لا بايدن ولا ترامب
عاطف السعداوي
انتهت الانتخابات النصفية الأميركية قبل أيام بأغرب نتيجة يمكن انتظارها أو توقعها.. ورغم أن نتائج أي انتخابات لا تحمل غرابة وإنما قد تشهد مفاجآت إلا أن مرد الغرابة في نتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة يعود إلا أن كلا من الحزبين المتنافسين اعتبر نتائجها انتصارا له، وسوقها بين أنصاره ومؤيديه على أنها كذلك.
فالجمهوريون بلغة الأرقام استعادوا السيطرة على مجلس النواب بما قد يمكنهم من فرض كلمتهم في الأجندة التشريعية وإعاقة تمرير رؤية الرئيس، لا سيما المثيرة للجدل، في كثير من قضايا السياسة الداخلية والخارجية، كماً يمكن أن يستغلوا هذه الأغلبية في إعادة فتح ملف بايدن والتحقيق في تعاملات نجله المالية مع الصين.
ووقف التحقيق مع الرئيس السابق دونالد ترامب في أحداث الشغب في مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021 وتقيد عمل لجنة الكونغرس المكلفة بذلك والتي رفض ترامب المثول أمامها عندما استدعته للتحقيق في أكتوبر الماضي، بل وربما تنعكس الأمور لتصل إلى التحقيق فيما جرى مع ترامب واقتحام منزله في منتجع «مار أيه لاغو» بولاية فلوريدا في أغسطس الماضي.
والديمقراطيون الذين خسروا أغلبيتهم المريحة في مجلس النواب اعتبروا ما تحقق انتصارا بالقياس إلى حجم التوقعات التي كانت تشير إلى اكتساح جمهوري وموجة حمراء ستطال المجلسين وحكام الولايات، وبالتالي تم تسويق خسارة الأغلبية في مجلس النواب على أنها انتصارا لأنها جاءت بفارق بسيط أقل بكثير مما كان متوقعا.. بالإضافة إلى تمكنهم من الاحتفاظ بالسيطرة على مجلس الشيوخ بأغلبية ضئيلة جدا، ربما بفارق صوت او بصوت نائبة الرئيس في حال التعادل، ولكنها ستكون كافية لإنقاذ بايدن من محاولات عزل كانت ربما ستجد طريقها للمجلس في حال سيطرة الجمهوريين على المجلسين.
كما أن هذه الغالبية الضئيلة ستمكن الديمقراطيين أيضا من الموافقة على القضاة الذين يختارهم بايدن لشغل المناصب في محاكم المقاطعات ومحاكم الدائرة والمحكمة العليا التي يتمتع فيها المحافظون بأغلبية 6 مقابل 3، كما ستمكنهم هذه الأغلبية البسيطة من عرقلة كثير من القوانين الآتية من مجلس النواب ذو الأغلبية الجمهورية، والأهم أنها ستمكنهم من عرقلة وعدم إكمال خطط الجمهوريون لإجراء تحقيقات في أنشطة إدارة بايدن وتعاملات نجله هانتر التجارية مع أوكرانيا والصين.
إذن.. سوق كلا المعسكرين نتائج الانتخابات وأرقامها على أنها انتصارا له.. وهذا إن كان صحيحا إلى حد بعيد فإن الجانب الآخر وغير المرئي من الصورة التي أفرزتها الانتخابات ربما يكون هو الأكثر أهمية عن ما قالته الأرقام، هذا الجانب يتعلق بما سيكون عليه شكل المعركة الانتخابية الأهم. وهي التنافس على رئاسة أميركا بعد عامين.
فنتائج الانتخابات النصفية الأخيرة وبعيدا عن ما أفرزته من حسابات السيطرة العددية على المجلسين، إلا أنها أعطت مؤشرات مهمة لا يمكن تجاهلها حول من سيمثل الحزبين في انتخابات الرئاسة المقبلة.
