هل الإخوان مرضى نفسيون؟
كلما اقتربت من تنظيم الإخوان الإرهابي أدركت وجود خلل نفسي لدى الغالبية العظمى من قياداته وأفراده؛ جزء منه له علاقة بالمكون التربوي لهؤلاء الأتباع، وآخر له علاقة بعقدة الاضطهاد التي أصيبوا بها، وثالث له علاقة بمجمل الأفكار الشاذة التي يؤمنون بها.
قد نختلف على أسباب المرض الذي أصاب الإخوان، لكننا لا نختلف على نوع المرض النفسي؛ فأغلب التنظيمات الدينية المؤدلجة أصاب أتباعها التشوهات النفسية التي تدل على وجود هذا النوع من المرض؛ عندما تخيلوا أنهم يُمثلون الحقيقة وأنهم أصحاب الحكمة المفقودة، بينما غيرهم تابع على الضلالة، وبالتالي يتعاملون معهم من هذا المنطلق المقلوب.
في تقديري، أن أزمة الكثير من المنتمين للتيارات الراديكالية أنهم أصيبوا بشروخ نفسية من الصعب جبرها، لسبب واحد وحيد، هو أنهم لا يعترفون بمرضهم، وبالتالي تسوء حالتهم ولا يُشفى غالبيتهم مما أصابهم. يتجمل البعض منهم بالقول الحسن، لكنك عندما تقترب من الطبيعة النفسية أو حتى الفكرية تجدها متخمة بالكراهية والعنف والتشوهات النفسية العميقة.
إن سلوكيات الإنسان تعكس مرضه النفسي، فقد تُعاشر شخصاً ولا تكتشف مرضه إلا بعد سنوات طويلة، فلا تعني ابتسامته أو رؤيتك له في المناسبات أو حديثه المنمق أنه صحيح من الناحية النفسية؛ فالشخص الذي نتحدث عنه قد يتحول لإنسان آخر يحمل السلاح ويقتل لمجرد أنه رأى أن الظرف بات مناسبًا أو هُيئت له الظروف، لديه فلسفته الشرعية التي شكلت الجزء النفسي من الشخصية.
إن التناقض من علامات المريض النفسي؛ لكنّ درجة ذلك التناقض هي التي تُحدد درجة المرض وطبيعته. صحيح أن المريض النفسي قد يُشكل خطرًا على نفسه فيذهب إلى الانتحار بسهولة، لكن مرضى الإخوان يغتالون غيرهم بهذه السهولة، سواء معنويا أو بدنيا. هذه صورة المرض النفسي التي تدفع الشخص الذي حاول أن يبدو مسالمًا إلى شخص عنيف في لحظة.
عقدة الاضطهاد أو سنوات السجن التي قضاها الكثير من قيادات الإخوان داخل السجن، شكلت الخلفية النفسية لهذه القيادات، ما انطبع على سلوكهم وقراراتهم. يعتقدون طيلة الوقت أنّ هناك من يجب التخلص منهم أو عقابهم على ما تعرضوا له من “اضطهاد”، وهنا يُعمم العقاب على قاعدة أوسع يُدخل فيها النّاس عامة.
أعضاء التنظيمات المؤدلجة يُريدون أن يُعاقبوا عموم النّاس لمجرد أنهم لم يخرجوا على الحاكم اعتراضًا على سجنهم! وبالتالي يتعامل أغلب من ينتمي لهذه التنظيمات، خاصة من حوكم على خلفية خروقات قانونية على أنه صاحب حق على المجتمع كله، بمن فيه أفراد هذا المجتمع، وهنا تُحركه هذه العقدة إلى الانتقام، وتتباين التشوهات النفسية من شخص لآخر وفق بنائه النفسي.
هناك من أصيب بالعزلة جراء تأثره بعقدة الاضطهاد، وهناك من دفعته عقدة الاضطهاد إلى الدخول في سرداب الانتقام، وهؤلاء هم الغالبية العظمى من الإخوان، وكل من استقى أفكاره من هذا التنظيم؛ بعض هؤلاء لا يُصرحون بهذا الانتقام، وبعضهم قد لا يعلم أنه مريض نفسي ومصاب بما ذكرناه، أما كلهم فيفلسفون ويُشرعنون الانتقام من الآخر والمجتمع.
