ماذا يعني تعيين بريت ماكغورك بالنسبة لتركيا؟
بول إيدن
لن ترحب أنقرة بتعيين بريت ماكغورك منسقا للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي لإدارة بايدن القادمة، إذ يمكن أن يكون لهذا الاختيار تداعيات كبيرة على العلاقات الأميركية التركية.
كان ماكغورك المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف العسكري متعدد الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في كل من إدارتي أوباما وترامب. وتعامل بذلك مع قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد ودافع عنها. ويذكر أن قوات سوريا الديمقراطية تشمل وحدات حماية الشعب، الفرع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وهي موالية لعدو تركيا: حزب العمال الكردستاني.
وتبقى قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب حليفة أميركا الرئيسية ضد داعش في سوريا، إذ بذلت قصارى جهدها لمحاربة التنظيم على مدار السنوات الست الماضية، وتكبدت ما لا يقل عن 11 ألف قتيل في مساعيها لتدمير دولة الخلافة المزعومة.
وقد استقال ماكغورك في ديسمبر 2018 احتجاجا على إعلان الرئيس دونالد ترامب أنه سيسحب جميع القوات الأميركية من سوريا. وعندما أمر ترامب من جانب واحد بسحب القوات من الحدود السورية التركية في أكتوبر 2019 بعد مكالمة هاتفية مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، شنت أنقرة غزوا مدمرا عبر الحدود انتقده ماكغورك، الذي لم يكن في منصبه آنذاك. وعندما تعرضت القوات الأميركية لإطلاق النار من القوات التركية خلال تلك العملية، غرّد بأن ذلك “لم يكن خطأ”.
عندما شنت الولايات المتحدة غارة على محافظة إدلب شمال غرب سوريا اغتالت زعيم داعش أبو بكر البغدادي في نفس الشهر، وكتب ماكغورك افتتاحية في صحيفة واشنطن بوست أشار فيها إلى أن مخبأ البغدادي كان بالقرب من وجود عسكري تركي كبير وأن على أنقرة أن تشرح ذلك.
وأثناء شغله لمنصبه المهم في الحكومة، غالبا ما انتقدت الحكومة التركية وأبواقها الإعلامية ماكغورك، واتهمته بدعم حزب العمال الكردستاني. وبعد الإعلان عن تعيينه الجديد، قال مسؤول تركي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، لموقع ميدل إيست آي: “دون أدنى شك، أضر ماكغورك بالعلاقات التركية الأميركية”.
كما أبدى المحللون الذين استشارهم موقع أحوال تركية وجهات نظرهم حول ما يمكن أن يعنيه هذا التعيين للعلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا بعد انتقال السلطة في واشنطن العاصمة.
وقال الباحث الزائر في صندوق مارشال الألماني، نيكولاس دانفورث: “بينما أحذر من الإفراط في التفكير في أي تعيين، يبقى هذا بالتأكيد دليلا إضافيا على الظرف الصعب الذي سيقضيه أردوغان مع الإدارة الجديدة. فبغض النظر عن شعور أنقرة تجاه بريت ماكغورك، تكمن مشكلتهم الأكبر في أن الكثير من المعيّنين في الحكومة الأميركية يشاركونه وجهة نظره تجاه تركيا”.
ويتوقع دانفورث “صبرا أقل” تحت إدارة بايدن فيما يتعلق بموقف أنقرة بشأن مجموعة متنوعة من القضايا التي تتراوح من شرائها المثير للجدل لأنظمة الدفاع الجوي الروسية إس-400 إلى الوضع في سوريا.
ويرى الخبير بالشؤون التركية في جامعة جورج ميسون، سليمان أوزيرين، أن هذا التعيين مهم لأن دور ماكغورك “سيكون أكثر أهمية وأوسع من مسؤولياته السابقة فيما يتعلق بسوريا والعراق”. ومع ذلك، يتوقع أن تتبع إدارة بايدن “خيارات متنوعة للتعامل مع مشكلة أردوغان في تركيا، بما في ذلك السعي لإجراء حوار في البداية”. لكنه قال إن “المشاكل العالقة، مثل الأكراد في سوريا ومسألة إس-400، يمكن أن تقوض صبر إدارة بايدن القادمة بنسق أسرع مما قد تتوقعه أنقرة”.
