مفاوض فلسطيني سابق يتهم رئيس السلطة بإضعاف كل المرشحين المحتملين لخلافته
السلطة في عزلة مع الشعب وسكان الضفة الغربية يواجهون فراغاً سياسياً وأمنياً
في مقابلة مطولة أجرتها وكالة فرانس 24 مع المفاوض الفلسطيني السابق غيث العمري، والمستشار السابق لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، اتهم فيها عباس والمقربين منه بالعمل على تشويه صورة وإقصاء أي قيادي يبرز في الساحة الفلسطينية، مشيراً إلى عزلة السلطة مع الشعب حيث يواجه سكان الضفة الغربية فراغاً سياسياً وأمنياً يدفعهم للابتعاد والانصراف عن الحكومة ومؤسساتها.
المفاوض الفلسطيني السابق غيث العمري، محام متخصص في حقوق الإنسان وباحث بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وعمل مستشار سابق لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حتى عام 2006، وهو ممثل معترف به في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، التي توقفت في العام 2014.
وتناول غيث العمري في الحلقة الأولى من مقابلته المطولة مع فرانس24، الصعوبات والعقبات التي يواجهها الشباب الفلسطيني في سياق الأزمة الاقتصادية والشلل السياسي، سواء في غزة أو في الضفة الغربية المحتلة. ويتحدث في هذه الحلقة الثانية عن الوضع السياسي في الضفة الغربية المحتلة ومستقبل القيادة الفلسطينية فيما يدخل حكم الرئيس محمود عباس عامه الـ 18 برام الله. جدير بالذكر أن آخر انتخابات رئاسية فلسطينية تعود ليناير/كانون الثاني 2005 وآخر انتخابات برلمانية ليناير/كانون الثاني 2006.
فرانس24: ما تقييمك للوضع بالضفة الغربية المحتلة حيث يتمسك محمود عباس بالسلطة منذ 18 عاما؟
غيث العمري: يواجه سكان الضفة الغربية فراغا سياسيا وأمنيا يدفعهم للابتعاد والانصراف عن حكومتهم وعن مؤسساتهم، والتوجه والتحول نحو فاعلين آخرين. على سبيل المثال، محاكم الضفة الغربية تفتقد للإمكانيات إلى درجة أن الحصول على أي حكم يتطلب عدة سنوات، وفي حال تمكنت من الحصول عليه فتنفيذ ذلك الحكم يستغرق عدة سنوات أخرى. وبالتالي، فإن السكان لم يعودوا يلجأون إلى السطات لحل مشاكلهم ما يساهم في تفكك السلطة وفقدان شرعيتها.
ففي كل مدينة أو محافظة بالضفة الغربية المحتلة، يسعى الناس لحل مشاكلهم بأنفسهم نظرا لعجز السلطات عن ضمان أمنهم، ما يفسر ظهور مجموعات مسلحة صغيرة هنا وهناك. في جنين، مثلا، يسيطر “الجهاد الإسلامي” [وهو حركة إسلامية متشددة ومسلحة] على الوضع إلى جانب مجموعات صغيرة. أما في الخليل، إلى الجنوب، يسود نوع من الهدوء بفضل حركة القبائل والعشائر. يجب الفهم، هنا، أن فقدان السلطة الفلسطينية لحكمها وشرعيتها يغذي ويبرز ضعفها السياسي. ونعلم بأن ضعف السلطات والحكومة يترتب عليه انهيار النظام بمجرد نشوب أزمة أو حادث. ويخشى كثيرون أن يتسبب رحيل محمود عباس عن السلطة، سواء بسبب سنه المتقدم أو لأسباب سياسية، في فراغ كبير ساهم (عباس) بنفسه في خلقه. وهو سيناريو يجعل من إمكانية انهيار السلطة الفلسطينية خطرا واقعيا.
أليس هناك قادة من شأنهم خلافة محمود عباس في الحكم؟
لم تكن الحياة السياسية الفلسطينية ديمقراطية على الإطلاق، لكنها كانت نشطة وحية. هذا الأمر لم يعد موجودا لأن ذلك الفضاء السياسي انطفأ، وقد عمل الرئيس عباس ومقربيه على تشويه صورة وسلطة أي قيادي يبرز في الساحة. في ظل حكم ياسر عرفات، كان هناك دوما مرشحان أو ثلاث من شأنهم خلافته ومن بينهم محمود عباس. لكن اليوم، لم يعد هناك أي مشرح بارز لخلافة عباس لأن الرئيس عمل على إضعاف كل المرشحين المحتملين.
فقد تم إزاحة كل من كانوا يختلفون معه في الرأي، من بينهم مثلا محمد دحلان [قائد الأمن السابق في غزة، والذي يعيش بالمنفى في الخليج] الذي اُستبعد عن اللجنة المركزية لحركة “فتح” قبل عشر سنوات، وناصر القدوة، نجل عرفات الذي استبعد أيضا. في الوقت الحالي، هناك عشر شخصيات على الأقل وضعت كرسي الرئاسة نصب عينها لكن لا أحد منها يحظى بالنفوذ السياسي اللازم أو الشعبية الكافية لأجل فرض نفسه على حساب الآخرين. وفي غياب مرشحين أقوياء أو شرعيين، هناك خطر أن تسير المنافسة بينهم في الاتجاه السيء. فنحن نعلم بأن هناك عددا هائلا من الأسلحة الخارجة عن السيطرة بالضفة الغربية، وأن بعض المرشحين المحتملين لخلافة عباس شرعوا في جلب داعمين لمعسكرهم، ما يرجح فكرة مسار طويل وعنيف في الوقت ذاته.
