كيف يمكن أن تنتهي المحادثات بين تركيا واليونان؟
دايفيد ليبسكا
في الوقت الذي أعلنت فيه أثينا عن خطط هذا الأسبوع لتعزيز قوتها العسكرية وسط التوترات المستمرة مع تركيا، التقى الرئيس رجب طيب أردوغان بفايز السراج، رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني بطرابلس، في إسطنبول، حيث بحث الزعيمان سبل تعزيز اتفاقية الحدود البحرية.
تدعم أنقرة حكومة الوفاق الوطني في قتالها ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر منذ بضع سنوات، لكنها وسعت بشكل كبير دعمها العسكري بعد الاتفاق البحري الذي تم توقيعه في نوفمبر الماضي.
انتقد المراقبون الاتفاق لتجاهله بشكل أساسي جزيرة كريت اليونانية الكبيرة، مع الاعتراف بأنها زادت من النفوذ التفاوضي لتركيا.
وقال نيكولاس يوانيدس، المحاضر في جامعة نيقوسيا والخبير في القانون البحري والدولي، لموقع (أحوال تركية) “بهذا الاتفاق، أحرزت تركيا نقاطًا على المستوى السياسي”.
ومع ذلك، ووفقًا لاتفاقية فيينا وقرار المجلس الأوروبي، لا يترتب على اتفاقية الطرفين أي التزامات لأي دولة ثالثة، لا سيما عندما يكون لتلك الدولة الثالثة استحقاقات قانونية في المنطقة ذات الصلة.
وقال يوانيدس “ترسيم الحدود بين تركيا وليبيا يتجاهل الحقوق الأساسية لليونان. لذلك لا يمكن أن تكون اليونان ملزمة بأي شيء. وفقًا للقانون الدولي، لا تترتب على هذه الاتفاقية أي عواقب قانونية”.
لكن الصفقة كان لها بالفعل عواقب سياسية دفعت اليونان، الشهر الماضي، إلى عقد صفقة مماثلة مع مصر، لاستعادة بعض المناطق البحرية التي سلمت إلى تركيا في اتفاق حكومة الوفاق الوطني. تم توقيع الاتفاق اليوناني المصري عشية المحادثات التركية اليونانية الأولية التي توسطت فيها ألمانيا، والتي تراجعت عنها أنقرة بسرعة رداً على ذلك.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يوم الثلاثاء، في إشارة إلى المحادثات الملغاة “اليونان أظهرت أنها لا تحبذ الحوار، حيث رفضت المحاولات الأخيرة. نحن نؤيد المفاوضات، لكن أعتقد أن موقف اليونان مختلف”.
في الواقع، تؤيد اليونان تحكيم طرف ثالث أو إصدار حكم من قبل هيئة مثل محكمة العدل الدولية. وفي عام 1976، رفعت اليونان نزاعها على الجرف القاري مع تركيا إلى محكمة العدل الدولية، التي قررت أن الدولتين لم تتفقا على منحها الاختصاص.
لا توافق تركيا على اختصاص محكمة العدل الدولية، كما أنها لم توقع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وهي الوثيقة القانونية البحرية الأساسية، ولهذا السبب يتوقع الكثيرون أن يؤدي التوتر الحالي إلى عقد مفاوضات بدلاً من اللجوء إلى قرار محكمة.
وعادة ما تحجم الدول القوية عن تقديم نزاعاتها إلى محكمة دولية لأنها ترغب في أن يكون لها سيطرة أكبر على العملية. وقال يوانيدس، الذي يعتقد أن الحل الدائم لن يتحقق إلا بمشاركة قاضٍ نزيه “قد يمارسون الضغط على الطرف الآخر ويحققون نتائج أفضل. ولكن عندما تذهب الأطراف إلى هيئة دولية محايدة وقائمة على المبادئ، تكون النتيجة أكثر إنصافًا”.
نشأ خبير حل النزاعات، هاري تزيميتراس، ودرس في اليونان، ودرّس في تركيا لسنوات، وهو الآن مدير مركز قبرص في معهد أبحاث السلام في أوسلو. وقد أكد تزيميتراس على أن اليونان تتبنى فكرة القانون الدولي بشكل جزئي لأن أثينا تعتقد أن القانون يدعم وجهة نظرها، وأنه يقدم نوعًا من الحماية من تركيا.
قال تزيميتراس لموقع (أحوال تركية) في تدوينة صوتية “كان الموقف التركي دائمًا هو أن هذه نزاعات سياسية في المقام الأول. نعم يوجد عنصر قانوني مهم، لكن الخلافات في النهاية سياسية، وبالتالي يجب حلها سياسيًا”.
وقال إن عدوانية أنقرة في شرق البحر المتوسط، بما في ذلك إرسال بعثات استكشافية إلى المياه المتنازع عليها، من المرجح أن تضع تركيا في وضع غير مؤات أمام هيئة قضائية مثل محكمة العدل الدولية.
فشلت القوى الخارجية في التوسط في محادثات ثنائية. وفي الأسبوع الماضي، سعى الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، إلى دفع الدولتين العضوين إلى التفاوض، وأصدر بيانًا قال فيه إن تركيا واليونان اتفقتا على المحادثات الأولية. ولكن سرعان ما دحضت أثينا الأخبار، وأبطلت جهود الناتو.
