في مواجهة خطر التهجير
هل تنفيذ خطة الجنرالات في شمال قطاع غزة والتي تم بها إجبار قطاع واسع من السكان لمغادرتة تحت وابل القصف والتدمير والموت والتي توجت بإخراج المستشفيات من الخدمة هي عملية عسكرية من قبل جيش الاحتلال أم أن لها أهدافا أخرى.
لقد تم وصف ما تم كجزء من عمليات التطهير العرقي وذلك من خلال تقارير منظمات حقوق الإنسان مثل هيومن رايتس ووتش وكذلك من خلال تصريحات بعض الضباط والجنود الحاليين من جيش الاحتلال وكذلك من بعض القادة السابقين أمثال موشيه ياعلون.
هناك أهداف سياسية وراء تنفيذ خطة الجنرالات وتكمن بفرض التهجير القسري وربما كمرحلة أولى داخل القطاع، ولكن ربما يفتح ذلك على الدفع باتجاة تنفيذه خارج القطاع من خلال الانتقال وبنفس آلية التدمير الممنهج إلى مساحات ومواقع جغرافية أخرى.
لقد زادت مؤخرا نبرة الاستيطان والرغبة بتحقيقه بالقطاع الأمر الذي كان خارج إطار النقاش بالأوساط السياسية الإسرائيلية قبل تنفيذ حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.
زار «مستوطنة نيتساريم» مؤخرا العديد من الشخصيات السياسية الحكومية في دولة الاحتلال من ضمنهم بنييامين نتنياهو وإيتمار بن غفير وكذلك مجموعات دينية توراتية بهدف الترويج للعودة للاستيطان.
منذ حوالي 15 شهرا، تقوم دولة الاحتلال بعمليات منظمة من الإبادة الجماعية بهدف جعل قطاع غزة مكان غير مناسب للعيش.
واضح أن ما يحدث ليس له علاقة باستعادة المحتجزين الإسرائيلين لدى المقاومة.
إنه يهدف لتنفيذ مخططات استراتيجية لصالح المشروع الاستعماري الصهيوني المبني على الإقلاع والإحلال والتهجير.
لقد فتحت شهية نتنياهو وزمرته اليمينية والفاشية على عمليات المحو والإزاحة السكانية والوجودية للشعب الفلسطيني ابتداء بالقطاع ومحاولة سحب هذا النموذج على الضفة في سياق تنفيذ خطة الحسم.
يؤمن نتنياهو أنه يقوم الآن وبنجاح بتغير الشرق الأوسط والعمل على صناعة شرق أوسط جديد تكون الكلمة المقررة به لإسرائيل التي يطمح لتحويلها إلى دولة إمبريالية صغرى بالمنطقة.
لقد تم ذلك بعد أحداث لبنان وسوريا الأمر الذي ترتب عليه اعتقاد بإمكانية تنفيذ مخططات اليمين الفاشية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وبالضفة الغربية.
لقد قاس قادة دولة الاحتلال ردود أفعال المجتمع الدولي ووجدوا أنها لا تشكل أي ضغوطات جدية عليهم باستثناء تحركات بعض مناصري القضية من قوى التضامن الشعبي الدولي وكذلك باستثناء قرارات محكمتي العدل والجنايات الدوليتين، والتي لا يمكن الاستخفاف بها، ولكن ذلك لا يشكل قوة ضغط على حكومة الاحتلال لوقف جرائمها اليومية بحق الشعب الفلسطيني بالقطاع.
وإذا نجحت حكومة الاحتلال بتنفيذ التهجير الذي خطره أصبح يقترب تدريجيا فإن هذا الخطر لن ينحصر بالشعب الفلسطيني بل ستزداد أطماع الاحتلال لإمكانية احتلال مساحات جديدة من بلدان عربية أخرى.
إن وقف خطر التهجير لا يشكل دفاعا فقط عن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ووجوده البشري الطبيعي على أرضه بل يشكل دفاعا عن البلدان العربية التي هي في دائرة الاستهداف والأطماع الصهيونية وفق منظور نتنياهو للشرق الأوسط الجديد المبني على سياسة التفتيت والتجزئة.
إن إسرائيل دولة استعمارية وتوسعية ولن تنفع معها سياسة عدم الصدام لأنها بتوسعها وعدوانيتها ستصطدم بالضرورة بالجميع حتي بالراغبين ببناء علاقات «طبيعية» معها.
ولعل المدخل بإفشال مخطط التهجير يكمن بإنهاء الانقسام الفلسطيني والعمل على تعزيز صمود شعبنا وتماسكة ووحدة نسيجه الاجتماعي الداخلي ويكمن بتفعيل الإرادة العربية ليس فقط باشتراط التطبيع مع فتح مسار يفضي إلى قيام دولة فلسطينية، بل إن الأمر أصبح يتطلب استخراج أوراق قوة ترتقي لحجم التحدي ومنها سلاح النفط وترتيب الحالة لمواجهة تحديات احتلالية قد تكون مباغتة ضمن محاولات فرض وقائع لا يمكن التراجع عنها.
وعليه فعلينا إدراك أن التهجير أصبح خطرا داهما، الأمر الذي يتطلب استخدام كل الأدوات القانونية والسياسية لإحباطه.