ما قصة الخوف والكذب بين أردوغان وترامب؟
إيان جيه. لينش
ثمة قليل من الغموض يكتنف وجهة نظر أربيل غونستي حول العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا. فكتابه الجديد (مُغير اللعبة: بطاقة ترامب: تركيا وأردوغان) يعج بالأخطاء الطباعية وعدم الاتساق، ويدعي أن تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان هي الوحيدة القادرة على ضمان نجاح الولايات المتحدة في تحقيق أهداف سياستها الخارجية.
غونستي، الذي كان المسؤول الإعلامي لرئيس الوزراء عندما كان أردوغان يتولى المنصب في الفترة من 2002 إلى 2007، وشريكة حياته، دافني باراك، يؤيدان منذ زمن طويل الرئيس دونالد ترامب، وقاما بتمثيله كمندوبين في مؤتمر الحزب الجمهوري لعام 2016.
في مقدمة الكتاب، كتب غونستي أنه “سينضم إلى إدارة (ترامب) بحلول وقت نشر هذا الكتاب”. حتى الآن، لم يتم تعيينه في أي منصب في الحكومة الأميركية.
ومع ذلك، من الصعب أن تؤخذ خبرة غونستي المعلنة على محتوى الكتاب بجدية نظراً لأن الكتاب تفوح منه رائحة السرقة الأدبية في أكثر من موضع. فقد تم نسخ ولصق صفحات كاملة في الكتاب مباشرة من مقالات منشورة في وسائل الإعلام بما في ذلك من وكالة رويترز للأنباء ومجلة فوربس ووكالة بلومبرغ للأنباء وصحيفة الجارديان وغيرها الكثير دون أي إشارة تعطي لمؤلفي هذه الاقتباسات المباشرة الحق الأدبي.
ومن السهل تحديد موقع المقتبسات المكررة نظراً لأن غونستي يقدم الروابط الإلكترونية للمقالات الموجودة في حواشي الكتاب، لكنه في معظم الحالات لا يكلف نفسه عناء استخدام علامات الاقتباس أو المسافات البادئة عندما ينقل فقرات كاملة من كتابات الأفراد الآخرين. ولا يتعدى محتوى الكتاب جودة كتابته الرديئة.
وفي ظل أن ترامب ومؤيديه يمثلون الجمهور المستهدف للكتاب، يلعب غونستي على المخاوف من هجرة المسلمين، ويلقي باللوم على الرئيس باراك أوباما ومن سبقوه في جميع مصاعب الولايات المتحدة، الحقيقية والمتخيلة على حد سواء، ويروج لأشياء تركيا الكبرى: مطار إسطنبول الضخم وآلاف الأميال من السكك الحديدية في البلاد وصناعة الدفاع المتنامية وملايين السياح الذين تجذبهم.
ويتحول الكتاب جيئةً وذهاباً بين التفاخر بنقاط قوة تركيا والتشدق بمجموعة من مظالم إدارة أردوغان لدى الغرب. وإما يغفل الكتاب تجاوزات أنقرة، أو يصورها على أنها مشروعة، بل وتعود بالنفع.
ويشدد الكتاب على أن سمات تركيا الجيوسياسية والإرادة السياسية الحازمة تجعلها “قوة إقليمية مهيمنة” لها نفوذ على جيرانها في الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط ووسط آسيا، وكذلك روسيا والصين.
إن غونستي مُحق في أن تركيا تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي فريد يمكنها استخدامه لتحقيق مصالحها. فقد كانت روسيا حريصة على إرسال الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر تركيا، ودمجت الصين تركيا في مبادرة الحزام والطريق، وقد سعت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة إلى التعاون مع تركيا في عمليات مكافحة الإرهاب وإرساء دعائم الاستقرار في الشرق الأوسط.
لكن بعيداً عن هذه الحقائق المبسطة بصورة مفرطة، فإن الكثير من حديث غونستي يشوه الواقع ويردد ما يقوله أردوغان نفسه. حتى عند التعامل مع المشاكل التي يمكن أن تجادل تركيا بشكل مشروع أن الغرب لا يقدرها تماماً، فإنه يفشل في تسليط الضوء على الحقيقة.