وفي تقديري وإن كان كلا الحزب ينقد حقق مكاسب في انتخابات المجلسين فإن الخسارة كانت من نصيب من أرادها معركة تمهيدية لانتخابات الرئاسة المقبلة.. وأعني هنا الرئيس الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترامب.. فكلاهما كان ينتظر نتائج هذه الانتخابات لإعلان نيته خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وفي ظني أيضا أن نتائج الانتخابات النصفية لم تأتي في صالح أيا منهما شخصيا حتى وإن حققت مكاسب لحزبيهما.. فخسارة الديمقراطيين لأغلبية مجلس النواب مردها بالأساس السياسات الكارثية لجو بايدن داخليا وخارجيا، لاسيما نسبة التضخم التاريخية التي اوصل بلاده إليها بسبب سياسته في الأزمة الأوكرانية، ولم ينقذ الحزب الديمقراطي من هزيمة تاريخية وساحقة سوى دفاعه عن حق الإجهاض، وهو أمر احتل أهمية كبرى عند الناخب الأميركي بعد إلغاء المحكمة العليا الحق الدستوري للمرأة في الإجهاض في يونيو الماضي، كان هذا هو العامل الحاسم في التصويت للديمقراطيين، وهو عامل لا دخل لبايدن به ولكن هو الذي أنقذ حزبه من خسارة كبيرة بعد أشارت بيانات الناخبين أن نسبة الإقبال كانت في أعلى مستوياتها التاريخية في الانتخابات النصفية في أجزاء كثيرة من أميركا، وهي حقيقة عزاها البعض إلى قاعدة ديمقراطية كان يقودها شباب مدفوعون بقضايا مثل الحقوق الإنجابية والحق في الإجهاض.
في المقابل اعتبر كثيرون أن الرئيس السابق رونالد ترامب كان سببا رئيسيا في عدم تحقق ما حذرت منه استطلاعات الرأي والنقاد لأسابيع قبل الانتخابات من “موجة حمراء” وشيكة وحشد انتخابي جمهوري من شأنه أن يشكل تعبيرا قاسيا عن الشجب الشعبي لجو بايدن والديمقراطيين. وبدا من الواضح قبل إغلاق صناديق الاقتراع أن الـ”تسونامي” الذي كان يأمل به الجمهوريون لن يصل أبدا، وهو ما عزاه كثيرون إلى التدخل الكبير لترامب في عملية الترشيح واختياره لمرشحين كانوا سببا في عزوف الكثير من الجمهوريين عن المشاركة.
كما أن شبح عودة دونالد ترامب ساعد في دفع القاعدة الديمقراطية للتصويت ومنع قضايا مثل التضخم أو الاقتصاد من أن تحتل صدارة أوليات الناخب الأمريكي، الأمر الذي ربما كان سيدفع الجمهوريين إلى مكاسب أكبر.
لذا يرى كثير من المراقبين أن تواجد ترامب في المعركة الانتخابية الأخيرة منح الديمقراطيين بشكل أساسي شيئا للترشح من أجله، بخلاف القضايا التي كانوا سيخسرون بسببها، وهي الاقتصاد. اذن لا فضل لبايدن ولا سياساته في تلافي خسارة كبيرة لحزبه ولا لفضل لترامب ونهجه القائم على نظرية المؤامرة فيما حققه حزبه من انتصار طفيف. وهذا ما كان جليا أمام الناخب الأمريكي الذي أرسل رسائل واضحة في هذا الاتجاه.. سواء الجمهوري الذي كانت رسائله واضحة في فلوريدا التي برز فيها نجم حاكمها رون ديسانتيس الذي حقق فيها فوزا تاريخيا ساحقا بأكبر هامش يفوز به حاكم في هذه الولاية منذ 40 عاما، وهو فوز سيجعله منافسا رئيسيا لترامب للفوز بترشيح الحزب لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، أو الناخب الديمقراطي في ولاية كاليفورنيا التي فاز حاكمها جافين نيوسوم بكل سهولة على خصمه الجمهوري في حملة ركزت على قضايا السياسة الوطنية مثل الهجرة والإجهاض.. وهو وجه يرى كثير من الناخبين الأميركيين أنه الأجدر بتمثيل الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة المقبلة إذا ما أراد الحزب أن تكون له فرصة في الفوز بهذه الانتخابات.. خاصة بالنظر إلى شعبيته الكبيرة وعمره الذي لم يتجاوز الخامسة والخمسون مقارنة بمرشح قد ينهي دورته الرئاسية الثانية وهو في عمر الـ86 إذا قدر له خوضها والفوز بها.