ليس ماكغورك الشخص الوحيد في الإدارة القادمة الذي انتقد أردوغان. فقد وصف الرئيس المنتخب بايدن نفسه الزعيم التركي سابقا بأنه “مستبد” وقال إن إدارته ستعطي الأولوية للدفاع عن الديمقراطية وسيادة القانون. وقال أوزيرين: “تكمن مشكلة أردوغان في أنه إذا تحرك نحو الديمقراطية بالمعنى الحقيقي، فقد يعني ذلك نهايته”. وبالتالي، ولاسترضاء إدارة بايدن، من المرجح أن “يتظاهر أردوغان بتنفيذ الإصلاح نحو سيادة القانون دون التخلي عن حكمه الاستبدادي”.
وأضاف أوزيرين: “أعتقد أن حكم أردوغان الاستبدادي وسياساته المارقة تعد عوامل رئيسية في التوترات بين أنقرة وواشنطن”. بعبارة أخرى، يحتاج أردوغان إلى السيطرة على التوترات للحفاظ على سلطته في تركيا. ويتوقع أن تكون سياسة إدارة بايدن تجاه سوريا استمرارا لسياسة إدارة أوباما، مع بقاء قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب “مصدرا رئيسيا للتوتر” بين واشنطن وأنقرة.
وقال: “بينما يعتقد البعض في فريق بايدن أن بإمكانهم العمل مع تركيا في سوريا، من المحتمل أن تكون هناك مجالات مواجهة أكثر من التعاون ما لم تُجر أنقرة تغييرات كبيرة في السياسة تجاه الأكراد في سوريا وتركيا في هذا الصدد”.
ويتوقع المحلل السياسي التركي المقيم في أنقرة، علي بكير، أن تتبنى إدارة بايدن العديد من السياسات التي اتبعها أوباما. وقال إن “بايدن يبيع النبيذ القديم في زجاجة جديدة”. فقد ملأ إدارته برجال أوباما. وتتضاءل بذلك التوقعات برؤية شيء فريد أو جديد من إدارته على مستوى السياسة الخارجية. ويعتقد بكير أن هذا سيؤدي إلى اضطرار الشرق الأوسط “لمواجهة كوارث مماثلة لتلك التي اندلعت في ولاية إدارة أوباما الثانية”.
وقال: “لذلك، لا يلقى تعيين ماكغورك في هذا المنصب قبولا إيجابيا في أنقرة بالتأكيد. وأود أن أقول إن هذا هو موقف الأغلبية في المنطقة باستثناء الميليشيات التابعة لحزب العمال الكردستاني، مثل حزب الاتحاد الديمقراطي السوري (الذراع السياسي لوحدات حماية الشعب)، والحرس الثوري الإيراني”.
منذ أن ترك أوباما منصبه، شنت تركيا غارات برية متتالية ضد قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب. وغزت منطقة عفرين الشمالية الغربية في يناير 2018، ثم احتلت مساحة واسعة من الأراضي الواقعة بين المناطق الكردية السورية الرئيسية في الشمال الشرقي في أكتوبر 2019.
في ضوء هذه العمليات، يحسب المسؤولون الأتراك أنهم خلقوا “حقائق جديدة” أو حقائق على الأرض في شمال سوريا من شأنها أن تمنح إدارة بايدن وماكغورك مساحة صغيرة أو معدومة للمناورة في ذلك البلد. وقال علي بكير: “أود أن أقول إن تعيين ماكغورك سام للعلاقات الأميركية التركية وأنه لا يزال بإمكانه تعميق الخلاف بين البلدين بسبب منظوره الضيق والخاطئ للمنطقة”.
الأوبزرفر العربي