وينقسم الاتحاد الأوروبي بشدة، حيث تدعم فرنسا بقوة اليونان وترسل سفنا حربية إلى شرق البحر المتوسط، وتسعى ألمانيا للإشراف على المحادثات بين تركيا واليونان بشأن الصراع الليبي. ومن المتوقع أن تجتمع الدول المتوسطية السبع في الاتحاد الأوروبي في باريس يوم الخميس ومن المرجح أن تتعرض الدول لضغط من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لاتخاذ موقف حازم ضد تركيا.
كما أرسلت الولايات المتحدة، التي منعت تركيا واليونان من خوض الحرب على قبرص عام 1974 وحول جزيرة متنازع عليها في بحر إيجة، رسائل متباينة. حيث في حين يشيد الرئيس دونالد ترامب بأردوغان، إلا أن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أعلن الأسبوع الماضي الإنهاء الجزئي لحظر الأسلحة الأميركي المفروض على قبرص، مما يسمح بمبيعات أسلحة غير مميتة للدولة العضو في الاتحاد الأوروبي والحليف الوثيق لليونان.
وقال تزيميتراس “ليس للولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي نفوذ حقيقي على تركيا”، مضيفًا أن هذا ترك أثينا وأنقرة بمفردهما إلى حد كبير ويتجهان نحو المواجهة العسكرية.
وقال تزيميتراس إن الخطوة الأولى هي أن يبدأ الجانبان حوارًا من شأنه أن يهدئ التوترات ويزيد التفاهم ويؤدي إلى عقد المفاوضات. وبمجرد تحقيق ذلك، سيكون عليهم بعد ذلك أن يهتموا بالقضايا التي سيتم تناولها في تلك المحادثات.
وقال تزيميتراس “تحاول تركيا دائمًا توسيع أجندتها ليشمل أكبر عدد ممكن من القضايا”، مشيرًا إلى الخلافات حول السيادة، والمناطق البحرية، والجرف القاري، والمجال الجوي، وعسكرة جزر بحر إيجة والأقلية المسلمة في غرب تراقيا.
هل من الممكن أن تشكل هذه القائمة بأكملها جزءًا من أجندة المفاوضات؟ وقال تزيميتراس “أعتقد أنه من غير المحتمل. القائمة الأكثر احتمالا هي تلك التي من شأنها أن تشمل معظم، إن لم يكن كل، القضايا المتعلقة بالمناطق البحرية وربما المجال الجوي”.
ولكي تنجح تلك المحادثات، يجب أن تصل أثينا وأنقرة برغبة في التسوية – وهي كلمة لا تُرى دائمًا بشكل إيجابي في منطقة البحر الأبيض المتوسط. ومن المرجح أن تبدأ المحادثات بالخط المتوسط، والذي يعتبر، في حالة تركيا واليونان، مواتياً بشكل كبير للأخير، ومن المفترض إعادة رسمه بسبب قرب العديد من الجزر اليونانية من الساحل التركي.
سيكون العنصر الأساسي في هذا الجهد هو كاستيلوريزو، وهي جزيرة يونانية صغيرة على بعد أميال قليلة من ساحل تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط. بدأت تركيا نشاطًا تنقيبياً بالقرب من كاستيلوريزو الشهر الماضي، بدعم من السفن البحرية، مما دفع اليونان إلى وضع جيشها في حالة تأهب قصوى وإرسال قوات إلى الجزيرة. وإذا تم منح جزيرة كاستيلوريزو الجرف القاري الخاص بها، فإن مطالبات تركيا ستكون محدودة للغاية.
وقال يوانيدس “في معظم الحالات، يقل تأثير الجزر الصغيرة المعزولة في عملية ترسيم الحدود. فهم لا يحصلون على نفس الكمية من المياه مثل الأراضي القارية”، مضيفًا أن المخاوف الأمنية وكونها جزءًا من سلسلة جزر دوديكانيز الأكبر جعلت حالة كاستيلوريزو فريدة من نوعها.
وقد تمكنت اليونان وإيطاليا من استخدام جزرهما في البحر الأيوني لتحديد خط متوسط خدم حدود الجرف القاري، وسمح بالامتداد إلى المياه القريبة ويمكن أن يحدد حدود منطقة اقتصادية خالصة في المستقبل، وفقًا لـ يوانيدس.
واستندت اتفاقيات المنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية قبرص مع مصر وإسرائيل ولبنان على خط متوسط أولي.
وأشار تزيميتراس إلى أن إسرائيل، مثل تركيا، لم توقع أو تصدق بعد على قانون البحار. وقال “هذا لم يمنع جمهورية قبرص من التوصل إلى اتفاق ترسيم حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة مع إسرائيل.
لا ينبغي أن تشكل حقيقة أن تركيا لم توقع قانون البحار عقبة. لا يضع القانون الدولي أي عقبات إذا كان لدى الدول رغبة حقيقية في حل نزاعاتها الثنائية أو متعددة الأطراف”.
ولكن رأى يوانيدس وقوف عقبة كبيرة أمام تركيا واليونان في حل خلاف في الرأي استمر لعقود. حيث أجرت الدولتان 60 أو 70 جولة من المناقشات الثنائية حول نزاع بحر إيجة دون جدوى.
يقول يوانيدس “وهذا هو السبب في أنني لست متفائلاً بشأن ذلك”، متسائلاً إلى أي مدى قد تكون أثينا مستعدة للانحراف عن خط الوسط. “قد تجد الدولتان أنفسهما أمام طريق مسدود مرة أخرى”.
الأوبزرفر العربي