وزير الداخلية التونسي يؤكد وجود شبهة إرهاب وراء اعتقال نائب الغنوشي
حركة النهضة تثير قضية البحيري وتصمت عن توقيف فتحي البلدي
أعلن وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين، عن وجود شبهة إرهاب في ملف البرلماني نور الدين البحيري، نائب رئيس حركة النهضة الإخونجية ووزير العدل الأسبق، فيما لا زال الغموض يحيط بمسألة توقيف الشخص الثاني الذي اعتقل مع البحيري، وهو فتحي البلدي، حيث تجنبت الحركة الإخونجية الحديث عنه بشكل كامل في بيانتها المختلفة.
وأكد الوزير في مؤتمر صحافي مساء الاثنين، أن الأمر يتعلق بشبهات جدية بعملية صنع وتقديم شهادات جنسية وجوازات سفر وبطاقات تعريف غير قانونية لأشخاص، مضيفا أن الأمر متروك للقضاء، وسيتفاجأ الرأي العام بالحقائق التي ستكشف.
وأضاف: “نظرا لوجود شبهة إرهاب في الملف كان لزاما أن أكون في مستوى الأمانة حفاظا على أمن تونس”.
واعتقلت السلطات الأمنية نورالدين البحيري، نائب رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، منذ يوم الجمعة الماضي، في حادثة وصفتها الحركة الإخونجية بالاختطاف، وحملت الرئيس التونسي قيس سعيد المسؤولية عن حياته وسلامتها، بعد إعلانها عن نقله إلى المستشفى المحلي بمحافظة بنزرت شمال البلاد، عقب تعكر حالته الصحية.
مزاعم النهضة
والاثنين، قدمت هيئة الدفاع عن البحيري، شكاية ضد رئيس الجمهورية قيس سعيّد ووزير الداخلية توفيق شرف الدين، بتهمة الاختطاف والاحتجاز التعسفي لموكلهم نورالدين البحيري، بطريقة غير قانونية.
وردا على هذه الاتهامات، انتقد وزير الداخلية توفيق شرف الدين، إدخال المؤسسة الأمنية في تجاذبات ومغالطات، رغم تخليصها من كل انتماء سياسي، مشدّدا على أنّه لن يتم التسامح بالمرة مع من يبحث عن إرجاع المؤسسة لكل تجاذب سياسي.
كما أشار إلى أن قرار الإقامة الجبرية يتخذ ضد أشخاص أو مؤسسات يمكن أن تشكل خطرا على الأمن العام والنظام العام، وأنها قرارات لم تكن من عبث بل بنص قانوني.
صمت النهضة عن اعتقال فتحي البلدي
وفي الوقت الذي أعلن فيه وزير الداخلية توفيق شرف الدين أن قضية البحيري سيتم النظر فيها من قبل القضاء العسكري لأنها تمس أمن الدولة والتحريض على أفراد في قوى الأمن، تجنبت حركة النهضة الإخونجية بشكل كامل الحديث في بيانتها عن الشخص الثاني الذي اعتقل مع نورالدين البحيري نائب رئيس الحركة، وهو فتحي البلدي.
الجهاز السري
وتساءلت أوساط سياسية تونسية عن سر صمت النهضة عن اعتقال شخصية بارزة فيها مثل البلدي الذي ارتبط اسمه بالتحقيقات التي تجريها وزارة الداخلية بشأن الجهاز السري، سواء أثناء ممارسته عمله مستشارا لوزير الداخلية علي العريض في حكومة الترويكا أو بعد استبعاده من المنصب.
ولم تستبعد الأوساط التونسية أن يكون هذا الصمت مقصودا من حركة النهضة الإخونجية بهدف منع الاهتمام بشخصية الرجل ومهامه والأدوار التي قام بها، وهو ما قد يعيد الجدل مجددا إلى الواجهة بشأن الجهاز السري واتهام الحركة باختراق المؤسسة الأمنية، وهو اتهام ظل يُطرح بشدة خلال السنوات الماضية بالرغم من النفي المستمر الذي يصدر عن الحركة والمتحدثين باسمها.
