وانهارت “أسطورة” قدرة الإخوان
قبل وصول جماعة الإخوان إلى حكم مصر برلمانياً ثم رئاسياً ما بين عامي 2012 و2013، ولعقود طويلة، ظلت الجماعة تقدم نفسها باعتبارها “البديل” الجاهز تماماً لحكم مصر وقيادة شعبها نحو المستقبل.
وروج الإخوان كثيراً وطويلاً لامتلاكهم كل التصورات العامة والخطط التفصيلية لحكم مصر وصياغة مستقبلها وحياة شعبها، بصورة إيجابية غير مسبوقة في التاريخ المصري الحديث. ولم تكتف الجماعة بهذا الزعم، بل زادت عليه زعماً آخر بامتلاكها، وبوفرة كبيرة، أعداداً كافية من المتخصصين والمحترفين في كل مجالات الحكم والمجتمع بدون استثناء واحد وعلى أرقى المستويات المتخيلة.
وبداخل مصر، انطلى هذا الزعم على كثير من المصريين بفعل قدرة الجماعة التنظيمية الدعائية العالية، وبغياب الأمل تدريجياً عندهم بسبب أوضاعهم فيما قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وبعدم وجود أو قدرة تيارات سياسية أخرى على طرح بدائلها أو الترويج لها في المجتمع المصري.
ولم يقف الأمر عند انطلاء هذه المزاعم الإخوانية على قطاعات عديدة من المصريين، بل تجاوزه إلى مسؤولين سياسيين ووسائل إعلام ومراكز بحث وتفكير في دول العالم الغربي الأمريكي والأوروبي، فراحوا يروجون له بدورهم دولياً أيضاً، ويجعلونه أساساً للدعوة والدعم لحكم جماعة الإخوان لمصر انطلاقاً مما يزعمونه من شعبية وقدرة.
فجوة بين المزاعم والقدرات
ولما سيطر الإخوان على مقدرات مصر برلمانياً ثم رئاسياً ما بين عامي 2012 و2013، وبدأت الأمور تتحول من الدعاية والخيال إلى الواقع الحقيقي، اكتشف غالبية المخدوعين في قدرة الإخوان من المصريين، مدى الفجوة الهائلة بين المزاعم الدعائية بقدرة الجماعة القديمة، والإخفاقات المتتالية في كل المجالات والتي وصلت بهم إلى حد سقوط حكمهم البائس بثورة شعب مصر عليهم في 30 يونيو/حزيران 2013، وما تبعها في السنوات العشر الماضية من تهلهل الجماعة وتشظيها التنظيمي، ولكن قبل كل هذا انهيار “أسطورة” القدرة الإخوانية.
والحقيقة أن إعادة القراءة المدققة لتاريخ الجماعة خلال خمسة وتسعين عاماً منذ تأسيسها، تفضي إلى اكتشاف جذور هذا الإخفاق وحقيقة تلك “الأسطورة”.
فعلى صعيد وثائق الجماعة الرئيسية وأدبياتها ومؤلفات المنتمين لها، يتأكد تماماً الندرة الكبيرة طوال هذه العقود لرؤى فكرية أو تصورات محددة مفصلة لكيفية حكم وإدارة البلاد في كل المجالات، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.
فلا شيء يذكر تقريباً في مجال النظام السياسي ولا مقومات السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، ولا الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، ولا الإدارة الاقتصادية والمالية، ولا إدارة المجتمع بمختلف مناحيه، ولا السياسات الثقافية وكل مقومات القوة الناعمة المصرية، وغير هذا من مجالات ومحاور وقضايا.
ولا شيء يذكر تقريباً طوال عقود عمر الجماعة، تم نشره أو تداوله لمنتمين للجماعة في صورة كتب أو دراسات أو تقارير، يوحي بالجدية والتخصص والقدرة في الغالبية الساحقة من تلك المجالات ويترك أثراً في الذاكرة والوعي المصريين.
الممارسة العملية
وعلى صعيد الممارسة العملية، يتأكد أيضاً أن خبرات الجماعة في إدارة كل الملفات والقضايا المتفرعة عن المجالات السابقة، تكاد تصل أيضاً بدورها إلى الصفر. فنعم كان لدى الجماعة من أعضائها من ينتمون إلى مهن ووظائف، بررت سيطرتهم على عديد من النقابات المهنية لسنوات طويلة، ولكن الأمر لم يتجاوز هذا لوجود قياديين أو موهوبين لديهم القدرة أو الخبرة في إدارة ولو جزء صغير من الملفات سابقة الذكر.
وفي المجال السياسي الداخلي، غابت تماماً قدرة الإخوان على التعامل مع كل الملفات المذكورة عدا المجال البرلماني الذي مارسوا عبره مناوراتهم السياسية ودعايتهم التنظيمية، وترويج انتقاداتهم التي تخدم كليهما دون تقديم أي تصورات عامة أو حلول تفصيلية لإصلاح وتعديل ما ينتقدون.
وبقي الإخوان بهذا طوال تاريخهم يتبنون الشعارات والعناوين العامة، ومن أشهرها مثلاً وأبرزها “الإسلام هو الحل” أو “تطبيق الشريعة الإسلامية”، دون تقديم أي تفاصيل أو تصورات عامة أو خطط لتطبيقها في الواقع الحقيقي.
وقبل سقوط حكم الجماعة في يونيو/حزيران 2013، كان قد وضح تماماً في عامي حكمهم، أن المستور قد انكشف وأن الخديعة قد افتضحت، وانهارت الأسطورة التي ظلوا يروجون لها طوال تسعة عقود، وهو ما كانت نتيجته الطبيعية – مع عوامل أخرى بالطبع – سقوط هذا الحكم إلى غير رجعة.