محاولات قطرية وتركية لقطع طريق الحلول السياسية في ليبيا
يواصل كل من النظامين القطري والتركي، عسكرة المشهد من خلال دعمهما للميليشيات إرهابية، ولقطع الطريق أمام الحل السياسي للأزمة الليبية، بينما تستمر المحاولات لإيجاد مخارج تنهي الأزمة الدائرة في ليبيا منذ سنوات، والتي كان الشعب هو أكبر الخاسرين فيها.
ففي الوقت الذي لا يزال اتفاق وقف إطلاق النار مستمر على الأراضي الليبية، أعلن الجيش الوطني الليبي سيطرته على “معسكر المغاوير”، في مدينة أوباري جنوبي البلاد، بعد أن رصد تواجد عناصر إرهابية داخله، مما يشكل خطرا لإمكانية إدخالها التنظيمات المتطرفة إلى المنطقة، وفي مقدمتها القاعدة.
وقال مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الوطني الليبي، اللواء خالد المحجوب لـوسائل الاعلام، الأحد، أنه “كان من الضروري تحرك القوات في كل الاتجاهات لتأمين المنطقة من دخول المجموعات الإرهابية التي تتواجد هنا أو هناك، خاصة بعد أن تم القبض على تلك المجموعة والتحقيق معها ومعرفة ما يمكن أن تقوم به”.
وبعد أن أثبت الجيش الليبي أن تحركات العناصر الإرهابية على الأرض لا تزال مستمرة، مدعومة بأسلحة من النظام التركي، وبتمويل قطري، زادت حكومة فايز السراج بطرابلس، حشدها للميليشيات والمرتزقة قرب خطوط التماس.
وأعربت القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية، في بيان الاثنين، عن “قلقها إزاء الحشود المتزايدة للمليشيات التابعة لما يعرف بـحكومة الوفاق في طرابلس ومصراتة، وكذلك عمليات نقل مليشيات وأسلحة ومعدات عسكرية باتجاه خطوط التماس غرب سرت والجفرة”.
وأضاف البيان: “بناء على ذلك، فقد أصدرنا تعليمات وأوامر إلى كافة وحدات القوات المسلحة أن تكون على درجة عالية من الحيطة والحذر، وعدم الانجرار وراء الاستفزازات، التي يمكن أن تؤدي إلى تصعيد الموقف العسكري”.
كل تلك المستجدات التي شهدتها الساحة الليبية ميدانيا، تعيد تسليط الضوء على التدخل القطري التركي المباشر في الأزمة، كونها حلقة مفرغة تبدأ بالتمويل القطري، والأسلحة والمسلحين من تركيا، فأوامر تصدرها حكومة السراج (بالتبعية) لميليشياتها، لتشعل الأخيرة الوضع على الأرض.
ولعل أبرز الأدلة على وجود تلك الحلقة المفرغة، هي صفقة طائرات “بيرقدار” المسيرة، التي كانت بين تركيا وقطر، وتم الاحتفال بها بالفعل في 13 يناير في أدرنة التركية، وبدلا من أن يتم نقلها إلى قطر، جاءت موافقة الحكومة القطرية على إرسالها إلى حكومة السراج في ليبيا.
وأوضح مدير مركز الأمة للدراسات، محمد الأسمر، أن الطائرات تم تسييرها بالكامل من خلال شركة سلجوق بيرقدار، صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ثم توالت العمليات بالتمويل والتنسيق المباشر “في إطار التحالف التركي القطري لإعادة إحياء مشروع الإخوان في ليبيا”.
وأوضح الأسمر أنه بعد أن أصدرت اللجنة العسكرية (5+5) بيانها بوقف كل الاتفاقيات العسكرية والتدريب على الأراضي الليبية من قبل القوات الأجنبية، أصدرت حكومة الوفاق من خلال وزير الدفاع الإخونجي خالد المشري، تصريحات تشدد على أن هذه البنود “لا تمس الاتفاقيات مع النظام التركي”، وبالتالي التمويل القطري للمجموعات المسلحة.
وتابع: “شهدنا في مطلع نوفمبر الماضي اتفاقيات أمنية وعسكرية بين حكومة السراج وقطر، تخول الأخيرة التدخل في العديد من التفاصيل الأمنية، بما فيها وحدات التدريب”.
وفي نوفمبر الماضي، وقعت قطر اتفاقية عسكرية مع حكومة السراج، تتيح لها التواجد العسكري على الأراضي الليبية إلى جانب وجودها الأمني.
وشدد الأسمر على أن التوريدات التركية والقطرية لليبيا، بالمرتزقة والأسلحة والذخائر “لم تتوقف”، قائلا: “القوات المسلحة الليبية رصدت العديد من التحركات في قاعدة الوطية ومعيتيقة وطرابلس، في ضاحية الجنزور التي توجد بها غرفة تحكم استخباراتية، وبالتالي الدور القطري المتزامن والمتوافق مع الدور التركي لم يتوقف، حتى نقول إنه تم استئنافه مؤخرا”.
وأشار مدير مركز الأمة للدراسات، إلى أن القوات الليبية رصدت تحركات لسفن حربية قبالة شواطئ البلاد، وأن هناك إعادة توريد للمرتزقة السورين بتمويل قطري منذ الأسبوع الماضي، منوها إلى أن هناك “مستندات” لدى القوات المسلحة الليبية، تؤكد أن من يدفع رواتب هؤلاء المرتزقة هي الحكومة القطرية بشكل مباشر.
وتطرق الأسمر في حديثه لوسائل إعلام، إلى الخبطات المتتالية التي تنالها العملية السياسية الساعية لإنهاء الأزمة، بفضل التدخل القطري التركي في مجريات الأحداث بليبيا.
وقال: “القوات المسلحة الليبية رصدت في مناطق سيطرة حكومة السراج، وآخرها معسكر أوباري، جماعات متطرفة تم القضاء عليها خلال الأسبوعين الماضيين، بعد رصدها وتصوير تجهيزاتها ومعداتها، التي أظهرت مصادر تمويلها القطرية، من خلال الأتراك الذين ينسقون مع ميليشيات الوفاق. كل ذلك يجعلنا نرى أن هناك انسدادا تاما في كافة المسارات”.
ولفت الأسمر إلى إحاطة المبعوث الدولي السابق إلى ليبيا، غسان سلامة، في الأمم المتحدة في يناير الماضي، حين كشف عن أن هناك أكثر من 29 مليون قطعة سلاح تجوب ليبيا “استخداما وليس تخزينا”.
واستطرد حديثه قائلا: “وجود هذا الكم الهائل من الأسلحة خارج يد المؤسسة العسكرية النظامية، جاء نتيجة التدخلات لدعم ميليشيات بعينها، وتحقيق أجندات ومصالح تدعمها تركيا وقطر، لصالح تنظيم الإخوان والجماعات المتحالفة معه مثل القاعدة وداعش”.
واختتم مدير مركز الأمة للدراسات حديثه، بالتأكيد على أن وصول المسار السياسي برعاية الأمم لهذا المفترق الخطير، يرجع بشكل أساسي إلى “التدخل السافر من تركيا وقطر في الشأن الليبي”.
وأضاف: “تعنت تركيا وإصرارها على التدخل في ليبيا لا يزال واضحا، فلا ننسى أنه عشية انعقاد أي اجتماع محوري في المجال السياسي أو العسكري، نرى أحد كبار مسؤولي حكومة السراج يحطون في إسطنبول، للتنسيق بشكل مباشر مع الحكومة التركية”.
الأوبزرفر العربي