعض الآخر ينتشر وسط الأحياء السكنية.
بدوره، اعتبر النائب العام السوداني تاج السر الحبر ما حدث من هيئة العمليات يعتبر تمردا يعرض المتورطين فيه للإعدام والسجن المؤبد وفق قانون الأمن الوطني.
وطالب بالإسراع في رفع الحصانات عن المتورطين في هذه الجريمة لتقديمهم إلى محاكمات عادلة.