مجلس النواب الأميركي يحيل ترامب إلى المحاكمة أمام مجلس الشيوخ بتهمتي استغلال السلطة وعرقلة عمل الكونغرس
أحال مجلس النواب الأميركي ليل الأربعاء الرئيس دونالد ترامب إلى المحاكمة أمام مجلس الشيوخ بتهمتي استغلال السلطة وعرقلة عمل الكونغرس، ليصبح بذلك ثالث رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يواجه إجراءً رسمياً لعزله.
وسارع الرئيس الجمهوري (73 عاماً) إلى التنديد بالتصويت التاريخي الذي جرى ضدّه في مجلس النواب، متهّماً خصومه الديموقراطيين الذين يسيطرون على المجلس بأنّهم مدفوعون بـ”الحسد والحقد والغضب” و”يحاولون إبطال تصويت عشرات ملايين الأميركيين” الذين انتخبوه رئيساً في 2016.
وبأغلبية 230 صوتاً مقابل 197 وامتناع نائب واحد عن التصويت، وافق مجلس النواب على توجيه تهمة استغلال السلطة إلى الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة.
وبعدها بدقائق وجّه المجلس إلى ترامب تهمة ثانية هي عرقلة عمل الكونغرس والتي أقرّت بأغلبية 229 صوتاً مقابل 198 وامتناع نائب واحد عن التصويت.
وبموافقة مجلس النواب على هذا القرار الاتّهامي انتقلت القضية إلى مجلس الشيوخ الذي سيباشر محاكمة ترامب في كانون الثاني/يناير على الأرجح.
لكن بعد لحظات من التصويت التاريخي لم تحدد رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي موعد تسليم الملف إلى مجلس الشيوخ.
في مؤتمر صحفي عقد مباشرة بعد التصويت ، قالت بيلوسي “سنرى ما سيحدث” عندما سئلت عما إذا كانت سترسل الملف إلى مجلس الشيوخ.
وقالت إن الديمقراطيين في مجلس النواب لا يمكنهم تسمية مديري الإقالة – المدعون العامون في مجلس النواب الذين سيرفعون القضية في إحدى جلسات مجلس الشيوخ – إلى أن تتضح الرؤية حول كيفية إجراء مجلس الشيوخ للمحاكمة.
جاءت تصريحات بيلوسي بعد أن رفض زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل اقتراحًا في وقت سابق من هذا الأسبوع من زعيم الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ تشاك شومر لاستدعاء عدة شهود.
وعندما سئلت عما إذا كانت ستضمن أنها سترسل الملف ، قالت “هذه ستكون نيتنا” لكنها استدركت بأنهم سيرون ما يقرره مجلس الشيوخ.
غير أنّه خلافاً لمجلس النواب فإنّ مجلس الشيوخ يهيمن عليه الجمهوريون بأغلبية 53 سناتوراً مقابل 47 وقد سبق لهؤلاء أن أكّدوا أنّهم يعتزمون تبرئة ترامب من هاتين التهمتين.
لكن مع ذلك يبقى التصويت الذي حصل في مجلس النواب الأربعاء تاريخياً، إذ إنّه في تاريخ الولايات المتحدة بأسره لم يُحلْ إلاّ رئيسين للمحاكمة أمام مجلس الشيوخ، هما آندرو جونسون في 1868 وبيل كلينتون في 1998، وقد برّئ كلاهما في مجلس الشيوخ.
أما ريتشارد نيكسون، فاستقال في 1974 قبل أن يصوّت مجلس النواب على إحالته إلى المحاكمة على خلفية فضيحة ووترغيت.
وللمفارقة فإنّه في الوقت الذي كان مجلس النواب يصوّت فيه على اتهام ترامب كان الملياردير الجمهوري يلقي على بعد ألف كيلومتر من واشنطن خطاباً أمام حشد من أنصاره في تجمّع انتخابي في مدينة باتل كريك بولاية ميشيغان.
وسارع ترامب إلى التنديد بقرار مجلس النواب قائلاً “بينما نحن نخلق الوظائف ونقاتل من أجل ميشيغان، فإنّ اليسار الراديكالي في الكونغرس ينهشه الحسد والحقد والغضب، وأنتم ترون ما يجري الآن”.
وأضاف أنّ “الديموقراطيين يحاولون إبطال تصويت عشرات ملايين الأميركيين” الذين انتخبوه رئيساً في 2016، متّهماً خصومه بأنّهم أقدموا لتوّهم على عملية “انتحار سياسي”.
وأتى القرار التاريخي لمجلس النواب قبل أقلّ من عام من الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 والتي يعتزم ترامب خوضها للفوز بولاية ثانية.
وباستثناء عدد ضئيل للغاية فقد صوّت معظم النواب الديموقراطيين لصالح القرار الاتهامي ومعظم النواب الجمهوريين ضدّه، في حين شهدت الجلسة التي جرى في نهايتها التصويت واستمرت ساعات طويلة تبادل اتهامات بين الحزبين.