وفيما يتعلق بقضايا مثل دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد وعملية انضمام تركيا المتوقفة إلى الاتحاد الأوروبي، قام غونستي بتوجيه اللوم للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على غبائهما دون أن يكلف نفسه عناء تحديد الحقائق الفعلية للوقائع التي تفسر سبب شكاوى تركيا الحقيقية من تصرفاتهما.
ويتجاهل معظم ما تبقى من الكتاب طرح مناقشة جادة تماماً وذلك من أجل الانشغال بنظريات المؤامرة. وفيما يتعلق بموضوع الشرق الأوسط، يستخدم غونستي انتقادات شديدة لأنصار العولمة بمن فيهم آخر ثلاثة رؤساء للولايات المتحدة. ويكتب مراراً وتكراراً أن قرار أوباما نشر قوات أمريكية في إطار التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كان “مهمة سياسية” تهدف إلى “تسليح سوريا ضد ترامب”.
ومن خلال قيادة التحالف الدولي، تم إطلاق عملية الولايات المتحدة التي تسمى العزم الصلب في عام 2014 لتحقيق هزيمة تنظيم داعش في المنطقة، وكان ذلك قبل وقت طويل من إعلان ترامب ترشحه للرئاسة. ولم يتحقق هذا الهدف حتى مارس 2019 واستمرت عملية العزم الصلب حتى يومنا هذا لضمان الهزيمة المستمرة لداعش، على الرغم من الانسحاب الجزئي الذي أمر به ترامب في شهر أكتوبر الماضي عشية غزو تركيا لشمال شرق سوريا.
وبالانتقال إلى شرق البحر المتوسط، أكد غونستي مراراً وتكراراً نقطة حديث أردوغان عن أن تركيا تسيطر على معظم موارد البحر الطبيعية ولديها حقوق قانونية فيها. وينتقد جمهورية قبرص لقيامها “بالإعلان من جانب واحد” عن مناطق التنقيب عن النفط والغاز ويصف الأمم المتحدة بالنفاق لعدم الاعتراف بجمهورية شمال قبرص التركية، التي يتفاخر بأن تركيا تمكنت من إنشاءها بمفردها.
ومع ذلك، فإن فكرة أن قبرص قد تصرفت من جانب واحد في انتهاك للقانون الدولي هي فكرة هزلية. قبرص، وهي عضو معترف به دولياً في الأمم المتحدة، لديها معاهدات مع مصر وإسرائيل ولبنان تحدد حدودها البحرية كما يدعم الاتحاد الأوروبي مطالبها في المنطقة الاقتصادية الخالصة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
وعلى الرغم من ذلك يرى غونستي أن كل هذه الأمور ليست مهمة، لأن المناورات العسكرية البحرية التركية الضخمة تثبت أنها تسيطر على الكثير من البحار حولها وأن الغرب ليس في وضع يمكنه من معارضة ما تمليه تركيا على المنطقة. وفي واقع الأمر، تركيا معزولة إلى حد كبير في الشؤون الإقليمية.
لإثبات تفوق قوة تركيا، يدعي غونستي أن “من بين 200 سفينة حربية موجودة في هذا البحر شبه المغلق، 90 في المئة منها، بما في ذلك النصف الخاص بالقوى الأوروبية الغربية، تتنافس مع البحرية الأميركية”.
ومضى يقول “بدأ الاتحاد الأوروبي في بناء بحريته الخاصة بموجب بيتكو. بالنسبة للعديد من خصومه الرئيسيين، هناك حلف الناتو الخاضع لقيادة الولايات المتحدة، بدلاً من أي من القوى الشرقية”. من بين الأخطاء المطبعية العديدة في الكتاب، يشير مصطلح “بيتكو” إلى التعاون الهيكلي الدائم (بيسكو)، الذي يعد جزءاً من سياسة الاتحاد الأوروبي الأمنية والدفاعية.
صحيح أن ثمة اهتماماً متجدداً بين دول الاتحاد الأوروبي في السعي لتحقيق التكامل الهيكلي لقدراتها العسكرية وهذا الاهتمام مدفوع إلى حد ما بعدم اليقين بشأن مستقبل حلف الناتو، ويرجع ذلك جزئياً إلى موقف ترامب المتضارب من الحلف.