تجد أغلبهم دائمي الحديث عن ذكريات السجن وسنواته، وهناك من يُبالغ في عدد هذه السنوات، لأنه يراها أنها سبب ترقيه التنظيمي داخل الجماعة التي ما زال يتمسك بها، أو نجحت في السيطرة عليه نفسيًا وعقليًا. وهناك من يحتفظ ببدلة السجن ويلبسها بين الوقت والآخر حتى يأخذ جزءًا من جرعة الانتقام، يشحن نفسيته بما كان سببًا فيه.
انتبهت التنظيمات الدينية المؤدلجة والإخوان على وجه الخصوص، فجعلت أولوية الترقي داخل التنظيم للأطول عمرًا داخل السجن؛ فهذا يتباهى بأنه سُجن عشرين عامًا، وهذا يزيد عليه شهورًا، بينما الآخر يتباهى بأنه قضى خمسة وعشرين عامًا داخل السجن، ومن بين هؤلاء تجد مرشد التنظيم وكل أعضاء مكتب الإرشاد وكل القيادات التنفيذية.
السجن قد يترك بصمة على صاحبه حتى ولو كان بريئًا، وهنا لا نتهم من قضى عقوبة السجن على جريمة ما بأنه خرج منه مشوهًا، لكننا نصف الذين يسعون إلى السجن كي يخلقوا أو يُخلّقوا مظلومية تُعبر عن عقدة الاضطهاد التي تدفعهم إلى معاداة مجتمعاتهم بأنهم أسوياء، وقد سمعت الكثير منهم يطلب السجن ويتمناه، كما أنني سمعت من كثير منهم عن سعادته بهذه العزلة التي كسرت نفسه وأذلته.
الإخوان يُصورون للنّاس أنهم أبرياء، وأنّ سنوات السجن كانت خصمًا من حياتهم، فهم لا يرتكبون أي جريمة يستحقون عليها العقاب، وهذا ليس سبب تغزلهم في السجن، لكن هؤلاء أصيبوا بالمازوخية، وهي اضطراب للشخصية المحبطة للذات أو اضطراب الشخصية المهزومة ذاتيًا.
ولا يُصبح الشخص مازوخيًا إلا إذا كان الألم حقيقيًا أي مصحوبًا بفعل وليس مجرد رغبة، وهو ما حققه السجن بغض النظر عن رؤية السجين لنفسه على أنه بريء وأنه يُحاكم على أفكاره التي يتمسك بها؛ ولذلك تجد هؤلاء الأشخاص كلما دخلوا السجن تمسكوا بأفكارهم، والمسؤول عن هذه الحالة الاضطراب النفسي الذي يُحافظ التنظيم من خلاله على ثبات أفراده.
لذلك تجد أغلبهم يتغنى بما أطلق عليه “المحنة”، وأنها في حقيقتها “منحة ربانية”، ثم ينتقل إلى رغبة التمني لهذه المحن أو للسجن عمومًا، وبعد ذلك تُحركه رغبة الانتقام والانكسار والعزلة، التي تدفعه للعنف اللفظي والسلوكي أيضًا.
لكنّ السجن ليس وحده المسؤول عن التشوهات النفسية والانهيارات الداخلية التي تُصيب أغلب الإخوان، رجالاً ونساءً، كبارًا وصغارًا، لكن مجمل الأفكار الشاذة التي يؤمنون بها، أو المكون التربوي الذي يتلقاه الأتباع عبر مراحل الانضمام منذ دخوله التنظيم وحتى وفاته، حيث يُحافظ العضو على الحضور في لقاءات منتظمة أسبوعية “الأسر” بهدف إعادة بنائه بما يتوافق مع احتياجات التنظيم مثل تعليمه وتدريبه على السمع والطاعة.
لا بد من استحضار البعد النفسي في التعامل مع التنظيمات المتطرفة والإخوان على وجه التحديد، ويجب أن يكون جزءًا من مخطط التفكيك الذهني والعقلي للقيادات والأتباع؛ فأي مراجعة فكرية وفقهية لا بد أن يكون الجزء النفسي في مقدمتها حتى يسلم الشخص من أفكاره وتشوهاته النفسية أيضًا.