وقالت رئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي عند بدء الجلسة إنّه “من المأسويّ أن تصرفات الرئيس الطائشة جعلت من الضروري البدء بإجراءات العزل”، مضيفة “ما نناقشه اليوم هو الحقيقة الراسخة بأنّ الرئيس انتهك الدستور. ومن المؤكد كحقيقة أنّ الرئيس يمثل تهديدا مستمراً لأمننا القومي ونزاهة انتخاباتنا”.
ونفى النائب الجمهوري داغ كولينز ذلك وقال “الرئيس لم يرتكب خطأ”، مؤكّداً أنّ الديموقراطيين “قالوا لأنفسهم، إذا لم نستطع هزيمته (في الانتخابات) فدعونا نحاكمه لعزله .. الأميركيون سيرون ذلك بوضوح”.
أما ديبي ليسكو الجمهورية من أريزونا، فقالت إن ترامب يتعرّض “لعملية هي الأكثر ظلماً وتحيّزاً سياسياً شاهدتها في حياتي”.
وأضافت “لا يوجد أي دليل على أنّ الرئيس ارتكب مخالفة توجب العزل… هذه عملية عزل هي الأكثر حزبية في تاريخ الولايات المتحدة”.
من ناحيته قال النائب الديموقراطي آدم شيف، الذي أشرف على التحقيق، إنّ الملياردير الجمهوري “كان مستعداً للتضحية بأمننا القومي (…) في سبيل تعزيز فرصه في إعادة انتخابه”، واتّهم الرئيس بأنّه “حاول أن يغشّ وافتضح أمره”، مؤكّداً أنّ “الخطر ما زال قائماً”.
وخاطر بعض النواب الديموقراطيين ممّن يمثّلون مناطق محافظة بخسارة الانتخابات العام المقبل بتصويتهم لصالح عزل الرئيس، لكنّهم مع ذلك قرّروا الاصطفاف خلف حزبهم في التصويت.
وكان ترامب استبق الجلسة بالتأكيد على أنّه لم يرتكب “أي خطأ”، وذلك غداة توجيهه رسالة إلى بيلوسي شبّه فيها إجراءات العزل بـ”محاولة انقلاب”.
وقال الرئيس في تغريدة على تويتر “هل يمكنكم تصديق أنّه سيتم إطلاق إجراءات عزلي اليوم من قبل اليسار الراديكالي، (من قبل) الديموقراطيين الذين لا يقومون بشيء، بينما لم أرتكب أي خطأ! إنه أمر فظيع”، مضيفاً “يجب أن لا يحصل هذا الأمر مع أي رئيس آخر”.
والثلاثاء قال ترامب في رسالة استثنائية من ستّ صفحات مخاطباً رئيسة مجلس النواب إن “التاريخ سيحكم عليك بشكل قاس”، متّهماً الزعيمة الديموقراطية المخضرمة بـ”انتهاك ولائها للدستور” وإعلان “حرب مفتوحة ضد الديموقراطية الأميركية”.
وردّت بيلوسي على ترامب بالقول إنّ رسالته “مريضة حقًا”.
وترامب متّهم بمحاولة الضغط على أوكرانيا لفتح تحقيق بشأن خصمه الرئيسي في انتخابات 2020 جو بايدن.
وهو متّهم كذلك بعرقلة الكونغرس عبر رفضه التعاون مع التحقيق الرامي لعزله، إذ منع موظفين من الإدلاء بشهاداتهم ورفض تقديم وثائق كأدلة.
الاستقطاب الحادّ بين الحزبين في مجلس النواب انعكس في استطلاعات الرأي التي جرت أخيراً.
وقال 50 بالمئة ممن شملهم استطلاع للرأي أجرته شبكة “فوكس نيوز” إنّهم يؤيّدون عزل ترامب من منصبه، في حين أبدى 41 في المئة رفضهم لعزله.
وفي استطلاع آخر أجرته شبكة “سي إن إن” قال 45 في المئة ممن شاركوا فيه إنّهم يؤيّدون عزل الرئيس بينما قال 47 في المئة إنهم يرفضون ذلك.
وفي استطلاع ثالث أجرته شبكة “أن بي سي” وصحيفة “وول ستريت جورنال” أتت النتيجة متساوية بين 48% يؤيدون عزله و48% يعارضونه.
وسجّلت تظاهرات مؤيّدة لعزل ترامب في عدة مدن بينها نيويورك وبوسطن ونيو أورلينز ولوس أنجليس.
بالمقابل اعتبر أنصار لترامب في باتل كريك إن ما يتعرض له الرئيس ظلم. وقالت إحدى مؤيّدات ترامب وتدعى ويندي تيمرمان “هناك رجل بريء يحاكم على كمّ من الهراء”، في حين قال مؤيد آخر يدعى جو بونتراغر “ليس لديّ أدنى شك: هذه عملية احتيال!”.