ليس صحيحاً أن إسرائيل لا تملك خطة لليوم التالي
بدأ اجتياح خان يونس البرّي بالدبابات الإسرائيلية التي ستحاول التوغل في عمق المدينة وصولاً إلى البحر لقطعها عن محيطها. هذا تطور خطير نظراً لأهمية خان يونس التي انتظر العديد من المراقبين أن يحاول الجيش الإسرائيلي اجتياحها بعد أن ينهي عملية السيطرة على المحافظات الشمالية والوسطى من قطاع غزة.
لكن مع الأيام تتكشف الخطة الإسرائيلية أكثر. فهي تذكرنا كثيراً بالتكتيك الإسرائيلي الذي طوره أرييل شارون يوم كان وزيراً للدفاع الإسرائيلي خلال اجتياح لبنان عام 1982. يومها سارت الدبابات الإسرائيلية نحو بيروت وطريق بيروت – دمشق الدولي بسرعة، وبلغتهما حتى قبل أن تنهي السيطرة خلف الخطوط في الجنوب والجبل والبقاع الغربي.
في حالة قطاع غزة يسارع الإسرائيليون الذين يعرفون أنهم لا يملكون الكثير من الوقت لإتمام العملية البرية، فيتركون مدينة غزة وجوارها لقتال متدرج، وينقضّون في أقل من يومين على المحافظتين الوسطى والجنوبية تحديداً في خان يونس من أجل الإسراع في تقطيع أوصال القطاع، ومحاولة اسقاطه بالتقسيط. وعلى الرغم من المقاومة الشرسة من قبل الفصائل، والخسائر الكبيرة نسبياً التي يوقعونها بالجيش الإسرائيلي، يبدو أن الأخير مستعد لدفع فاتورة مرتفعة نسبياً في محاولة لحسم الصراع على الأرض. ولذلك نرى أهالي الرهائن يتظاهرون نظراً لإحساسهم بأن بند اطلاق الرهائن ليس في أعلى قائمة الأهداف الإسرائيلية، بل إنه في المرتبة الأخيرة.
فالدولة الإسرائيلية العميقة القائمة على تقاطع الجيش وأجهزة الأمن من ناحية مع المؤسسة السياسية بشكل عام، تشكل الغطاء الكافي لمواصلة الحرب على قاعدة أن الدخول في “بازار” الرهائن والهدن الإنسانية سينهي الحرب بانتصار حاسم لحركة “حماس”، وهزيمة تاريخية مهولة بالنسبة الى إسرائيل.
انطلاقاً مما تقدم لا يصح تصديق مقولة إن إسرائيل ليست لديها خطة لليوم التالي. هذا خطأ ربما يراد منه حرف الأنظار عن الخطة التي تبدو لنا واضحة وضوح الشمس. فهي تتمثل أولاً بمحاولة تحقيق انتصار واضح في الحرب ضد “حماس” والفصائل الفلسطينية من خلال تقويضها عسكرياً، وبالتالي تغيير واقع غزة تماماً بعدما تصبح منزوعة من السلاح. ثانياً تشكيل هيكل أمني جديد إسرائيلي – فلسطيني – عربي – إقليمي (تركيا) – دولي جديد يمسك بالقطاع ريثما يسارع الأميركيون والعرب الى إعادة اطلاق عملية سياسية لا تزال أطرها غير معروفة لغاية الآن. ثالثاً، التباطؤ في اعادة الحياة الطبيعية الى غزة بعد تغيير واقعها الأمني والعسكري لمدة طويلة لدفع من أمكن من أهلها الى الهجرة. رابعاً لا تتحدث إسرائيل التي تُحكم من القوى السياسية اليمينية والمتزمتة عن حل الدولتين. وستنتهي ولاية الرئيس جو بايدن دون أن يتمكن من الدفع في اتجاه حل الدولتين. خامساً، في اللحظة التي يسيطر فيها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة سيفتح ملف الأمن على الحدود الشمالية من خلال تصعيد كبير يهدف إلى فرض هدنة طويلة الأجل تقوم على خلق منطقة منزوعة السلاح في الجنوب اللبناني لغاية 40 كيلومتراً.
إن إسرائيل تملك خطة لليوم التالي. الآخرون لا يملكون خطة موحدة ومتسقة لمواجهتها بها بما يعيد القضية الفلسطينية الى السكة الصحيحة، أي الى حل الدولتين القابلتين للحياة جنباً الى جنب!