هل يصلح كاميرون ما أفسده بلفور؟
قبل أن تضع الحرب العالمية الأولى أوزارها ويتم تقسيم تركة الرجل المريض (الإمبراطورية العثمانية) بين المنتصرين، سارع وزير الخارجية البريطانى أرثر بلفور فى 2 نوفمبر عام 1917 إلى كتابة رسالة إلى المصرفى البريطانى البارون روتشيلد، أحد أكبر الزعماء اليهود فى العالم وأغناهم. وكانت هذه الرسالة هى التكأة التى أدت إلى قيام دولة إسرائيل وما تبع ذلك من حروب وأزمات فى الشرق الأوسط.
هذه الرسالة التى أصبحت وعدا حمل اسم صاحبها بلفور كانت تعبيرا عن تعاطف بريطانيا مع مساعى الحركة الصهيونية لإقامة وطن لليهود فى فلسطين، حيث طلب فيها بلفور من روتشيلد إبلاغ زعماء الحركة الصهيونية فى المملكة المتحدة وأيرلندا بموقف الحكومة البريطانية من مساعى الحركة.
ورغم أن الرسالة لا تتحدث صراحة عن تأييد الحكومة البريطانية لإقامة دولة لليهود فى فلسطين، لكنها أدت دوراً أساسياً فى إقامة دولة إسرائيل بعد 31 عاما من تاريخ الرسالة، أى عام 1948. كما ساهمت فى تشجيع يهود القارة الأوروبية على الهجرة إلى فلسطين خلال الفترة ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية، فى وقت كانت القارة تشهد فيه صعودا للتيارات القومية المعادية للسامية.
الأسبوع الماضى صرح وزير الخارجية البريطانى ديفيد كاميرون بأن بلاده يمكن أن تعترف رسميا بالدولة الفلسطينية بعد وقف إطلاق النار فى غزة، دون انتظار نتيجة ما ستسفر عنه محادثات مستمرة منذ سنوات بين إسرائيل والفلسطينيين حول حل الدولتين.
وقال إنه لا يمكن أن يتم الاعتراف ما دامت حماس موجودة فى غزة، لكن الاعتراف يمكن أن يتم أثناء استمرار مفاوضات إسرائيل مع القادة الفلسطينيين، وأضاف أن اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين المستقلة «لا يمكن أن يأتى فى بداية العملية، لكن لا يتعين بالضرورة أن يتم فى نهاية العملية».
وقال كاميرون: «قد يكون هذا أمرا نبحثه عندما يصبح هذا التقدم نحو الحل، أكثر واقعية. ما يتعين علينا القيام به هو منح الشعب الفلسطينى أفقا نحو مستقبل أفضل، مستقبل تكون له فيه دولة خاصة به».
رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو رفض علنا إنشاء دولة فلسطينية مستقلة بعد الحرب، بل إنه تفاخر فى الأسابيع الأخيرة بأنه كان له دور فعال فى منع قيام دولة فلسطينية.
ويمكن أن يؤدى اعتراف بعض حلفاء إسرائيل بالدولة الفلسطينية دون موافقة تل أبيب إلى عزل إسرائيل والضغط عليها للعودة إلى طاولة المفاوضات.
عندما أرسل بلفور رسالته منذ 107 سنوات كانت بريطانيا هى الإمبراطورية التى لا تغرب عنها الشمس، وكانت أمريكا دولة حديثة تصارع لتجد لنفسها مكانا فى العالم الجديد. اليوم اللورد كاميرون يخرج بتصريحه وبريطانيا دولة خارج الاتحاد الأوروبى تجاهد لترى الشمس، وأمريكا أصبحت القوة الأعظم فى العالم الجديد. وهنا مكمن الشك فى جدوى وعد كاميرون الجديد.