واشنطن تستخدم ورقة “المساعدات المشروطة” للضغط على الرئيس التونسي
بلينكن ينصّب نفسه متحدثاً بلسان الإخونجية
قالت أوساط سياسية تونسية، أن حديث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الخميس، حول حاجة تونس إلى معالجة المخاوف بشأن الديمقراطية إذا كانت تريد دعما اقتصاديا دوليا، تعتبر تلويحاً بالمساعدات المشروطة للضغط على الرئيس قيس سعيد والقبول بضغوط حركة النهضة الإخونجية الساعية للعودة إلى ما قبل الخامس والعشرين من يوليو.
وأضافت الأوساط السياسية التونسية، إن حديث وزير الخارجية الأميركي عن المرحلة الانتقالية في تونس بدا فيه وكأنه يتكلم على لسان رئيس الإخونجية راشد الغنوشي، وأنه لا يرى إجراءات الخامس والعشرين من يوليو وما بعدها بمنظار الظروف الموضوعية التي قادت إليها، وخاصة المطالب الشعبية بتفكيك المؤسسات التي مثلت واجهة للفساد وتعطيل دواليب الدولة.
المساعدات المشروطة
وأشارت هذه الأوساط إلى أن حل البرلمان لقي دعما شعبيا واسعا بسبب الصورة السيئة التي قدمها عن تونس ما بعد 2011 وعن الديمقراطية، وأن المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد ستعيد انتخاب برلمان جديد نهاية العام الجاري على قواعد واضحة تمنع ترشيح أفراد تتعلق بهم شبهات الفساد أو الاتجار بالممنوع أو يعملون كواجهة للوبيات معينة مثل ما جرى في البرلمان الذي تم حله.
وتساءلت إن كانت واشنطن تهتم بالديمقراطية كأداة لتحسين أداء النظام السياسي أم كمؤسسة شكلية للتعدد الحزبي، محذرة من أن فكرة المساعدات المشروطة التي جاءت ضمن تلميحات وزير الخارجية الأميركي قد تعني تدخلا مباشرا في التفاصيل التونسية، وهو أمر لن يقبل به الرئيس قيس سعيد، الذي عرف بحساسيته المفرطة من هذا الموضوع.
كلمة بلينكن أمام الكونغرس
وأعرب بلينكن في كلمة أمام الكونغرس عن قلقه بشأن استحواذ الرئيس سعيد على السلطة. وقال إن تونس في حاجة “على الأقل” إلى المضي قدماً في الانتخابات البرلمانية الموعودة في نهاية العام.
وقال بلينكن للجنة الاعتمادات في مجلس النواب “أعتقد أن أهم شيء عليهم القيام به هو تأهيل أنفسهم تماماً للحصول على دعم من المؤسسات المالية الدولية”.
وأضاف “ما يحدث حالياً جعلهم يخرجون عن المسار الصحيح”.
وتابع “أوضحنا أننا يمكن أن نقدم دعمنا، لكننا في حاجة إلى رؤية تونس تعود إلى المسار الذي كانت عليه”.
وجاء موقف بلينكن الأخير كرد على التغييرات التي أحدثها مرسوم من قيس سعيد لتصويب وضع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وهي تغييرات ينظر إليها غربيا على أنها محاولة لوضع اليد على مؤسسة نجحت في إدارة الانتقال السياسي منذ 2011.
استجابة لمطالب الشارع
لكنّ مراقبين تونسيين يعتقدون أن ما يفعله قيس سعيد ليس سوى استجابة لمطالب الشارع التونسي الذي يعلن باستمرار عن رفضه بقاء أيّ مؤسسة من المؤسسات التي تأسست على المحاصصة الحزبية و”التوافقات المغشوشة” والفساد السياسي. وفي الوقت نفسه، فهو يضغط لبناء منظومة جديدة.
ويشير المراقبون إلى أنه كان على الولايات المتحدة انتظار نهاية المرحلة الانتقالية للحكم لفائدة قيس سعيد أو ضده، وهل نجح في تعويض المؤسسات القديمة بمؤسسات أكثر فاعلية واقترابا أم بنى منظومة لخدمة نفسه كما يتهمه خصومه، معتبرين أن كلام بلينكن يفهم في سياق الضغوط على قيس سعيد والانحياز لخصومه أكثر منه حثا على الإصلاح أو تنبيها للتونسيين من محاذير المسار الذي يسلكونه.
وكانت زيارة نائبة وزير الخارجية الأميركي عزرا زِيّا إلى تونس ولقاؤها شخصيات نقابية ومدنية وناشطين في جمعيات قد أثارا جدلا في تونس بشأن دور الولايات المتحدة التي تتجه لتكرار الخطأ نفسه في تونس وقبلها مصر ودول أخرى من خلال دعم جمعيات ومنظمات بأجندات خارجية، وهو الأمر الذي يرسي برودا متزايدا في علاقات واشنطن بمنطقة الشرق الأوسط.
تساؤلات سعيد
وقال قيس سعيّد منذ أسابيع “بعض العواصم والمنظمات أبدت أو ساورها القلق على حل المجلس الأعلى للقضاء، وأتساءل لماذا لم يساورها نفس القلق عندما تم العبث بالملايين والمليارات التي ذهبت سدى”.
وأضاف “يساورنا القلق من قلقهم، لأننا دولة ذات سيادة نعرف التوازنات الدولية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية أكثر مما يعرفونها، وصادقنا عليها وملتزمون بفكرة الحرية والديمقراطية والعدالة”.
وطالب الرئيس سعيد في فبراير الماضي بقانون يمنع تمويل الجمعيات غير الحكومية من الخارج، معتبرا أن تلك الجمعيات “امتداد لقوى خارجية”.
وأضاف “هي في الظاهر جمعيات ولكنها امتداد للخارج”، مشددًا على أنه “لن نسمح بأن تأتي هذه الأموال للجمعيات للعبث بالدولة التونسية أو القيام بحملات انتخابية”.
وتابع “لا مجال أيضا لأن يتدخل في شؤوننا أحد، لا بأمواله ولا بضغوطاته، نحن شعب له سيادته وكرامته”.
وتسعى تونس للحصول على حزمة قروض من صندوق النقد الدولي، حيث تُعدّ الولايات المتحدة المساهم الأكبر فيه، بينما تتعامل مع أزمة اقتصادية تفاقمت بسبب جائحة كورونا.
وحل سعيد البرلمان وأقال الحكومة ومنح نفسه صلاحيات لتعيين رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
وكثفت إدارة الرئيس جو بايدن انتقاداتها لسعيد بعد أن كانت تأمل في البداية بحل سريع للمشاكل السياسية في تونس، مهد الربيع العربي.
وضغط المشرّعون الأميركيون على بايدن لاتخاذ إجراءات أكثر حدة بينها وقف ما يقرب من 500 مليون دولار من المساعدات المقدمة في إطار مؤسسة تحدي الألفية، المؤهلة للبلدان التي تحترم الحكم الديمقراطي.