ومع ذلك، فإن المشاكل الأمنية في جوار الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الحرب الأهلية في سوريا والحرب الأهلية في ليبيا وأزمات الهجرة التي أعقبتهما، تمثل الدوافع الرئيسة وراء قيام 25 من أعضاء الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم الآن 27 بتفعيل التعاون الهيكلي الدائم (بيسكو) في عام 2017.
يركز غونستي في كثير من الأحيان على تهديد الهجرة إلى أوروبا. ويؤكد أن تركيا “أنقذت أوروبا مرتين من دمار تام” عن طريق وقف تدفق ملايين اللاجئين.
ويقول غونستي، وهو يصور أردوغان زعيماً للأمة الإسلامية، إن تركيا يمكن أن تكون “صمام ضغط” لصالح “الأوروبيين الغربيين المسيحيين البيض” الذين يمكن تدمير حضارتهم بسبب تدفق “اللاجئين غير الشرعيين” المتجهين إلى أوروبا.
ومن خلال التطرق إلى مخاوف كراهية الأجانب وسط قاعدة ترامب والحركات القومية المتطرفة المماثلة في أوروبا، يشير غونستي إلى أن تركيا يمكن أن تكون منقذ الحضارة الغربية أو يمكنها أن تستخدم موقعها الجغرافي الاستراتيجي لفتح أبوابها للهجرة المزعزعة للاستقرار.
ولتأكيد زعمه أن تركيا قوة كبرى تحتاجها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أكثر مما تحتاج تركيا إليهما، يكتب غونستي مراراً وتكراراً أنه بحلول عام 2030، ستكون الولايات المتحدة ثالث أكبر اقتصاد في العالم وستصعد تركيا لتصبح خامس أكبر اقتصاد في العالم لتتفوق على ألمانيا وبريطانيا وفرنسا.
وتشير دراسة أجرتها مؤسسة بي دبليو سي جلوبال إلى أن الولايات المتحدة ستكون ثالث أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2050، لكنها لا تضع تركيا في قائمة الدول العشر الأولى. وتتوقع الدراسة أن تتفوق تركيا على فرنسا، ولكنها لن تتفوق على ألمانيا أو بريطانيا.
وبشكل عام، تتفق مؤسسة بي دبليو سي جلوبال مع الادعاء الأوسع لغونستي بأن الاقتصادات الناشئة ستقوم بتغيير القوة الاقتصادية لمجموعة السبع، لكنها تحذر من أن هذا قد يحدث وتقول “تحتاج الاقتصادات الناشئة إلى تعزيز مؤسساتها وبنيتها التحتية بشكل كبير إذا أرادت أن تحقق قدراتها على النمو على المدى الطويل”.
علاوة على ذلك، يزعم غونستي أن تركيا تحتل بالفعل المرتبة الخامسة من حيث القوة العسكرية، لكن ترتيب القوة العسكرية لعام 2020 يضع تركيا خارج المراكز العشرة الأولى عالمياً، في حين احتلت مصر المنافسة الإقليمية مرتبة أعلى إذ حلت في المرتبة التاسعة.
ويوضح تقرير لبول إيدن في موقع (أحوال تركية) أنه على الرغم من أن تركيا قد طورت قطاعها الصناعي العسكري وحققت بعض النجاح، إلا أن التقدم في مجالات القوة الرئيسة بما في ذلك بحريتها وطائراتها المقاتلة المتطورة كان محدوداً.
أكثر ما يوضحه كتاب (مُغير اللعبة) يتمثل في جذور تقارب ترامب وأردوغان، مدعومة بدوافع استبدادية في مجموعة واسعة من القضايا. قد يكون الاثنان مهيئين للتعاون في العديد من الأمور المترابطة، ولكن إذا تركا لفرض رؤاهما المشتركة بحرية، فإن هذا التعاون سيفيدهما في الأساس على الصعيد السياسي على حساب المصالح الأمنية والاقتصادية لبلادهما.
ثمة كتب أفضل بكثير توفر تفسيرات دقيقة لمظالم تركيا المشروعة لدى القوى الغربية، وتقدم تصويراً دقيقاً لنقاط قوة وضعف تركيا، وتحقيقاً متوازناً للمصائب التي تتحمل أنقرة مسؤوليتها. لا يقدم الكتاب مثل هذا التحليل المباشر.
الأوبزرفر العربي