واشنطن تطلب من كييف مفاوضة موسكو والتخلي عن شبه جزيرة القرم
جدل أمريكي عن حسابات الربح والخسارة في أوكرانيا
أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، أن كبار المسؤولين الأميركيين، طلبوا من كييف التفكير في عقد محادثات سلام بـ”مطالب واقعية” مع روسيا، تحسباً لتعثُّر التقدُّم ميدانياً بسبب دخول فصل الشتاء، بما يشمل إعادة النظر في استعادة أوكرانيا لشبه جزيرة القرم، والتي ضمتها روسيا عام 2014.
وأدى اقتراب فصل الشتاء وزيادة المخاوف من ارتفاع معدلات التضخم الناجم عن ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، فضلاً عن مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية التي تم ضخها في أوكرانيا، وعشرات الآلاف من الضحايا من الجانبين، إلى إثارة الحديث في واشنطن عن تحولات محتملة في الحرب التي دخلت شهرها التاسع، وفقاً للصحيفة الأميركية.
ورغم تعهد الولايات المتحدة وحلفائها بمواصلة دعم أوكرانيا، إلا أنَّ كبار المسؤولين في واشنطن بدأوا يتساءلون بشكل علني عن حجم الأراضي التي يمكن لأي من الجانبين كسبها، وبأي تكلفة، حسب الصحيفة.
وأشارت “وول ستريت جورنال” إلى أنَّ التوقعات بأن أوكرانيا لن تحقق مكاسب كبيرة في ساحة المعركة خلال الأسابيع المقبلة، دفعت واشنطن وبعض المسؤولين الأوروبيين إلى التساؤل عن موعد ظهور الضغوط العلنية للمطالبة بالتوصل إلى تسوية.
فرصة للتفاوض
رئيس الأركان الأميركي الجنرال ميلي، قال: “يجب أن يكون هناك إقرار متبادل بأن النصر، قد يتعذر تحقيقه من خلال الوسائل العسكرية، لذلك نحتاج إلى اللجوء إلى وسائل أخرى”.
وأضاف ميلي في حديث للنادي الاقتصادي بنيويورك، الأربعاء: “هناك أيضاً فرصة للتفاوض”، بحسب ما نقلته “وول ستريت جورنال”.
وفي إشارة إلى إمكانية إجراء محادثات، نقلت الصحيفة عن مسؤول أوروبي، قوله: “نقول للأوكرانيين إنَّ الأمر متروك لهم ليقرروا متى سيفعلون ذلك، ولكن قد يكون من الجيد أن يفعلوا ذلك في أقرب وقت”.
في المقابل، لا يعتقد المسؤولون الأميركيون، أن الوقت الحالي هو الوقت المناسب لبدء المحادثات، ولكن يرى الكثير منهم أنَّ الأسابيع المقبلة ستتيح فرصة للحديث عن مثل هذه المحادثات.
ولفتت الصحيفة إلى أنَّ الولايات المتحدة وبعض حلفائها يشعرون بالقلق من استنزاف مخزوناتهم من الأسلحة، بمعدَّل لا يمكن تحمُّله، مضيفة أنَّ الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا هذا العام، والذي بات يقترب الآن من 19 مليار دولار، يفوق المساعدات الأوروبية بكثير.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول غربي آخر، لم تكشف عن هويته، قوله: “نشهد مشاكل حقيقية في إحراز تقدم عسكري، كما نشهد أيضاً نقصاً في الذخيرة”.
ووفقاً لما نقلته “وول ستريت جورنال” عن أشخاص مطلعين على المناقشات، فإن واشنطن أوضحت لأوكرانيا أن كييف تحتاج على الأقل، لأن تبدو منفتحة على حل تفاوضي، وهي الرسالة التي نقلها مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال زيارته الأخيرة لكييف.
وبحسب الصحيفة، أكد سوليفان لأوكرانيا أنها ستكتسب نفوذاً من خلال إظهار الانفتاح على المفاوضات.
ويواصل مسؤولو الإدارة الأميركية، بما في ذلك سوليفان، التصريح علناً بأن واشنطن لن تضغط على كييف لدخول المسار الدبلوماسي مع الروس.
وحيرت هذه التصريحات حلفاء الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ولذلك بحث مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية وحلفاء أوروبيون في واشنطن، الأسبوع الماضي، تفاصيل ما يجري لتهدئة مخاوفهم بشأن فكرة التحول في النهج الأميركي، وفقاً لما ذكره اثنان من كبار المسؤولين الأوروبيين للصحيفة.