يمكن القول إن نظرتك إلى حقبة عباس قاسية، بما في ذلك الاستراتيجية الدبلوماسية التي دفعت السلطة الفلسطينية للحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
لست الوحيد الذي ينظر إلى حصيلته نظرة قاسية، فحسب آخر استطلاعات للرأي أجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية فإن 80 بالمئة من الفلسطينيين يعتبرون بأن السلطة الفلسطينية فاسدة و80 بالمئة منهم يعتقدون بأن محمود عباس يجب أنت يرحل عن السلطة. ويرتبط اسم عباس بعملية السلام إذ أنه كان وراء اتفاقات أوسلو [في سبتمبر/أيلول 1993] وأحد موقعيها. وقد تسبب فشل هذه الاتفاقات في فقدان الشرعية بالنسبة لعباس.
عندما فشلت عملية السلام، سارعت السلطة الفلسطينية لحفظ ماء الوجه فلجأت إلى الأمم المتحدة [لانتزاع عضوية فيها]، لكن هذه المقاربة تعاني مشكلين. الأول أنها لا يمكن أن تحقق النجاح المرجو منها لأن الدخول كعضو في الأمم المتحدة يستدعي موافقة مجلس الأمن، علما بأن الولايات المتحدة بصفتها عضوا بالمجلس قالت مرارا بأنها لن تسمح أبدا بذلك. ويجب التذكير هنا بأن السلطة الفلسطينية رفضت تبني موقف توافقي في عام 2011، عندما طالبت بالعضوية. وقد سعت يومها فرنسا، العضو في مجلس الأمن، والأردن، كعضو عربي بالأمم المتحدة، لإقناع الفلسطينيين بتعديل لائحتهم بهدف وضعها على سكة النجاح، إلا أنهم رفضوا ففشلت المبادرة.
المشكل الثاني أن السلطة الفلسطينية، عندما تنجح في الانضمام إلى بعض وكالات الأمم المتحدة، فذلك لا ينعكس على حياة الفلسطينيين، إذ يرى غالبيتهم أن مثل هذه المبادرات لا تعود عليهم بأي فوائد. وتستمر السلطة الفلسطينية في تلك الخطوات لأن ليس لديها ما تفعله، ورغم أن مساعيها لا تثير حفاوة الفلسطينيين وليس لديها وقع بالأراضي الفلسطينية.
كنت أحد أقرب المستشارين من عباس محمود. ما الذي دفعك لترك منصبك في 2006؟
كنا نعتقد، أنا وكثيرون ممن التحقوا بأبي مازن في الماضي، أنه كان خلال توليه منصب رئيس وزراء ياسر عرفات زعيما ملتزما بالإصلاحات والسلم والدبلوماسية. وظل ملتزما بعد اعتلائه كرسي الرئاسة، في طريق الدبلوماسية والسلم، لكنه لم يكن أبدا إصلاحيا ولا مؤيدا للإصلاحات. محمود عباس تغاضى أيضا عن الفساد الذي ينخر السلطة الفلسطينية من الداخل. قررت ترك منصبي عندما شاهدت كيف كان يسعى لعرقلة عمل سلام فياض، رئيس الوزراء في ذلك الوقت. وكان فياض إصلاحيا يتمتع بالكفاءة اللازمة لتشكيل حكومة فلسطينية نظيفة وفعالة وقادرا على التأسيس لاقتصاد حقيقي.
هل برأيك يمكن أن تستفيد حركة حماس من الوضع المتأزم بالضفة الغربية المحتلة؟
حماس تقوم بكل ما في وسعها لكي يتفجر الوضع في الضفة الغربية المحتلة وتنهار السلطة الفلسطينية التي تتهمها علنا بالخيانة. فهي تعتبر بأن زوال السلطة الفلسطينية سيجعل من الحركة حتما المحاور الوحيد [عن الشعب الفلسطيني] لدى المجتمع الدولي ودول المنطقة. وبغية الوصول إلى هدفها، تستخدم وسائل شتى، مثل دفع خلاياها النائمة بالضفة الغربية إلى تنفيذ هجمات عسكرية. نعرف ذلك من خلال التقارير اليومية عن تفكيك هذه الخلايا بالضفة.
وتسعى حماس أيضا إلى تقديم الدعم المالي لبعض الجماعات المسلحة مثل “عرين الأسد” في نابلس. وكانت في الماضي لا تمول سوى أعضائها وأنصارها، لكنها اليوم مستعدة لدفع المال لكل من هو مستعد لإطلاق رصاصة، مؤمنة بأن ذلك سيساهم في خلق الفوضى التي من شأنها خدمة مصالحها. أخيرا، ورغم أنها لا ترغب بحرب في غزة قد تنزف قواتها، إلا أنها مستعدة لإثارة مواجهة مع إسرائيل، لاسيما خلال شهر رمضان، إذا اعتبرت أن ذلك سيكون له انعكاسات على الضفة الغربية المحتلة. فقبل عامين، وخلال رمضان، خاضت حماس حربا ضد إسرائيل متيقنة بأن النزاع سيطال الضفة الغربية ويزعزع استقرارها.