ولاحظت هذه الأوساط أنه في الوقت الذي تتحرك فيه النهضة بقوة لمتابعة وضع البحيري وتأليف قصص وحكايات حول طريقة اعتقاله ووضعه تحت الإقامة الجبرية، كخطوة احترازية يخولها قانون السادس والعشرين من يناير 1978، أغفلت الحركة الحديث عن البلدي ولم تشر إليه في بياناتها، كما لم تكلف محاميا بمتابعة وضعيته والاستفسار عن التهم الموجهة إليه.
وأشار نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن عائلة البلدي لا تعرف أي أخبار عنه، وأنها مستاءة من طريقة تعاطي النهضة مع هذا الملف، وما تحمله من تناقض وتمييز بين العاملين في صفوفها.
ورافق البلدي أغلب وزراء الداخلية إلى حدود الحكومة السابقة، وقد شمله قرار الإحالة على التقاعد الوجوبي الذي صدر في الشهر الماضي وشمل أيضا المديرين العامين السابقين للمصالح المختصة محرز الزواري والأزهر اللونقو.
الغنوشي يهمل قضية البلدي
وأهمل رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في الرسالة التي وجهها الأحد إلى الرئيس التونسي قيس سعيد مجرد ذكر البلدي، وركز فقط على البحيري حاثّا على “الكشف عن مصيره وطمأنة أهله والرأي العام حول سلامته”، ودعا إلى “تمكين فريق طبي وحقوقي من زيارته والاطّلاع على وضعه، والتعجيل بإطلاق سراحه”.
ويقول مراقبون إن حركة النهضة وجدت في موضوع البحيري والاستعراض الإعلامي الذي أحدثه عدد من المحامين، وخاصة زوجته المحامية سعيدة العكرمي، حول طريقة اعتقاله فرصة للاستثمار في ذلك من أجل العودة إلى الواجهة السياسية بعد أن انكفأت الحركة على نفسها إثر إجراءات الخامس والعشرين من يوليو وتجميد البرلمان واتهامها من قِبَل طيف سياسي واسع بالمسؤولية عما وصلت إليه البلاد.
شائعات النهضة
ومنذ الساعات الأولى من اعتقال البحيري يوم الجمعة تحركت الماكينة الدعائية للنهضة من أجل الترويج لكون نائب رئيس الحركة مهددا بالموت بسبب امتناعه عن تناول الطعام والدواء، في خطوة وصفها المراقبون بالمسرحية التي تهدف إلى تجميع الأنصار واستعادة المستقيلين وحشدهم للعودة بقوة وتنظيم حملة ضد الرئيس سعيد بعد أن فشلت محاولات سابقة لإعادة توحيد الحركة.
ومساء الأحد قال القيادي في النهضة رياض الشعيبي إنه جرى نقل البحيري إلى المستشفى، وهو في “حالة خطرة جدا” ويواجه الموت”، مضيفا أنه “منذ ثلاثة أيام دون طعام وماء ودواء”.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر ضمن الوفد الذي زار نائب رئيس حركة النهضة قوله إن البحيري “ليس في حالة حرجة (…) إنه حيّ وواع وتم إيواؤه في غرفة بمفرده في قسم أمراض القلب” بمستشفى في محافظة بنزرت.
وفيما قاد إخونجية تونس حملات مختلفة لاستثمار حادثة اعتقال البحيري لازمت وزارة الداخلية الصمت ولم تصدر أي رد على مزاعم حركة النهضة، واكتفت ببيان مساء الجمعة قالت فيه إنها أمرت بوضع شخصين في الإقامة الجبرية، وبررت الإجراء بأنه جاء “حفاظا على الأمن والنّظام العامّين”.
ويقول مراقبون إن اعتقال البحيري يأتي في إطار محاولة قيس سعيد محاصرة التغلغل الإخونجي في قطاع القضاء، على غرار ما حدث في المؤسسة الأمنية، لافتين إلى أن هذه خطوة أولى على هذه الطريق التي ستكون شاقة بسبب تشعباتها.
وفي أوائل ديسمبر الماضي أعلن الرئيس التونسي عزمه الإعلان عن إجراءات جديدة في غضون أيام. وأكد قيس سعيّد في لقاء جمعه بممثلين عن القضاة أنه يستعد للإعلان قريبا عن مراحل جديدة حتى “تستعيد الدولة والقضاء عافيتهما”، معبرا عن غضبه من التأخير في حسم القضايا ومتهما بعض القضاة بالفساد.