تكلفة السلام
وقال بعض الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة، إن التقدم الأوكراني الحالي يترك كييف دون سبب وجيه للخضوع لمطالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ يعتقدون أنه يمكن لأوكرانيا أن تستعيد المزيد من الأراضي في حال استمرت الأسلحة الغربية في التدفق إليها، مما سيعزز موقفها في المفاوضات النهائية.
وأدى تعهد واشنطن الأخير بتقديم 400 مليون دولار أخرى لأوكرانيا كمساعدة أمنية إلى تعزيز ثقة الأوروبيين في دعم الولايات المتحدة للجيش الأوكراني.
ورأى مسؤولون في بعض الدول الأوروبية، وخاصة شرق القارة وشمالها، أن الضغط العلني من أجل إجراء محادثات قد يضر بجهود أوكرانيا ويصب في مصلحة روسيا، على حد تعبيرهم.
وقال مسؤول من شمال أوروبا: “نحن بحاجة إلى التحدث عن تكلفة السلام، ففي حال انتهت الحرب الآن، فإنَّ الرسالة التي سيتلقاها الأوكرانيون هي أن معركتهم كانت بلا معنى، فيما ستكون الرسالة التي ستتلقاها روسيا هي أن الوقت قد حان لإعادة بناء الاقتصاد، فلا أحد يعتقد أن موسكو ستتوقف حتى تحقق هدفها الاستراتيجي”.
وكان بوتين أكد أن روسيا منفتحة على محادثات السلام، مشيراً إلى أنه إذا أمرت واشنطن زيلينسكي بالجلوس على طاولة المفاوضات فإن كييف ستفعل ذلك.
وبالنظر للانتكاسات الأخيرة في ساحة المعركة، فإن المسؤولين الغربيين قالوا إن الكرملين يبدو وكأنه يتراجع عن شروطه المسبقة للمحادثات، مثل قبول ضم موسكو للأراضي الأوكرانية.
ومع ذلك، يعتبر المسؤولون الأوروبيون والأميركيون أنهم لا يرون أي مؤشرات على رغبة الكرملين في إجراء محادثات جادة.
وخلال اجتماع مجموعة السبع في وقت سابق من هذا الشهر، اتفق وزراء الخارجية المجموعة على أن الأمر متروك لأوكرانيا لتقرر متى ستكون الظروف العسكرية والسياسية مناسبة للسعي إلى وقف إطلاق النار ومواصلة المفاوضات، حسبما قال أشخاص شاركوا في الاجتماع.
أوكرانيا ستعاني
وذكرت “وول ستريت جورنال” أن التقييمات المتباينة لاحتمال أن تستعيد أوكرانيا المزيد من الأراضي في أشهر الشتاء المقبلة، تبدو كأحد الأمور الأساسية وراء الخلافات بين الحلفاء بشأن مدى أهمية تبني نهج الدبلوماسية في الوقت الحالي.
ويعتقد بعض حلفاء “الناتو” أن أوكرانيا ستعاني في سبيل تحقيق خروقات كبيرة، بعدما باتت تهاجم مناطق أكثر تمدناً وأقرب إلى روسيا، وذلك لأنَّ القوات الروسية ظلت موجودة هناك لفترة أطول وكان لديها الوقت الكافي لتحصين دفاعاتها.
في المقابل، لا يعتقد البعض الآخر، وهم الأكثر ثقة بفرص كييف، أنَّ القتال سيتوقف، إذ أصبحت ترسانة البلاد المتنامية من أنظمة الدفاع الجوي أكثر كفاءة في اعتراض الصواريخ والطائرات بدون طيار.
وقال دبلوماسي غربي إنَّ هناك مخاوف لدى بعض الأوروبيين من أن واشنطن تعمل على إقناع أوكرانيا بإجراء محادثات سلام قبل أن تتمكن قواتها من تحقيق المزيد من المكاسب.
وكان اجتماع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره الأوكراني دميترو كوليبا في العاصمة الكمبودية بنوم بنه، السبت، خلص إلى أن أوكرانيا “لها الحرية الكاملة” في تقرير توقيت ومحتوى أي إطار للتفاوض مع روسيا، وفق الخارجية الأميركية.