مرشد الإخوان المشكوك فيه
ليست من أزمة يمر بها تنظيم الإخوان الإرهابي أكثر من التشكيك في الرجل الأول في التنظيم أو القائم بعمل مرشد الإخوان، سواء في إدارته للجماعة أو في شخصيته التي لم يُعلن عنها التنظيم بشكل رسمي، على الأقل حتى كتابة هذه السطور.
فلم تمر حقبة زمنية على جماعة الإخوان المسلمين التي قارب عمرها المائة عام مثل التي تمر بها الآن؛ جماعة بأكثر من رأس وكل رأس له جسد خاص به، وقرارات صدرت باسم كل جبهة على اعتبارها أنها الممثل الحصري للتنظيم، وأغلب هذه القرارات تناقض قرارات الجبهة المناوئة!
تم اختيار قائمين لعمل المرشد من قبل مجلسين للشورى أحدهما يتبع جبهة لندن والآخر يتبع جبهة اسطنبول، وكل منهما أيضًا لا يرى شرعية للآخر، فالجماعة التي كانت تُصدّر نفسها على أنها حامية للدين والوطن، باتت تُشكك في نوايا الجبهة الأخرى وتنزع عنها شرعية الحديث باسم التنظيم والدين معًا.
صح ما نشره كاتب هذه السطور من وجود وصيّة للقائم بعمل مرشد الإخوان السابق، إبراهيم منير، وأن الجماعة تنتظر الإفراج عنها وتنفيذ ما ورد فيها، وها هي الآن تختار الطبيب صلاح عبد الحق، قائمًا بعمل مرشد الإخوان.
تم اختيار عبد الحق، قائمًا بعمل مرشد الإخوان من قبل مجلس شورى الإخوان واللجنة الإدارية العليا، وفق ما جاء في وصيّة إبراهيم منير، المشار إليها سابقًا، صحيح لم يتم الإعلان عن هذا الاختيار حتى كتابة هذه السطور، وهذا لا يعني عدم الاختيار.
مازالت تتمهل جبهة الإخوان بلندن في الإعلان عن صلاح عبد الحق قائمًا بعمل المرشد لأسباب ترتبط بتجهيزه، فقد كان يقيم في بلد عربي وليس داخل تركيا التي وصلها قبل أيام، ولكنه يحتاج إلى مزيد من الوقت حتى يتم تجهيز أوراق إقامته في إسطنبول، وهنا سوف يتم الإعلان عنه عبر بيان رسمي.
انحازت وصيّة إبراهيم منير، إلى صلاح عبد الحق، الذي اتهم في قضية تنظيم 1965 مع سيد قطب، والتي أتهم فيها أيضًا منير، ويبدو أن تشابهًا ما بين شخصية “منير” و “عبد الحق” فكل منهما هادئ الطباع وإن كان حاد المزاج، يميلان إلى ضرورة الاشتغال على التربية داخل التنظيم لخلق جيل من الإخوان يكون قادرًا على التصدي للمحن!
وصيّة إبراهيم منير بخصوص اختيار صلاح عبد الحق هي استكمال لوصيّة المرشد السابق، محمد مهدي عاكف، التي ترك المنصب مشيرًا إلى إمكانية أن يتولى المذكور مكانه إلا أنه رفض، فأعيد عليه الطلب مرة ثانية من قبل إبراهيم منير، ولكن بعد وفاة الأخير فقبلة.
صلاح عبد الحق، ليست لديه أي خبرات إدارية أو تنظيمية، فلم يتول أي منصب تنظيمي من قبل غير عمله في قسم التربية أو رئاسته لهذا القسم، وعمله يرتكز فيما له علاقة بالإعداد الروحي والفكري لأعضاء الجماعة، وهي مهنه لا يتنازع عليها الإخوان، لعدم تأثير العاملين فيها أو نفاذهم التنظيمي.
ويبدو أن اختيار عبد الحق هو اختيار المرحلة التي تعيشها الجماعة، ولعله دليل أيضًا على سقوط التنظيم، الذي لم يعد قادرًا على اختيار قائمًا بعمل المرشد، حتى بات الاختيار نفسه مشكوك فيه. وصاحبة من واقع ملفه الشخصي والتنظيمي لن يكون قادرًا على إدارة الجماعة. وعدم إدارته للجماعة يرتبط بجزئيتين أولهما أنه يفتقد للمهارات القيادية في وقت يتهاوى فيه التنظيم ويُصارع قياداته على السلطة وقد انقسم إلى عدة جبهات، بل وانقسمت هذه الجبهات على نفسها، وهنا سوف يتدخل من ليس له خبرة إدارية أو تنظيمية ولا يمتلك أي مقومات للقيادة باتخاذ قرارات حازمة وحاسمة.
لعل اختيار صلاح عبد الحق قائمًا بعمل المرشد يُشبه اختيار حسن الهضيبي بعد مقتل مؤسس التنظيم، حسن البنا قبل أكثر من سبعين عامًا، صحيح أن الجماعة نجحت في إعادة إنتاج نفسها فيما بعد عهد الهضيبي حتى صارت إلى ما صارت إليه الآن، ولكن هذا لا يُعني أنها قادرة على تكرار تجربتها، وإن كانت تعيش نفس الظروف.
تصعيّد صلاح عبد الحق، قائمًا بعمل المرشد ربما يؤدي إلى مزيد من الانقسام والتشظي داخل الإخوان المسلمين، ليس فقط بين الجبهات المتناحرة والمناوئة لبعضها البعض، ولكن سوف يطول هذا الانقسام جبهة إبراهيم منير التي يمثلها عبد الحق، ولعل هذا تعجيل بنهاية الإخوان.
وهذا ما يؤكد أن عوامل انهيار الإخوان داخلية وأنها مسألة وقت فقط؛ فالقيادات التي تتناحر على السلطة داخل التنظيم، وكل منها يتهم الأخر باتهامات بعضها وصل للشرف وأنه يعمل لصالح أجهزة استخبارات أجنبية، هي نفسها التي انحازت إلى اختيار قيادي سوف يقضي على ما تبقى منها، وهو ما يؤكد سقوط التنظيم، فكل اختيارات الجماعة دائمًا تسير في اتجاه الانهيار.
لا يوجد أي تقارب بين جبهات الإخوان المتناحرة ولن يكون، فكل منهما يرى شرعيته على جثة الأخر، صحيح كل منهما يُرحب بالحوار، ولكنه لا يقبل بشروط الأخر، فعلى سبيل المثال يرى محمود حسين نفسه وفق نص اللائحة أنه القائم بعمل مرشد الإخوان، في حين لا تمانع جبهة لندن من أي حوار شرط أن يكون حسين عضوًا في إحدى اللجان التابعة لعمل القائم كمجلس الشورى أو اللجنة الإدارية العليا وهو ما لا يقبله.
فعند هذه النقطة تتحطم أي محاولات للتقارب بين الجبهتين، فصقور التنظيم من كل جبهة يرون أنه خسر كثيرًا بوجود قيادات الجبهة الأخرى، فكيف يمكن قبولها إذًا داخل التنظيم؟ كما أن كل جبهة شحنت أنصارها ضد الجبهة الأخرى بوصفها خارجة على الجماعة، مع العلم أن التنظيم أصبح حديثه الأهم حول شكوكه تجاه القائم بعمل التنظيم وقدرته على إدارة الجماعة.